عرفت الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف السابق قبل سنوات بعيدة؛ فقد شاركنا معا – قبل أن يتولي الوزارة - غير مرة في ملتقى الفكر الإسلامي بالجزائر، وكنت رئيسا لعدد من اللجان التي شارك هو في عضويتها مع عدد من مفكري العالم الإسلامي، ولكن هذه اللقاءات الرسمية العابرة لم تسمح لي بالحكم على الرجل حكما موضوعيا يطمئن إليه قلبي. ومضت السنون وتم اختيار الدكتور زقزوق وزيرا للأوقاف، فرجوت الله أن ينهج في إدارة تلك الوزارة المهمة نهجا إصلاحيا جديدا، فيعمل على تحريرها من يد الأمن الباطشة، ويهيئ للعاملين فيها ولا سيما من الأئمة والخطباء والوعاظ أسباب الحياة الكريمة، حتى يتمكنوا من أداء دورهم في المجتمع على الوجه الأمثل، دون أن يحول بينهم وبين الدعوة الصادقة إلى الله خوف سلطان جائر يلاحقهم بجواسيسه أينما حلوا ومتى تكلموا، ولا يدفعهم ضيق ذات اليد إلى العمل بوظائف جانبية يحصلون من ورائها على ما يكفل لهم الحد الأدنى من الحياة الإنسانية الكريمة. فأنا ممن يؤمنون بأن خوف السلطان مجلبة للنفاق، وخشية الفقر مجلبة للهم وبلبلة الخاطر . وبينما كان الدكتور أحمد عمر هاشم يرفع صوته بتحسين أوضاع الأئمة، كان زقزوق لا يبالي بالأمر وكأنه لا يعنيه ...ووالله لقد رأيت أئمة في القرى يعيشون هم وأسرهم في غرفة واحدة تضيق بهم ولا يجدون من أسباب النفقة ما يحفظ ماء الوجه ويقي ذل السؤال. ورجوت كذلك أن يعمل الوزير على أن يكون لوزارة الأوقاف دور أكثر فاعلية في صياغة منظومة القيم التي تؤثر في المجتمع وتحكم مسار أبنائه في الحياة، من خلال خطاب ديني وسطي يفي لثوابت الإسلام بقدر ما يرعى الواقع ويحسن التعامل مع مفرداته. ******** لقد لبث الوزير في منصبه نحو خمسة عشر عاما، وهي فترة طويلة جدا تتسع للقيام بثورة إصلاحية – لا مجرد إصلاح جزئي لا قيمة له - تشمل أركان الوزارة بأسرها، لو أراد الوزير، ولكنه لم يرد، ومضت السنون سنة تلو أخرى، ووزارة الأوقاف في تراجع مستمر وتدهور مخيف، حتى آل أمرها إلى ما نراه جميعا...... انصرف الناس عن المساجد التابعة لوزارة الأوقاف، وانفضوا من حول أئمتها ودعاتها، لعلمهم بأن تلك المساجد تتبع – بحق- جهاز الأمن لا وزارة الأوقاف، وأن أئمتها – في الغالب – يقدمون خطابا (متحفيا باردا) لا يمس قضايا الناس ولا يناقش مشكلاتهم الحقيقية في الدين والحياة.... خطابا تمليه عليهم أجهزة الدولة، فتحدد لهم متى يتكلمون ومتى يصمتون وأي الموضوعات يطرقون . وفي المقابل أقبل الناس على تيارات دينية أخرى يبتعد بعضها عن الوسطية التي يمثلها الأزهر، والاعتدال الذي هو دين المصريين بعد الإسلام، وقلت ثقتهم في المؤسسة الدينية الرسمية التي حرص مبارك على إضعافها ومحاصرتها وإسكات صوتها طوال ثلاثين عاما، يعينه على ذلك المخطط صمت الدكتور زقزوق وعدم مبالاته بمستقبل الدعوة الإسلامية التي تمثل الأوقاف ركنا أساسيا فيها. لقد آن أوان الحساب والمراجعة، وأصبح فتح الملف الخاص بوزارة الأوقاف ضرورة لازمة ..... ضرورة شرعية وضرورة وطنية. ******** لقد شغل الدكتور زقزوق نفسه بمسائل شكلية لا طائل من ورائها، مثل مسألة الأذان الموحد، ففضلا عن رصده لهذا الأمر 15 مليون جنيه (من أموال دافع الضرائب) لم يؤرق ضميره أنه يسعى في هدم سنة الأذان، وهي السنة التي ترتبط بأهم عبادة في الإسلام وهي الصلاة . إنها جريمة بكل المقاييس، ومثال لا يفتقر إلى كمال البيان على الطريقة التي كان الدكتور زقزوق يدير بها وزارة مهمة في حجم وزارة الأوقاف. لقد صرحت بموقفي هذا قبل الثورة غير مرة وفي مناسبات مختلفة في حضور الدكتور زقزوق نفسه، لا أبغي إلا الإصلاح، ولا تحركني إلا كلمة الحق التي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قولها عند سلطان جائر أفضل الجهاد. ******** وأما وزير الأوقاف الحالي الدكتور عبدالله الحسيني فأناشده بأن يعمل صادقا جادا على إنقاذ وزارة الأوقاف من محنتها وتفعيل دورها في المجتمع وإعادة الثقة للناس في الخطاب الذي تقدمه. فلا يصغي إلا لصوت الحق، بعد أن أخرست الثورة المباركة صوت الأجهزة الأمنية الظالمة، وأن يعني بتحسين أوضاع الأئمة والوعاظ والخطباء وتأهليهم تأهيلا حسنا، وأن يستأصل شأفة الفساد المالي من الوزارة بعد أن أزكمت رائحته الأنوف. وأقول له: إننا لن نصبر أكثر مما صبرنا، ولن نمهله كما أمهلنا سلفه خمسة عشر عاما حتى نرى يد الإصلاح والتطوير تنهض بوزارة نعتز بها ونؤمن بعظيم دورها في نهضة الأمة المصرية التي نتطلع إليها جميعا . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته * أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية. رئيس تحرير مجلة التبيان