قد يكون هناك عدة أسباب تجعل الزوج ينفر من زوجته المثقفة ويتحاشاها، وربما يهرب من البيت لكي لا يتعاطى معها.. ومن هذه الأسباب: - محاولتها فلسفة الأمور وإظهار عمق تفكيرها - إبداء رأيها في كل شيء وإطالة النقاش في كل أمر - تدخّلها في حالاته النفسية والمادية ومحاولة فرض نفسها - عدم استعدادها لتقبّل أوامره دون إشراكها في اتّخاذ القرار - محاولتها التملّك والسيطرة - إنشغالها عن الأعباء المنزلية بالإجتماعات والندوات - نظرتها إلى القِوامة أنها سيادة وتسلّط فإن قبلتها فهي خاضعة خانعة - شعوره ربما بأن أنوثتها غير مكتملة بسبب قوة شخصيتها - إهمالها لزوجها نتيجة رغبتها في تطوير ذاتها وتحقيق طموحاتها - جدّيتها المفرطة وتعاليها عن الأحاديث البسيطة الشيّقة - حملها لهموم المجتمع وشعورها الدائم أنه يقع على عاتقها الإصلاح والتغيير - غرورها في بعض الأحيان وعلى الرغم من كل هذه الأسباب التي تبدو للوهلة الأولى أنها غير واقعية ومجحفة في حق المرأة المثقفة، إلا أنها أنّات رجال يعانون ويخشون من ثقافة وذكاء الزوجة.. ولو نظروا إلى النصف الملآن من الكوب لأدركوا أنهم يتعاملون مع امرأة راقية فكرياً، تستطيع أن تكون المربي لجيل واعٍ، والقلب الذي ينصت، والعقل الذي يحلِّل، والسند الذي يرافق في المسير..! إلا أن بعض –أو ربما أغلب- الرجال لا يريدون أن يروا في المرأة إلا "الأنثى"! وفي هذه الحالة يجب أن يستوعب الزوج ذكاء زوجته وثقافتها، ولا يسخر من طموحاتها، بل يشجعها على تحقيق أهدافها.. ولكن حين تنقلب هي لمعاملته بنديّة وغرور فحينها لا بد له من أخذ خطوة جريئة تجعلها تعي أنها في الأساس زوجة قبل أن تكون مثقفة.. وأن عليها واجبات، ولعل أهمها احترام الزوج وقبول قوامته.. فإن هي وعت وامتثلت بالذوق والحسنى والحوار فنعمّا به، وإلا فلا بد من الحزم، المغلّف بالهدوء، لتحجيم سيطرتها، ولإعادة الأمور إلى نصابها.. ومن الجيد أيضاً أن يُشعِرها بقوّة شخصيته وثقته بنفسه، وأنه قادرٌ على إدارة دفّة الأسرة بثبات ووعي.. وأنه بشخصيته وثقافتها يتكاملان ولا يتناحران! وفي الحقيقة فإنّ الفهم الخاطئ للدِّين وللقِوامة والطاعة هو مَن يربّي في نفس الزوج أنه القوّام الذي يجب أن يقرر كل شيء في البيت بعد إلغاء شخصية الزوجة التي عليها الطاعة العمياء دون أي نقاش.. ويعطي لنفسه المبرّر "الشرعيّ" كونه ربّ الأسرة.. ولعله إن علِم معنى القِوامة يهتدي إلى أنها مسؤولية سلّمها الله جل وعلا له ليقوم بواجب الرعاية والحماية والكفاية والولاية كما لخّصها السيد محمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار حين فسّر كلمة القِوامة.. ولو فهم معنى الطاعة في الشرع لعلم أن الزوجة ليست أمَة يحرّكها كيفما يشاء! أما الموروثات الأخطر فهي الموروثات الاجتماعية التي ينشأ عليها الرجل من أنه ذكر وهو الأفضل! وأن بيدِه زمام أمور كل شيء في حين أن المرأة لا يجب أن تتعدّى حدودها عتبة المطبخ أو غرفة النوم! أما إذا اشرأبت وقوِيت فهذا يُمكن أن يهدّد عرشه الذكوري القياديّ! وبذلك يبقى الرجل على نظرته السلبية للمرأة نتيجة العادات والتقاليد.. وغيرة من الزوجة المثقفة، أو خوفاً من أن تتفوّق الزوجة عليه فتنتابها حالة من الكِبِر إن هي تثقّفت وارتقت.. وإضافة إلى الموروثات لا يجب إغفال النماذج السيئة التي تعطي انطباعاً بشعاً عن النساء المثقفات، وكذلك دور الإعلام الذي يصوِّر المرأة المثقّفة قوية مستبدة صعبة المراس والانقياد، ما يُشعِر الرجل بأن كبرياءه مهدّد!.. أما كيف يجب أن تتعاطى الزوجة المثقّفة مع زوجها متدني الثقافة أو الموازي لها في الثقافة لتحقيق الانسجام وردم الهوّة.. فبكل احترام وحب.. لتستمر الحياة، وتتحقق مقاصد الزواج الذي شرعه الله جل وعلا من مودة ورحمة وسكن.. فلا فائدة من التعالي والتمرد والفوقية، لأن ذلك لا يورِث إلا الشقاق والنزاع.. ولتعُد الزوجة بذاكرتها إلى بدايات حياتها الزوجية، فهي كانت بدون شك قد وجدت في زوجها ما دفعها للزواج به.. فلتركّز على إيجابياته، ولتضخّم حسناته، فهو إن فَقَد الثقافة فلا بد أنه يحمل في طيات نفسه خيراً كثيراً.. وستجد العوض في نوع آخر من التكافؤ، قد يكون اجتماعياً أو اقتصادياً أو غير ذلك.. ولتُبقِ في وجدانها أنها باحترامها لزوجها وتقديرها له تساهم بشكل كبير في استقرار البيت والأسرة، وتُبعد شبح الضغوط التي يمكن أن تؤثّر سلباً على نفسيتها ونفسيّته، ما قد يؤدّي إلى اضطرابات جسميّة نفسيّة المنشأ.. أما إن أشعرته بالدونيّة فسيثور عليها ويقلب الحياة جحيماً أو يهجرها إلى مأوى آخر يجد فيه الراحة والطمأنينة والتقدير.. ويمكن للزوجة أن تكثر من التعاطي مع زوجها في الأمور التي يتقنها.. تجعله ينخرط في مجتمع يرتقي فيه من خلال العلاقات.. كما يمكنها إشراك زوجها فيما تقرأ لمحاولة رفع مخزونات الثقافة لديه، دون أن تُشعِره أنها تعمل على تحسين وضعه الثقافي، لئلا تتحوّل العلاقة بينهما إلى صقيع وجمود قاتلَين.. وللأسف فإن هناك من الزوجات من تُسفِّه زوجها في المجتمع.. وهي حين تحقِّر زوجها بهذه الطريقة أمام الملأ فإنها تدق مسماراً تلو الآخر في نعش زواجها.. وحين تتصرف بهذه الطريقة فهي تنافي الثقافة التي تدّعيها، لأنها لو كانت مثقفة وواعية لاستطاعت أن تدرك خطورة تسفيه الزوج، ولعرفت كيف تتصرف بشكل لائق أكثر.. وهي بهذا التصرف أيضاً تكون قدوة سيئة لأولادها الذين سيدرجون على عدم احترام الأب أو الآخرين، لأنهم رأوا صورة مقيتة من عدم احترام أمهم لأبيهم! وفي حقيقة الأمر يجب مواجهة هذه المرأة بواقع الحال وسؤالها: ما الذي دفعها للزواج به؟ إن كانت الفروقات الثقافية والفكرية بهذا القدر فما الذي دفعها ابتداءً إلى الارتباط بمن هو أدنى منها ثقافة وفكراً؟! إن ما دفعها لهذا الزواج يجب أن يكون كفيلاً بجعلها تحترم هذا الارتباط وتستمر فيه، وإلا فتفريق بإحسان! ولتعلم هذه الزوجة أن الثقافة الحقيقية للمرأة هي ثقافة الخُلُق والدِّين والأدب.. فبذلك ترتقي مدارج السالكين وتبهر من حولها.. وأكبر دليل على ثقافتها سيكون احترامها لمن حولها وتقبلها لهم، خاصة إن كانوا ممَن يزرعون السعادة في محيطها وينتظرون ثمرها..