تمثل العلاقات المتواضعة التي أقامتها الدول العربية مع جمهوريات آسيا الوسطى الخمس " أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان " منذ استقلالها عام 1991 وإلى اليوم نموذجا للفرص الضائعة علي العالم العربي في تبوأ مكانة كبيرة علي المستويين السياسي والاقتصادي ، وخاصة إذا ما تم الأُخذ في الحسبان أن تلك الجمهوريات تمثل رباطاً تاريخياً وعمقاً إستراتيجياً وسوقاً اقتصادياً وحليفاً سياسياً مفترضاً لم تلتفت الدول العربية إليه منذ أكثر من عقدين من الزمان ، في حين أن دولاً أخرى عديدة سارعت إلى المنطقة فور سقوط الاتحاد السوفياتي وأقامت علاقات إستراتيجية واسعة مع جمهورياتها . الانطباع العام لتفاعلات وعلاقات الدول العربية مع جمهوريات آسيا الوسطى إيجابي ، ولا يوجد فيها أي من من مظاهر التوتر التي تمر بها أحياناً العلاقة بين تلك الجمهوريات ودول مثل روسياوالولاياتالمتحدةوتركياوإيران ، إلا أنها مع ذلك تبقى علاقات خفيفة الوزن يغلب عليها الطابع الرسمي والروتيني ، ففي سبتمر 2006 خرج مجلس جامعة الدول العربية بتوصية إلى الأمانة العامة يطلب منها الاستمرار في جهودها من أجل تطوير العلاقات وتكثيف الصلات مع عدد من دول العالم من بينها جمهوريات آسيا الوسطى ، وحينما توضع هذه التوصية في إطار قرارات كثيرة للجامعة بما فيها تلك التي تخص الساحة العربية نفسها والتي لم تفعل منذ سنوات ، يتبين أن الدبلوماسية العربية الجماعية إزاء دول آسيا الوسطى لا تزيد عن كونها مشروعاً للنوايا الطيبة . وعلى المستوى الثنائي ، فإن حجم العلاقات يأتي متواضعاً إلى حد بعيد ، فعلي سبيل المثال ومن خلال لغة الأرقام ، قدم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لجمهوريات آسيا الوسطي الخمس خلال الفترة ما بين 1993 وحتي 2006 قروضاً يصل مجموعها إلى 18 مليون دولار ، في حين قدم إلى هندوراس ، إحدى جمهوريات أميركا الوسطى ، خلال الفترة 1992 وحتي 2005 نفس المبلغ ، وتدعم إحصاءات التجارة بدورها تلك الصورة المتواضعة للعلاقات بين الدول العربية ودول آسيا الوسطي . رغم أن معظم الدول العربية أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهوريات آسيا الوسطى خلال عامي 1992 و1993، فإنه باستثناء العاصمتين الكبيرتين طشقند وآستانة ، يعتمد كثير من الدول العربية على سفراء غير مقيمين بالجمهوريات الثلاث الأخرى مما يعكس محدودية العلاقات التي تحتاج من يرعاها . بل حتى في العاصمة الكزاخية الجديدة آستانة لا تتجاوز السفارات العربية عدد أصابع اليد الواحدة . وإذا كانت بعض مظاهر التقدم في التعاون بين الدول العربية ودول آسيا الوسطي تبرز من حين لآخر خاصة في المجال الثقافي ، فإن ذلك يظل جزءا بسيطاً من مرحلة تكوين طويلة لم تنقل العلاقات من الطابع الروتيني إلى الطابع الإستراتيجي ، حيث أن المشروعات الثقافية التي حاولت دعم مسألة الهوية بتلك الدول ومن بينها بناء قطر مركزا إسلاميا بالعاصمة الكازاخية آستانة ، وتحمل السعودية تكلفة بناء مبنى البرلمان الجديد بنفس المدينة وإن ساعد على تثبيت حقوق الكازاخ على منطقة من بلدهم يكثر فيها السكان ذو الأصول الروسية ، فإن ذلك الدعم يظل محدوداً في عمل واحد . وغم أن التعاون الثقافي بين الدول العربية وآسيا الوسطي يعتبر المجال الأكثر بروزا في آفاق التعاون بين الجانبين ، فإن اقتصار جوانب التعاون علي هذا المجال قد يكون له بعض المخاوف من العلاقات بين الجانبين ، وخاصة أن التعاون الثقافي كان دائما يميل إلي الجوانب الدينية ، الأمر الذي يثير نوعاً من التوجس والقلق لدي دول آسيا الوسطي ذات الطابع العلماني ، وكذلك دول الجوار وخاصة روسيا خشية أن تكون تلك العلاقات أداة لتغيير هوية المنطقة بشكل يخرجها تماماً عن سيطرتها التقليدية . كثيراً ما يكون تفسير ضعف مستويات التعاون بين العالم العربي ودول آسيا الوسطي هو تشابه القاعدة الاقتصادية بين المنطقتين ، حيث تتميز الدول العربية وخاصة في منطقة الخليج بغزارة الانتاج من الطاقة كالنفط والغاز مع بعض دول آسيا الوسطي وخاصة كازاخستان وأوزبكستان ، كذلك في قطاع الزراعة حيث تتشابه ظروف انتاج بعض المنتجات الزراعة مثل القطن في كل من مصر والسودان وأوزبكستان ، الأمر الذي يجعل كلا المنطقتين في حالة تنافس وليس التكامل ، ولكن تلك الأسباب ليست مبرراً لهذا الضعف الكبير في التعاون بين منطقتين بينهما الكثير من الروابط التاريخية والدينية والثقافية ، فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية لكلا المنطقتين تجاه الأخري . يمكن أن يكون التشابه في البنية الاقتصادية عاملاً من عوامل التعاون والتكامل بين المنطقة العربية وآسيا الوسطي ، أكثر من كونها حالة تنافس ، فالتشابة في القطاعات الاقتصادية يكون له دور فاعل في التنسيق والتكامل بين دول المنطقتين في الانتاج والتسويق ، وتبادل الخبرات وتطوير عمليات الانتاج ، هذا بالإضافة إلي أن تبادل الاستثمارات في القطاعات المختلفة يجعل من عملية التنمية أكثر فاعيلة . التعاون بين منطقة آسيا الوسطي والمنطقة العربية هام وحيوي لكلا المنطقتين من الناحية الاقتصادية والجيواستراتيجية ، فمنطقة آسيا الوسطي دولها حبيسة لا تطل علي أي من البحار أو المحيطات المفتوحة ، الأمر الذي يجعلها في حاجة للوصول إلي المنافذ البحرية ، خاصة مع ارتفاع تكلفة النقل الجوي ، والوصول إلي المنافذ البحرية يرتبط بدول معينة من دول الجوار المباشر مثل إيران والصين وباكستان وروسيا ، وإن كانت دول الإقليم تفضل إيران نظراً لكونها الأقرب إلي دول الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية ، والأكثر مرونة من الناحية الأمنية ، إلا أنها تظل في حاجة إلي الدول العربية وخاصة دول الخليج لتكون البوابة إلي مختلف مناطق العالم الهامة ، وإلي داخل الدول العربية الأخري . تزامن استقلال جمهوريات آسيا الوسطي مع مرحلة ما بعد تحرير الكويت ، والتي لا تزال تداعياتها تتواصل إلى اليوم . وبسبب عدم الاستقرار الإقليمي بالمنطقة العربية ، لم يكن لدى السياسات الخارجية العربية الفرصة للامتداد شرقاً نحو منطقة جديدة تردد حينما انهار اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية أنها ستكون جزءا من الشرق الأوسط الجديد . ولذلك تعد دول آسيا الوسطى منذ استقلالها منطقة صراع علي النفوذ ، حيث تحاول قوى عظمى وكبرى إقليمية ودولية وراثة النفوذ السوفيتي القديم ، في الوقت الذي تتصدى فيه موسكو لتلك القوى دفاعاً عما تسميه بالجوار القريب الذي تراه مجالاً حيوياً لا يمكن أن تضحي به . وفي خضم تلك الحرب الصامتة وجدت الدول العربية نفسها أمام قوى أكبر منها حجماً وأكثر منها استعداداً . ورغم أن المنطقتين العربية وآسيا الوسطى غنية بالموارد الطبيعية والبشرية علي حد سواء ، إلا أنهما لا يملكان القرارات السياسية الكاملة في إقامة علاقات خارجية مستقلة ، حيث تلعب التدخلات الخارجية من القوي الكبري دوراً كبيراً في ذلك ، حيث تبدو المنطقتان مسرحين تلعب فيهما القوى الكبرى ، الأمر الذي حول دولهما من فاعلين إلى ساحات للصراع الدولي ، ولم يعد بإمكانها أن تترابط مع دول المنطقة الأخرى دون الانتباه إلى ما تفرضه عليهما القوى الكبرى من قيود ودون التزام بالضوابط التي تحددها قواعد اللعبة بين الكبار . رغم أن الخلفيات التاريخية والثقافية والإستراتيجية والاقتصادية والسياسية تمثل أهدافاً وعوامل دفع لتطوير العلاقات بين الدول العربية وجمهوريات آسيا الوسطى ، إلا أنها تظل عوامل نظرية لا ترقي إلي الواقع العملي ، وإذا كان الجانبان يتحملان جانباً من المسؤولية عن ذلك ، فإن النظام الدولي يحول بدوره دون تطوير العلاقات بينهما ودفعها خطوات إلي الأمام . ويكفي للتدليل على ذلك أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولاياتالمتحدة في فبراير 2004 ، وبصرف النظر عن مضمونه الفكري ، تضمن من الناحية الجغرافية إلى جانب الدول العربية كلاً من تركياوإيران وإسرائيل وأفغانستان وباكستان . أما جمهوريات آسيا الوسطى فلم يرد لها ذكر لأن قواعد النظام الدولي ، لا زالت تعترف لموسكو بمجال حيوي واسع يغطي جمهوريات آسيا الوسطي ، وهذا في حد ذاته لا يمثل سبباً في ضعف التعاون بين المنطقتين ، لأنه من المفترض أن لا ينتظر الطرفين مساعدة طرف ثالث علي منحهما الدعم من أجل التعاون والتقارب ، خاصة إذا ما كان هذا الطرف الثالث ليس من مصلحته التقارب بين العالم العربي ودول آسيا الوسطي . إذا كنا بصدد البحث عن العقبات التي تعترض عملية التعاون بين الدول العربية ودول آسيا الوسطي من أجل تذليلها ، فإنه لا بد من إعادة النظر في منهج العمل المعتمد لدي الجانب العربي ، فهو في حاجة كبيرة إلي مراجعة وتعديل سواء من حيث كثافة التفاعل أو فيما يتعلق بالأدوات المستعملة للتقارب مع تلك الجمهوريات ، فمد جسور التعاون لا تنمو ولا تصمد إلا بتوفير الدعم المالي والقاعدة الاقتصادية التي يمكن أن تقف عليها ، فالعمق الثقافي مهما بلغ بين العالم العربي وجمهوريات آسيا الوسطي سيفقد معناه وقيمته طالما لا تتم ترجمته إلى واقع يلمسه سكان تلك المنطقة ، وكذلك وجود ثمرة تلمسها الشعوب العربية نتيجة لهذا التعاون مع دول وشعوب تلك المنطقة . ضعف التعاون العربي مع دول آسيا الوسطي أعطي فرصة كبيرة لبعض القوي والدول الأخري لأن تملأ ذلك الفراغ ، وخاصة إسرائيل ، حيث أدى الغياب العربي والإسلامي بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي إلى فتح الباب على مصراعية أمام إسرائيل في اختراق دول آسيا الوسطى من خلال إقامة مشروعات عملاقة وتقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية ، كما سعت إلى تنظيم هجرات يهودية من بعض تلك الجمهوريات إلى إسرائيل لاستغلال الموروث الديني في بناء جسور من العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتم التوقيع علي العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين معبدة الطريق أمام الشركات الإسرائيلية ، وتأكيداً علي أهمية منطقة آسيا الوسطي أنشأت إسرائيل غرفة للتجارة والصناعة خاصة بالعلاقات مع دول آسيا الوسطى ، وأنشأت بنك المعلومات الاقتصادية ودليلاً للمجالات التي يستطيع الإسرائيليون الاستثمار فيها ، وسنّت قوانين حماية تلك الاستثمارات والإعفاءات الجمركية والازدواج الضريبي ، وتركز الشركات الإسرائيلية أعمالها في مجالات الطاقة ، والتعدين ، والزراعة والثروة الحيوانية ، والصناعة ، والاتصالات ، والأنظمة المالية والمصرفية ، والإدارة والتنمية البشرية ، والطب والرعاية الصحية ، والفضاء والأبحاث العلمية . كما شكلت الحرب الأمريكية ضد ما تسميه الإرهاب مظلة جديدة لإطلاق يد إسرائيل في نشاط عسكري استخباري محموم في آسيا الوسطى ، في وقت وضعت فيه واشنطن إستراتيجية تستهدف توسيع الهيمنة الأمريكية في آسيا وبسط نفوذها واستكمال حلقات السيطرة والهيمنة . كما أنه يوجد في العالم العربي دولاً كبري قادرة علي قيادة العالم العربي في التوجه نحو آسيا الوسطي التي تمثل عمقاً استراتيجيا واقتصاديا للعالم العربي مثل مصر ودول الخليج ، فإن دول مثل أوزبكستان وكازاخستان هي أيضاً لها ثقلها الاقتصادي والاستراتيجي ، وقادرة علي بناء شكبة من جسور التعاون ، ولديها الرغبة أيضاً في ذلك التوجه نحو العالم العربي ، وهذا ما من شأنه أن يسهم بشكل كبير في تذليل العقابات التي تعترض عملية التعاون والتقارب بين آسيا الوسطي والعالم العربي .
كاتب وباحث في الشئون الآسيوية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.