القلوب الصالحة درجات في المجتمعات المفلحة ، والقلوب الكالحة هي دركات في المجتمعات الطالحة ، إنها المضغة التي إذا صحلت صلح الجسد كله، لأنها محل التقوى، وعبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحة، قال صلى الله عليه وآلة وسلم: "التقوى ها هنا" وأشار إلى قلبه الشريف ثلاث مرات. ومعنى ذلك أن تقوى الله تعالى محلها القلب، فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح، وفي رواية أخرى ورد قوله صلى الله عليه وسلم: ' 'إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم''. التقوى محلها القلب، لذلك فهي لا تليق إلا بقلب المؤمن بربه، المطمئن لخالقه، الخاضع لرازقه ، المتوجه اليه المتوكل عليه الخاشع بين يديه ، به يفكر ويدبر ، وبه يبصر يسمع، وبه يقوم ويقعد ، وبه يتحرك ويمشي .. جاء في الحديث القدسي " .. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " . رواه البخاري . القلب السليم عظّم الخالق في نفسه فصغر ما دونه في عينه. قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرّم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزق بعد ذلك خيرٌ فهو خير إلى خير المؤمن يعيش سليم الصدر طاهر القلب، بعيدا عن الاحقاد والغليان ، معزولا عن وساوس الشيطان ، متجنبا للظلم والطغيان ..!! يعيش خالي الهم قرير العين سعيد الحظ ، يفرح لاخيه المسلم في أفراحه ويحزن له في أتراحه ، وبذلك يحيا المسلم باحثا عن النجاة راضيا عن الله مستبشرا بالحياة...!! الحقد الأسود يفسد الأعمال الصالحة ويطمس بهجتها ويعكر صفوها ، أما القلب المشرق العمور بالايمان ينساق الي الصواب وينطلق الي الحق ولا يخرج منه الا خير البلاد وراحة العباد ، لذلك يبارك الله فى قليله، وهو إليه بكل خير أسرع : عن عبد الله بن عمرو قيل: يا رسول الله أى الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان. قيل: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقى النقى، لا إثم فيه ولا بغى ولا غل ولا حسد ومن ثم كانت الجماعة المسلمة حقا هى التى تقوم على عواطف الحب المشترك، والود الشائع، والتعاون المتبادل، لا مكان فيها للفردية ولا مجال فيها للأنانية ، بل هى كما وصف القرآن: " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم( "( الحشر ) إن الخصومة إذا نمت وتفرعت وترعرعت أسقطت المروءة وأوجبت اللعنة ومن هنا تخفي في عينه الفضائل، وتتضخم أمامه الرذايل ، وقد يذهب بها الحقد إلى افتراض الأكاذيب ونسج العيوب وطمس الحسنات ووأد القربات ..!! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى! قال؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هو الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين . والشر قد يتطور والحقد ربما يتنامي فيسقط بصاحبه الي اسفل سافلين ..!! روى ابن عباس أن رسول الله قال: ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا: بلى، إن شئت يا رسول الله. قال: إن شراركم الذى ينزل وحدة، ويجلد عبده ويمنع رفده. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى، إن شئت يا رسول الله، قال: من يبغض الناس! ويبغضونه. قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى، إن شئت يا رسول الله، قال: الذين لا يُقيلون عثرة، ولا يقبلون معذرة، ولا يغفرون ذنبا، قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره ". بل قد يهوي ويتسفل اكثر .. كيف ؟ روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "أتدرون أربى الربا عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: قإن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم ، ثم قرأ رسول الله : والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا . وتتبع العورات وتلمس العيوب جريمة يعاقب عليها الشرع ، قال رسول الله: من ذكر امرأً بشيءٍ ليس فيه، ليعيبه به، حبسه الله فى نار جهنم حتى يأتى بنفاد ما قال فيه " . وفى رواية: أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة، وهو منها برىء، يشينه بها فى الدنيا، كان حقا على الله أن يُذيبه يوم القيامة فى النار، حتى يأتى بنفاد ما قال " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ( النور ) ولقد نصح الإسلام لمن عليه الحق أما من له الحق فقد رغب إليه أن يلين ويسمح، وأن يمسح أخطاء الأمس بقبول المعذرة، عندما يجىء له أخوه معتذرا ومستغفرا، ورفض الاعتذار خطأ كبير . وفى الحديث: من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس . وفى رواية: "من تُنُصِّلَ إليه فلم يَقبل لم يرد علىَّ الحوض.
وقد كان النبى ينقى أن يُبلغ عن أصحابه ما يسوءه ، قال: لا يُبلغنى أحد منكم عن أحد من أصحابى شيئا، فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن عَلِمَ من أخيه سيئة فسترها، ستر الله عليه يوم القيامة". وقال: "من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موؤدة " ذُكر انه كان لأبي حنيفة جار فاسد يشرب الخمر ، فنصحه حتى تعب من كثرة نصحه فتركه وذات يوم جاءت زوجتة تدعو أبي حنيفة للصلاة على زوجها ، فرفض وفي منامه جاءه الرجل العاصي وهو يتمشى في بساتين الجنة ويقول قولوا لأبي حنيفة الحمد لله لم تجعل الجنة بيده لما أفاق سأل زوجته عن حاله فقالت هو ماتعرف عنه غير أنه كان في كل يوم جمعة يطعم أيتام الحي ويمسح على رؤوسهم ويبكي ويقول أدعو لعمكم ، فلعلها كانت دعوة أحدهم . فندم إمامنا الجليل أشد الندم وذكر : إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى مايكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل الجنة فيدخلها ثم قال : لا تسبوا أصحاب المعاصي ولا تحتقروهم فإنما نحيا بسترالله ولو كشف الله عنا ستره لفضحنا ...!!
وهذا رجل بلغ عنه رسول الله أنه من اهل الجنة ، لانه لا يجد نفسه لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد على خير أعطاه الله إياه .... والحسد مرض مدمر ناتج من ضغائن القلب بل يزرعها وينميها والبون بعيد بين الحسد والطموح، وبين الحسد والغبطة، كيف ؟ قال سليمان : قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ، وقال عباد الرحمن في سورة الفرقان : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما و من سقوط الهمة وفقد القمة أن ترتبط الآمال بالتفاهة من الأحوال.. وهناك شئون يعتبر التشبث بطلبها عبثا لا يورث إلا الحسرة، وقد ينتهى بالحقد على الناس، وفقد الاحساس وضياع الاعمال وسوء الحال .قال رسول الله : " ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا: رجل أمَّ قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان مُتصارمان ، حفظني الله وإياكم من كل سوء وساقني الله واياكم الي كل خير ...
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.