على موقع (فيس بوك) ,جرى حوار بيني وبين أحد مؤيدي د. محمد مرسي من المقيمين خارج مصر, تحاورنا فيه حول الوضع الراهن, وقد أعدت عليه ما كتبته في احدى المقالات حينما تقدم د.مرسي للترشح لمنصب رئيس مصر, حين قلت : "أن الدكتور مرسي قد يفوز في الانتخابات, لكنه لن يستطيع أن يحكم مصر" لأسباب عديدة , ذكرتها مُبكرا في ذلك المقال, الذي لم يأبه له مؤيدوه, ولذلك لم أتردد في حجب صوتي عن د.مرسي في الانتخابات,مع أنني وربما بعضا ممن لم يؤيده تمنوا نجاحه (بعد أن أصبح رئيسا للبلاد) أملا في نجاح تجربة التحول الديمقراطي .. فقال لي : نحن (مؤيدي د.مرسي) نعلم (الآن) أن د.مرسي لن يستطيع أن يحكم مصر فقلت له : ولماذا ترفعون في مظاهراتكم صورة د.مرسي وتطالبون بعودته وتدشنون حملة بعنوان : مرسي رئيسي ؟ حتى أن تحالفكم جعلتم له عنوانا :"دعم الشرعية" وليس دعم الحرية أو الديمقراطية (مثلا), مما جعلنا نفهم أن دعم الشخص يتقدم عن دعم القيمة, مع أنه "في أحسن التقديرات" لم يكن أهلا لهذا المنصب. قال : لعودة الشرعية ؟ يعود د.مرسي ولو لساعة واحدة ويعلن انتخابات رئاسية مبكرة أو تفويض مهامه لرئيس الوزراء أو لغيره ؟ فقلت له : كل هذه المظاهرات والتضحيات والدماء لمجرد عودته ساعة واحدة أو يوم واحد أوشهر واحد ؟ لمجرد عودة شكلية لا فعلية ؟ هب أن د.مرسي مات ميتة طبيعية ؟ أليس هذا واردا ؟ فقال لي : نحن نريد عودة المسار الديمقراطي , لا عودة مرسي لشخصه أو بشخصه.. فقلت له : هذا مطلب سياسي, يمكن أن تتعاون فيه كثير من القوى الوطنية عبر نضال سياسي واجتماعي وقانوني وبرلماني ونقابي وغير ذلك, من أجل تحقيقه بمشاركة مجتمعية وحراك شعبي ..لكن هل هذا يعني انسحاب الإخوان من ملف أو سباق رئاسة مصر في المستقبل, وهل هذا يعني نوع ما من المراجعة الذاتية لملف العمل السياسي للإخوان إجمالا ؟ قال لي : أنا خارج مصر , وبعيد عن الواقع , لكن يبدو أنه لم يعد أحد بقادر على أن يعبر عن (كل) جماعة الإخوان, فغياب القيادات من جهة , ومعطيات العمل في الشارع من جهة أخرى, لم تجعل قرارات التنظيم كما كان يحدث من قبل ؟ يبدو أننا لم نعد كما كنا, ولن نعود كما كان, وكثير من الشباب يؤجلون المراجعة الآن .. فقلت له : في ظني أن المراجعة مهمة في كل وقت, ولعلها تكون أكثر أهمية في وقت الأزمات, ثم إن الجماعة حين أسسها المؤسس (رحمه الله) كجماعة دعوية كتب رسالة :"دعوتنا" ..ثم كتب رسالة " دعوتنا في طور جديد" ..ولو افترضنا أن المؤسس (رحمه الله) كان يعيش بيننا , ربما كان ليكتب " دعوتنا في طور ثالث" كنوع من أنواع التجديد .. والإخوان قديما حين أحسوا بأن أفكارا تكفيرية تتسلل الى عقول بعضهم نتيجة السجن والتعذيب, قام مرشدهم (وفاءٌ للدين قبل الإخوان, ووفاءٌ للوسطية ضد التشدد) بكتابة كتاب (دعاة لا قضاة), وقد كتبه في محبسه في ظل ظروف بالغة الصعوبة, وكان من الممكن أن يُقال له ( أتؤاخذنا نحن ولا تؤاخذ من يعذبنا ويسجننا), لكنه استشعر أن مسئوليته وواجبه وأولوياته في الحرص على نشر المفاهيم الصحيحة وتصحيح السلوك والأفكار الخاطئة أهم من أي شيئ أخر. الآن يقع كثير من ابناء التيار الإسلامي في فخ التصنيف, والحكم على الناس, هذا كذا والأخر كذا, مما يبدو معه أن شعار بعضهم الآن أنهم أصبحوا (قضاة لا دعاة), فمن ينهض (كما نهض حسن الهضيبي – رحمه الله) ليصحح هذه السلوكيات ,وذلك أيضا وفاء للدين, وقيمه وغاياته السامية.. إنني افترض مثلا أن يقوم الإخوان بإعلان تاريخي, كطور جديد,أن الإخوان جماعة دعوية تهدف لنشر تعاليم الإسلام الوسطي السني بمفهومه الشامل,( حبذا لو كان ذلك بأسم جديد ومنهج وأفكار ولوائح وقيادة جديدة), حيث أن المضمون هو الأساس وليس الشكل, وقد تحرر الإخوان في اكثر من بلد من قيد الأسم الذي ناله قدر معتبر من التشويه (بحق أو بباطل), فكان حماس وحمس,وجبهة العمل الإسلامي, وغير ذلك .. وهي عندما تعلن هجر العمل الحزبي والسياسي التنفيذي, فهذا لا يعني عدم الإيمان بأن الإسلام دين شامل يسع مناحي الحياة جميعها, وأن الإسلام دين ودولة..وحين تقوم مجموعة من الأحزاب بالعمل السياسي بألوان متعددة, وتقوم مجموعة من الجمعيات بأعمال البر, وجمعية أو أكثر بالعمل الوعظي والدعوي وإرشاد المجتمع, وجمعية أو أكثر بأعمال ثقافية وتوعوية , وهكذا .. فهذا يعني أن (الجماعة الوطنية مجتمعة) تحقق (معا) مفهوم الإسلام الشامل , الذي لا يمكن حصره أو تصوره في أن تقوم جماعة واحدة بكل الوظائف تحقيقا لمفهوم الإسلام الشامل !!.. فهذا المسلك لم يحقق نجاحا, وأربك الفكرة والجماعة والدولة والمجتمع والإقليم, فلم لا يُعاد النظر فيه ؟ لعل هذه تكون صفحة جديدة في مسار العمل الدعوي, ولعل هذا الأمر يحظى بترحيب محلي واقليمي ودولي يُزيل قدرا كبيرا من التوجس الحاصل صوب الجماعة.. يعلم الله أنني أطرح اجتهادا لعله يحظى بموافقة أو نقاش مجتمعي معتبر, لعله يمثل مخرجا مما يعاني منه الوطن, وتبقى إشكالية قائمة حول وضع د.مرسي , ولعلنا نناقشه في مقال قادم إن شاء الله ..