تعد نظرية جون رولز "العدالة كإنصاف" من أهم الأسس الفلسفية للديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية المتبعة في الغرب، باعتبار العدل هو المنظم الاقتصادي الأكثر أهمية. ويلاحظ أمارتيا سن أن هناك تراثا مديدا في التحليل الاقتصادي والاجتماعي لتعريف قيام العدل، بما اعتبر أنه الهيكلية المؤسسية الصحيحة. ولكن توجد مع ذلك أسباب مهمة للاعتقاد بأن أيا من هذه الصيغ المؤسسية لا يفي بما أمل/ توهم أصحابه الحالمون/ الواهمون من وعود، وأن نجاحهم الفعلي هو في إنتاج تبلورات اجتماعية جيدة معتمدة اعتمادا شديدا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المتغيرة. وقد لا تجافي الأصولية المؤسسية (حقيقة) تعقيد المجتمعات فحسب، بل إن الرضا عن الذات الذي يرافق الحكمة المؤسسية المزعومة في أغلب الأحيان يمنع الدراسة النقدية للنتائج الفعلية لقيام المؤسسات الموصى بإقامتها بالفعل. في النظرة المؤسسية الصرفة، لا توجد رسميا على الأقل قصة عدالة خلف إقامة "المؤسسات العادلة"، وبصرف النظر عما ترتبط به المؤسسات من خير يصعب الاعتقاد بأنها في الأساس خير بذاتها إلا أن تكون سبيلا فعالا لتحقيق منجزات اجتماعية مقبولة أو ممتازة. يقابل نظرية العدالة نظرية الخيار الاجتماعي، وهي تسمية تعود إلى الفيلسوف كينيث أرو، وكان معنيا بمصاعب القرارات الجماعية، وما يمكن أن تؤدي إليه من تناقضات. وقد أرسى أرو الفرع المعرفي لنظرية الخيار الاجتماعي بشكل تحليلي بمسلمات صريحة العبارة ومدروسة تشترط أن تلبي القرارات الاجتماعية شروطا دنيا معينة للموضوعية، يمكن أن تنبثق منها التصنيفات الاجتماعية المناسبة وخيارات الطبقات الاجتماعية. وقد أدى هذا إلى ولادة نظرية الخيار الاجتماعي الحديثة كفرع معرفي، لتحل محل المقاربة الاتفاقية بعض الشيء لكوندوروسيه وبوردا وغيرهما. ويظهر تشخيص الظلم غالبا كنقطة البداية للنقاش النقدي. ولكن إذا كانت هذه نقطة بداية معقولة، فلم لا تكون نقطة نهاية جيدة كذلك؟ ما الداعي إلى وجود نظرية في العدالة؟ ألا يكفي إحساسنا بالعدل والظلم؟ يتساءل أمارتيا سن، ويجيب ببساطة لم يكن فهم العالم قط مسألة تسجيل لانطباعاتنا المباشرة، الفهم ينطوي حتما على التفكير، وعلينا أن نقرأ ما نشعر به وما يبدو أننا نراه، ونسأل إلامَ تشير تلك المدركات وكيف يمكن أن نأخذها بعين الاعتبار من دون أن تسيطر علينا، وما موثوقية مشاعرنا وانطباعاتنا. قد يفيد الإحساس بالظلم كإشارة تدفعنا إلى التحرك، لكنها إشارة تتطلب معاينة دقيقة، ولا بد من أن يكون هناك تدقيق في سلامة الاستنتاج القائم على هذه الإشارات، فاقتناع آدم سميث بأهمية المشاعر الأخلاقية لم يحل بينه وبين البحث عن نظرية للمشاعر الأخلاقية، والتأكيد على وجوب المعاينة الدقيقة للشعور بالإثم من خلال التدقيق الحصيف لمعرفة ما إذا كان يصلح أساسا لإدانة محتملة. ويسري هذا المطلب نفسه على الميل إلى إطراء أحد ما أو شيء ما. عن الغد الأردنية