جاءت الثورات المتلاحقة في العالم العربي أشبه بزئير الأسد الذي يرعب جميع من في الغابة فعلى وقع هذه الثورات المتلاحقة في العالم العربي والذي نرى من وجهة نظرنا المتواضعة أنها مازالت في بدايتها وان العالم العربي أمام مرحلة جديدة من الثورية الحقة يجدد بها شبابه ويدخل بها إلى معترك التاريخ الذي ظن البعض أن العرب بالفعل صاروا خارج التاريخ ولعلي لا أكون مبالغا إذا قلت ربما يصنع العرب تاريخا جديدا للعالم يبدأ من هذه المنطقة الذي غيبت كثيرا عن مكانتها رغم ما تحمله من إمكانيات بشرية وثروات اقتصادية تتنوع بين أخصب الأراضي والثروات المعدنية والاحتياطي الضخم من النفط والغاز فضلا عن الآثار المنتشرة مثلا في مصر من أقصاها إلى أقصاها والتي لو احسن استغلالها وتوظيفها بصورة صحيحة لكانت رافدا اساسيا في الدخل القومي بصورة تفوق ما عليه الوضع الحالي بمرات عدة هذا فضلا عن الشواطئ السياحية والجو المعتدل والأنهار العذبة والمياه المالحة فنعم الله سبحانه على هذه المنطقة لا تعد ولا تحصى مما يجعلها منطقة غنية بكل المقاييس لكنها كانت تعيش حياة بؤس نتيجة لتحكم طبقة من الحكام المستبدين والظلمة الذين حولوا المجتمعات إلى عزبة خاصة يتصرفون فيها كيف يشاءون وحرموا الشعوب من أبسط حقوقهم وهي الحق في حياة حرة كريمة تقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية واكتب هذه الكلمات ومازالت ثورة ليبيا شعب الشهيد عمر المختار الذي أجبر أشد الجيوش الاستعمارية فتكا على الخروج من ليبيا وهو الاستعمار الايطالي الذي اعترفت بلاده مؤخرا بخطأهم في حق الشعب الليبي وقرر دفع تعويضات عن تلك الحقبة المريرة لكن الشعب الليبي وقع منذ ما يزيد على أربعة عقود في اسر الاحتلال القذافي وهو رجل خاوي الوفاض من كل شيئ ولا يملك إلا عقلا مضطربا استطاع أن يبدد في مغامراته الصبيانية الطائشة ثروة هذا البلد الغني بثروته النفطية على مدار عقود في أوهام كيشوتية وحينما ثار الشعب الليبي أخيرا مطالبا بحقه في حياة حرة كريمة وفي التحرر من هذا الجبار المختل هو وأبنائه أعلن القائد والزعيم ملك ملوك إفريقيا وعميد الحكام العرب الحرب على شعبه الذي لا يعرف مصلحته في أن يظل عبدا وأسيرا لهذا المجنون وأبنائه من بعده فاحضر لهم البلطجية والمرتزقة من كل حدب وصوب وأغراهم بالمال ليطهر ليبيا من شعبها حتى يبقى القذافي وأبنائه حكاما على مر الدهور والعصور وان شاء الله ستكون نهايته بحجم جرائمه وظلمه وجبروته هو وأبنائه إما انتحارا أو رميا بالرصاص مثل بقية المجرمين من الطغاة ورغم مأساة الشعب الليبي ووقوفا معه قلبا وقالبا فان ذلك لا ينسينا وجود أكثر من مليون ونصف مليون مصري يعملون في ليبيا معظمهم من الطبقة الوسطى والعمالة التي لاتملك سوى قوت يومها من الحرفة الذي يتقنها ومعظم هؤلاء يفتقد رزقه وقوته ومدخراته في هذه الحرب الذي شنها القذافي على شعبه لمجرد ثورته على الظلم والاستبداد ومطالبته بحقه في حياة حرة كريمة وقد شاهدنا في بداية الثورة الليبية المباركة دول العالم تهدد بالتدخل العسكري لحماية جاليتها التي لا تتعدى بضع عشرات كبريطانيا مثلا التي لا تتعدى جاليتها مائة وسبعينا فردا وفي المقابل لم نجد موقفا واضحا من الخارجية المصرية تجاه جنون العقيد وأبنائه رغم ما قاله ابنه سيف الإسلام على شاشات العالم في بداية الأزمة من أن المشاغبات يقوم بها بعض المصريين والتونسيين وهو ما يعد تحريضا صريحا على المصريين وبعد الحظر الجوي وضرب مواقع قوات القذافي بدأت هذه القوات من المرتزقة في التنكيل بالمصريين واستخدامهم دروعا بشرية الذي لم يصل منهم سوى مائتي آلف لا يتعدى نسبة عشرة الى خمسة عشرة في المائة من العاملين هناك والذي يقدر عددهم من مليونين الى مليون ونصف مليون عامل مصري ولذا نرجو من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المثقل بهموم كثيرة في هذه الفترة بالنظر بجدية لهؤلاء وسرعة تدبير الإجراءات اللازمة لحمايتهم حتى لو تطلب الأمر تدخلا عسكريا مصريا فتعداد المصريين في ليبيا يزيد على ربع سكان هذا الشعب الشقيق وهو عدد لا يمكن أن نغفل عنه ولا عن حقوقه لان النظام المصري السابق كان لا يعبأ بحقوق الشعب في أي مكان فعلى سبيل المثال كانت الجاليات المصرية في أي مكان هي الجالية التي لا تجد من يدافع عن حقوقها لأن النظام السابق لم يكن يهتم بغير مصالحه هو وفقط كيف يؤمن وجوده ويحقق أكبر قدر من النهب المنظم لخيرات البلد ويهربها في حسابات خارجية بمساعدة أعوانه فمازالت هناك حقوق معلقة لبعض المصريين منذ كانوا يعملون بالعراق قبل أكثر من عشرين عاما قبل احتلال العراق للكويت ولم تحصل حتى الآن على حقوقها فقد آن الآوان لأن يكون للمواطن المصري من يدافع عن حقوقه ويراعى سلامته أينما كان وإلا لما كانت للثورة؟ أليست من اجل تحقيق كرامة المواطن المصري وحفظ حقوقه والدفاع عنها أمام من يعتدي عليها وتأمين حياته وسلامته صحيح أننا نتألم لحال الشعب الليبي الذي يجابه حربا شنها عليه نظاما غاشما مستبدا أباح دماء الليبيين من اجل سلامة القائد المفدى لكن هذا لا يمنعنا من السؤال عن سلامة المصريين هناك ولا عن حقوقهم المهدرة بعد أن تنكشف الغمة حتى يشعر المواطن المصري أخيرا انه أصبح مواطنا حقيقيا في وطن يدافع عن سلامته وحقه في حياة حرة كريمة وفي أن يحافظ على حقوقه المالية التي خسرها نتيجة لثورة الشعب الليبي البطل في طلب الحرية والاستقلال من استبداد القذافي وجنونه هو وأبنائه. * رئيس قسم الفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم جامعة الفيوم