جاءَ تأسيس المجلس الوطني الليبي واعتراف عدد من القوى الدوليَّة به -كممثل شرعي ووحيد للشعب الليبي- علامةً فارقة على انهيار شرعيَّة نظام العقيد الليبي معمر القذافي وبدء العدّ التنازلي لزوال شمس حكمه الاستبدادي، والذي حاصر الشعب الليبي لمدة 42 عامًا بدَّد خلالها حوالي 3 تريليونات دولار على مغامرات لا طائل من ورائها في بقاع العالم، مرَّة لدعم الجيش الجمهوري الأيرلندي وفي تنظيم هجمات على أهداف مدنيَّة وعسكريَّة أمريكيَّة كلَّفت الشعب الليبي مليارات الدولارات من مقدراته الاقتصاديَّة، ناهيك عن الإنفاق ببذخ لدعم انقلابات عسكرية في البلدان الأفريقية والدخول في مواجهات عسكريَّة مع دول الجوار كلّف الميزانية الليبية المليارات والتي كانت كفيلة بإحداث نقلة حضارية وتنموية ظلت بعيدة تمامًا عن الشعب الليبي الذي اضطرَّ شبابه لمغادرة ليبيا والعمل في مهن متدنية في القارة الأوروبية لا تليق بشعب يمتلك واحدة من أعظم وأنقى الثروات النفطيَّة في العالم. ولأن حقبة العقيد المظلمة في تاريخ الشعب الليبي اقتربت من النهاية ولو لنقل انتهت كان لا بدَّ من استقراء مستقبل ليبيا في مرحلة ما بعد العقيد مع مجموعة من ابرز رموز المعارضة الليبية بالقاهرة ومعرفة تصوراتهم لما ستئول إليه الأوضاع في هذا البلد وإن كانوا قد أجمعوا على الحفاظ على وحدة البلاد وعلى أن تركة العقيد الليبي ثقيلة تقضّ مضاجع أي حكومة تالية مما يتطلَّب توحيد صفوف الليبيين لإعادة بناء وطنهم. أجندة وطنيَّة والبداية كانت مع واحد من أبرز رفاق درب العقيد القذافي في ثورة الفاتح من سبتمبر والذي لم تلعبْ صلاته الوثيقة بالقذافي أي دور في تحديد خطواته المستقبليَّة حيث آثر مصلحة ليبيا وأعلن انشقاقه عن نظام العقيد، وهو السفير عبدا لمنعم الهوني مندوب ليبيا السابق في جامعة الدول العربيَّة الذي شدَّد على أن مواجهة تداعيات حقبة القذافي وصياغة أجندة وطنيَّة وإعادة ترتيب البيت الليبي من الداخل ستكون الشغل الشاغل للقوى الوطنية الليبيَّة لافتًا إلى أن الشعب الليبي سينتصر في النهاية وسيكون قادرًا على مواجهة حماقات القذافي مهما بلغ إجرام النظام وزمرته ولن يقبل بأي حلول وسط معه إلا بعد مغادرته البلاد بشكلٍ فوري وبعدها قد نبحث قضية ملاحقته من عدمها في ظلّ تطورات الأحداث والاطلاع على بشاعة جرائمه في طرابلس والجنوب الليبي لوَأْد الثورة. وتابع شمس الحرية ستشرق على ليبيا بعد العقود الأربعة المظلمة حيث ستمر البلاد بفترة انتقالية يُشرف عليها المجلس الوطني أو أي جهة يتوافق عليها الليبيون حيث ستكون الحكومة الانتقالية مكلَّفة بإعداد دستور عصري وديمقراطي ينهي للأبد الديكتاتورية والفساد والحكم العائلي للبلاد ويعدها لانتخابات تشريعيَّة ستحدد وجهة الدولة الليبية وما إذا كان الشعب سيختار النظام البرلماني والرئاسي. وستسعى الحكومة الانتقالية كذلك والكلام ما زال للهوني لإزالة بقايا حكم القذافي، وستجري إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لمعالجة الاحتقان الذي يعاني منه الشعب الليبي منذ سنوات، سواء من جهة السيطرة على البلاد بنظام شمولي والنهب المنظم لثروات البلاد أو بغياب أي نوع من العدالة الاجتماعيَّة كانت الثروة النفطية الليبية كفيلة بتوفيرها لولا الاستخدام الأهوج المتهور لها من قِبل عائلة القذافي. ولا يجد المندوب الليبي السابق في الجامعة العربيَّة من الاعتراف من أن بلاده تحولت بفضل الحكم الديكتاتوري لعامل عدم استقرار في المنطقة هو الأمر سنحاول محوه عبر خطاب واضح للدول العربيَّة ودول الجوار الإفريقي بأن علاقات ليبيا معها سيحكمه حسن الجوار والسيادة والمصالح المشتركة، حيث سنسعى لبناء جسور الثقة مع أغلب هذه الجوار فيما يصبّ في صالح أمتنا العربية ومحيطنا الإفريقي والدولي بعيدًا عن نهج "الظز" الذي يتعامل به القذافي ونجله مع العرب وجامعتهم. حقبة جديدة ويشاطر د. إبراهيم عميش الأمين العام للتحالف الوطني الليبي المعارض السفير الهوني وجهة نظره بالقول: إن البلاد مقبلة على حقبة جديدة في تاريخها تحاول نفض غبار السياسات الحمقاء التي تبنَّاها ديكتاتور طرابلس التي أسهمت في عزلة ليبيا وتكريس صورتها كبلد مشكوك في مصداقيتها أمام العالم، بل وأظهرت الشعب الليبي كتابع يسيره سيده كيفما يشاء، وهي الصورة التي نجحت الصورة الليبية في إزالتها وقدمت للعالم وجهًا آخر لشعبنا حازت ثقة وتقدير الجميع. وأضاف سنحاول بناء دولة ديمقراطية وموحَّدة عاصمتها طرابلس بشكلٍ يزيل جميع المخاوف على وحدتها باعتبارها محلّ إجماع من القوى المعارضة للقذافي التي تعتبر طرابلس والجنوب الليبي أسرى لدى نظام القذافي يجب تحريرها بشكلٍ سريع فضلا عن السعي لتحديث ليبيا ومواكبة التقدم والتكنولوجيا الحديثة بدلا من كونها حاليًا دولة من القرون الوسطى لا همَّ لقيادتها إلا إشعال الأزمات في دول الجوار وفي المنطقة. وأضاف: سنكفّ عن مفاجأة العالم بمواقف هوجاء أضرَّت دومًا بمصالحنا الوطنية ومصالح أمتنا وجوارنا، فضلا عن توظيف ثروة ليبيا في إنقاذ الاقتصاد الليبي من عثرته ومعه الشعب الليبي الذي يرزح أكثر من 40% من شعبه تحت خط الفقر ويعيش مئات الآلاف في عشش الصفيح في وقتٍ تنفق ملياراتهم على مغامرات هوجاء وشهوات شيطانيَّة. ولم يخف عزم المعارضة الليبية تعقب ثروات الشعب الليبي سواء الموضوعة في البنوك العالميَّة أو الموظفة في شركة الاستثمارات العربية الليبية، فليس من المعقول أن يعاني الشعب الليبي من شظف العيش فيما تتمتع عائلة واحدة بهذه الثروات الطائلة، حيث ستستخدم هذه المليارات في إصلاح البنية التحتية والمؤسسات الخدمية "صحة, تعليم, وغيرها التي عمل القذافي على تخريبها ومعها جميع مقدرات الشعب الليبي بنظام الأرض المحروقة طوال سنوات حكمه. بناء الثقة فيما شدد د. زياد مطر القيادي البارز في المعارضة الليبية على أن إعادة الوجه العربي للسياسة الليبية سيعد معلما مهما من معالم الدبلوماسية الليبية في مرحلة ما بعد القذافي حيث سنسعى لإعادة بناء علاقاتنا العربية على أسس متينة وقوية لا سيَّما مع كل من مصر وتونس والسودان خصوصا أن الأخيرة عانت من مغامرات القذافي طويلا حيث لعب دورًا مهمًّا في تقسيم البلاد عبر دعمه لتمرد للحركة الشعبية لتحرير السودان من منتصف الثمانينات نكاية في النميري واستمرَّ الدور الليبي السلبي في إشعال الحرائق في دار فور ودعم وتمويل محاولة خليل إبراهيم الانقلابية دون الوضع في الاعتبار مصالح السودان ووحدته. ويلفت إلى أن نجاح الثورات ضد الحكم الديكتاتوري في تونس ومصر وليبيا قد يؤسس لعلاقات تكامل بين البلدان الثلاث سياسية واقتصادية في ظل المواقف المشرفة لكل الشعبين من الثورة الليبية ووجود جميع مفردات التكامل بين البلدان الثلاث بشكلٍ قد يقدم تجربة جيدة لما يجب أن يكون عليه التعاون بين الأقطار العربيَّة. وواصل د. مطر بالإشارة إلى أن الحفاظ على مصالح الشعب الليبي سيشكل الأولوية الأهم للمجلس الوطني الانتقالي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي حيث لن يألوا جهد افي التصدي لأي عبثٍ قام به نظام القذافي فيما يتعلق بأمن واستقرار البلاد ثروتها النفطية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث عرض تقديم تنازلات علي جميع الأصعدة تضع أمن البلاد علي المحك منها امتيازات غير قانونية لشركات النفط الغربيَّة على حساب المصالح الليبية واستخدم الورقة النفطية لتخفيف الضغوط الغربية علي نظامه لافتا إلى أن ليبيا لن تعترف إلا بالعقود القانونية المبرمة قبل اندلاع الثورة بل وسنعمل على استرداد حقوق شعبنا الذي يعاني من ضائقة اقتصادية بفضل سفه الحكم العائلي لليبيا. وبدَّد مطر مخاوف البعض من إمكانية تعرض وحدة لخطر التقسيم مشيرا إلى أن الحفاظ علي وحدة البلاد يحظى بإجماع جميع ألوان الطيف الليبي خصوصا أن الشعب الليبي يتمتع بتوافق عرقي ومذهبي حيث تسيطر الأغلبيَّة السنية الساحقة علي البلاد وتغيب التباينات الحادة بين القوي المعارضة حول مستقبل ليبيا وهي أمور تؤمن وحدتنا معتبرا أن القذافي والمقربين منها عملوا علي تأجيج مخاوف الغرب وبلدان الجوار من احتمالات التقسيم لإطالة أمَد نظامه المتداعي. ولا يستبعد مطر إمكانية ملاحقة القذافي ومليشياته وكتائبه أمام المحاكم الدولية حيث لا يري إمكانية لإفلات هذه الزُّمرة من جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق الشعب الليبي حتى في حالة تنحي الديكتاتور خصوصا أن هناك مذكرة توقيف دولية قد صدرت بشأنه من قبل محكمة الجنايات. مصارحة ومصالحة إذا كانت الآراء السابقة قد اتخذت منحًى متشددًا من نظام القذافي فإن الأكاديمي الليبي عبدا لله السنوسي أستاذ التاريخ الحديث بالجامعة الليبية يري أن المصارحة قبل المصالحة هو النهج الذي يجب أن يهيمن على الساحة الليبية في الفترة القادمة فنحن بحاجة لجميع جهود أبناء وطننا للمشاركة في إعادة بناء ما هدمته الأحداث الأخيرة. وأضاف النموذج الجنوب الأفريقي هو الأفضل بالنسبة لمعالجة التداعيات الأخيرة فتصفية الحسابات وشهوة الانتقام قد تقود البلاد للفوضى والاضطراب، مما يجعل من الأفضل سيادة هذا الخطاب العاقل المتزن ليتفرغ الجميع لمعالجة هذه التداعيات. وطمأن د. السنوسي الجميع على أن وحدة ليبيا لا تواجه مخاطر حقيقية فتجارب التاريخ علمتنا أن مشاريع تقسيم البلاد لا تحظى بأي دعم من الليبيين التواقين للوحدة والمستعدين لتقديم الغالي والنفيس من أجل المحافظة عليها بل أن نهج القبائل الليبية حلال الفترة الأخيرة قدَّم نموذجًا يُحتذى في تقديم مصالح البلاد على أي شيء آخر. المصدر: الاسلام اليوم