مئات أو آلاف من أفراد الشرطة العاديين، كثير منهم مدنيون تظاهروا لرفع الأجور. وفيما وفد منهم يفاوض وزير الداخلية، كان حريق هائل يلتهم مبنى الاتصالات الحيوي بمجمع الوزارة. مظاهرات مماثلة في عدة محافظات أخرى انطلقت في التوقيت نفسه. في محافظة الشرقية مثلا، جرت محاولة لاقتحام مديرية الأمن. هؤلاء الذين يريدون ظروفاً معيشة أفضل سواء من حيث المكافآت والرواتب والحوافز أو ساعات الخدم الطويلة، بالاضافة إلى شكواهم من اساءة الضباط لهم، لا اتخيل أنهم يطلبون إقالة الوزير منصور العيسوي وإعادة سلفه محمود وجدي. لا العيسوي حجب حقوقهم، ولا وجدي زاد رواتبهم وحماهم من ضباطهم.. أليس ذلك يدعو للريبة؟! إننا في الواقع في مواجهة دهاليز و"تور بورا" دولة قائمة بذاتها اسمها "الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية" تستطيع بالفعل احداث انقلابات بقدرات تنسيقية هائلة لخدمة مصالح وأهداف وأجندات، الله أعلم بها. عام 1986 سقطت مصر كلها في ساعة واحدة تحت "بيادات" أفراد الأمن المركزي الذين لا يجيد معظمهم القراءة والكتابة، لكنهم تحركوا بنفس واحد ليشعلوا الحرائق في المباني، ولم تمض ساعة أخرى حتى ذهب الوزير الشهم العادل أحمد رشدي ضحية لذلك الانقلاب. ورغم أن رشدي تكلم والكثيرون أفاضوا في التحليل، فإن الطريقة التي أشعلت تمرد أفراد أقصى أمنياتهم إجازة أسبوع بين الأهل، ما زالت خافية حتى ساعته وتاريخه! رشدي أنزل كبار الضباط من أبراجهم العاجية إلى الشوارع، أراح كراسي المكاتب منهم وجعلهم يؤدون عملهم في الميدان بضمير، وحارب المخدرات بضراوة، فما الذي اغضب صغار العساكر المجندين من ذلك؟! دولة "الداخلية" تكرر كوارثها ومآسيها في كل عصر، ولن يستقيم العود ما لم يتسنى لنا الكشف عن البواطن. ضحكنا كلنا عندما هدد عمر سليمان في ذورة أحداث ثورة 25 يناير بسيناريو انقلابات أحدها يمكن أن تقوم به الشرطة. عمر سليمان كمسؤول استخباراتي سابق لا يقول ذلك على سبيل المزح. [email protected]