سبحان الله ! فمعظم الحروف بين الكلمتين مشتركة ، لكن بين معانى كل منهما فروق أكثر من أن تعد وتحصى ! أما " الحظيرة " ، فلفظ قال به ، غير المأسوف عليه " فاروق حسنى "، الذى أُبتليت به وزارة الثقافة، ما كاد يقترب من ربع قرن، علامة على بحر الفساد الذى غرقت فيه مصر ثلاثين عاما، فخورا بأنه استطاع أن يُدخل عددا كبيرا من مثقفى مصر ومفكريها " حظيرة " الدولة !! وبفضل عضوية الحظيرة، احتل عدد غير قليل من هؤلاء مواقع فى الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون، حتى يروجوا للنظام الحاكم، واكتسب معظمهم، فى مقابل هذا " التلميع " وألقاب " الكاتب الكبير "، و" المفكر الكبير"، و" الأديب الكبير"، فضلا عن الجوائز والاحتفالات والسفريات. وبلغت الملهاة ذروتها يوم اختص الرئيس المخلوع كوكبة منهم بلقائه ،ولو تأملت وجه كل منهم وهو خارج من اللقاء، تلمح علاامت الفخر والاعتزاز، فماذا هم قائلون اليوم ؟وإذا كان المشهور أن المثقفين هم ضمير الأمة، لكن هذا النفر، كانوا فى الحقيقة، ضمير النظام، إن كان للنظام المستبد الفساد ضمير! وأما " المحظورة "، فقد كان توصيفا مناقضا للواقع، أطلقه النظام البائد على جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يدرى أنه بهذا كان كمن يمسك " بغربال"، يريد به أن يحجب أشعة الشمس، ولم يعد أحد الآن يجرؤ على أن يكرر استخدامه. كانت خطة النظام المكشوفة، هى أن يثير الإشاعات والمزاعم والمخاوف والأكاذيب عن الجماعة، مثل الإرهاب، والتطرف، والتكفير، وأنهم لو سادوا، فسوف يأمرون النساء بالنقاب، ويلزموهن البيوت، ويحرمون عليهن العمل، وسوف يضطهدون الأقباط، ويستخدمون العنف..إلى غير هذا وذاك من أباطيل. وفى الوقت نفسه، قامت خطة النظام على تجفيف بحر السياسة فى مصر؛ بمحاصرة ما سمحوا به من أحزاب، وإنشاء أحزاب كرتونية، ثم أصبح الاختيار أمام المصريين : إما الإخوان الإرهابيين – كذا - أو حزب الدولة، وكتبنا عن هذا مقالات عدة، والحمد لله. ولعب سكان " الحظيرة " دورهم فى هذا بامتياز.. كانوا يستندون فى مزاعمهم إلى أنهم حراس الديمقراطية والحرية والعدالة.. كانوا يصرخون، إذا صودر كتاب من قِبل الأزهر، لكنهم كانوا يصمتون صمت القبور، عندما منعت عشرات الكتب التى كتبها من ينتمون إلى الجماعة! كانوا يفزعون لاعتقال أو تنحية أو " التعتيم على" هذا وذاك ممن ينتمى إلى فصائل قريبة منهم، لكنهم كانوا يغمضون أعينهم عن مئات من أعضاء الجماعة، عندما كانوا يُرموْن فى غيابات السجون بتهم ملفقة، وادعاءات زائفة، ويُحَوّلون إلى محاكم عسكرية، ولم نقرأ لواحد من حاملى ألوية الديمقراطية والعدالة والحرية، ولو كلمة حق يستحقها هؤلاء الذين نُكّل بهم! إن العنف الذى يُتهم به الإخوان، مر عليه أكثر من نصف قرن، وطوال هذا النصف قرن، لم تسجل حادثة ضبط فيها فرد من الجماعة معتديا، ولو بحجر أو عصا، وإنما العكس هو الذى كان يحدث طوال نصف قرن من حيث السجن والتعذيب، وتلفيق التهم. بل إن الفترة التى شاع فيها ما قيل عن عنفهم، كانت صورة من صور عنف عام شاع فى الفترة نفسها من لدن أطراف متعددة، وكان رئيس الجمهورية الأسبق نفسه " أنور السادات"، ضالعا فى مقتل أمين عثمان، ويزر المالية فى الأربعينيات، وكان ملك البلاد نفسه – فاروق- قد كون " الحرس الحديدى " ليقوم بعملية اغتيال لخصومه، وأبرزها محاولة اغتيال مصطفى النحاس، زعيم الوفد العظيم! وأشار جمال عبد الناصر إلى أنه استعد مرة وخطط لاغتيال أحد رموز العهد الملكى، ثم تراجع بعد ذلك..وهكذا. وعندما هبت رياح ثورة يناير 2011، حاملة بشائر حرية وديمقراطية وعدالة، إذا بالساحة الثقافية هى هى، يملؤها كتبة النظام وصحفيوه، وإذا كان الثورا يلحون على إسقاط النظام بكل رموزه، إلا أنهم لا ينتبهون إلى هؤلاء الكتبة الذين روجوا للنظام وبرروا أفعاله. لا أقصد الصحفيين والإعلاميين فى الإذاعة والتلفزيون فقط، فهؤلاء أمرهم معروف ومكشوف، لكنى أقصد هؤلاء الذين أسموا أنفسهم بالمثقفين، وتربعوا أعلى المواقع، إذ مصيبة هؤلاء أنهم لم يكونوا " فاقعى اللون "، فهم بحكم خبرتهم فى الجدل، والتفلسف السوفسطائى، وأسلوب الكتابة الذى يتسم بالرشاقة والتحليل، والقراءات المتعددة، واستخدام الألفاظ الفخمة، كانوا أقدر على التلون غير الظاهر، والتخفى وراء المنطق، والمهارة فى تغيير ألوان المساحيق. عندما رأى هؤلاء رياح التغيير تجعل المحظورة " مباحة "، ولا تتعامل مع أفرادها كأنهم " جَرَب "، والعياذ بالله، يجب الابتعاد عنهم، وبداية استضافتهم فى أجهزة الإعلام، بل وطلب القيادات أن تجلس إليهم ويستمعوا، بدأ ما يمكن تشبيهه " بالحرب البيولوجية "، فإذا بهم يكررون حجج النظام البائد ودعاويه حتى تستمر حكاية "فزاعة الإخوان"، وكأنهم شرر يجب أن تحذر منه البلاد، وهم بهذا، فى حقيقة الأمر يدافعون عن أنفسهم، ذلك أن قدوم هذا الفصيل الوطنى سوف يكشف لاالكثير من الأباطيل، ويزيح العديد من الشخصيات التى تعملقت بغير حق، وبالتالى، هو المنطق نفسه، الذى استخدمه طغاة الأمس، كى يبرروا انفرادهم بالحكم. كان من الأباطيل التى يتم ترويجها، التحذير من أن " يسرق " الإخوان الثورة، ويسطون عليها، مع أن الحادث هو العكس من ذلك، حيث شارك كثير من الإخوان، فى جبهات متعددة، وحرصوا ألا يرفعوا شعاراته، وتحاشوا أن يتحدثوا عما يفعلون، أو يسعوا إلى إقصاء الغير. وكان يوم الفزع الأكبر، عندما هرع الدكتور القرضاوى للمجئ إلى مصر، حيث كان قد تركها منذ عشرات السنين، لا طوعا واختيارا، وإنما فرارا من ظروف قهر أخرى أسبق، فوجد الرجل نفسه أمام حدث كان يحلم به، فأراد أن يساهم فيه بما هو أهل له : خطبة، وإمامة صلاة الجمعة، وهو ليس عضوا فى الجماعة، وليس له حزب، يخوض به الحياة السياسية، لكنهم أشاعوا أن القرضاوى يفعل مثل ما فعل " الخمينى " فى الثورة الإيرانية، والقياس فاسد إلى أبعد حد يمكن تصوره، فالرجل قد عاد إلى حيث كان خارج مصر، ومن حقه أن يعود وقتما شاء ، فهو لم ينس أبدا مصريته، وواجباته تجاه أهل وطنه. وعندما ضمت لجنة تعديل الدستور واحدا من الجماعة ، انتشرت التحذيرات والانتقادات، بأن اللجنة لم تضم أطيافا أخرى، ولم ينبس أحدهم طوال عشرات السنين إزاء إقصاء دائم ومتعنت لكل من ينتمى للإخوان، لا عن لجنة، وإنما عن كل المواقع القيادية، ففى داخل الجامعات، مثلا، لم يكن لأحد من الإخوان أن يطمع فى أن يكون عميدا أو وكيلا لكلية أو نائب رئيس جامعة أو رئيس جامعة ، ولم يكن متصورا اأبدا أن يمنح جائزة ، أو حتى يظهر وجهه واسمه على شاشة تليفزيون أو إذاعة! بل وحُرموا تماما من أن يكون لهم صوت عبر صحيفة، أو حتى يسمح لأحدهم بالكتابة فى إحدى الصحف القومية.. وأُنفقت ملايين من قوت الشعب لتمويل مسلسل يشوه الجماعة، وتبارى كتاب الحظيرة فى الإشادة به، ووصفه بأنه شهادة حق، وصوت ضمير!! كذلك يتم " التخويف " من الاتجاه إلى " الدولة الدينية "، وهى أكذوبة، سبق أن كتبنا عنها من قبل، فليس فى الإسلام رجال دين، يمكن لهم أن يحكموا، ولم يكن الرشيد، ولا المأمون، ولا صلاح الدين، ولا هذا وذاك من حكام الدولة الإسلامية، زمن الازدهار والقوة، رجال دين، وإذا كنا قد عرفنا فسادا وطغيانا من عدد من حكام الدولة الإسلامية من قبل، فأسبابه لم ترجع للإسلام، وإنما، على العكس من ذلك، رجعت إلى البعد عن منطق الإسلام وتعاليمه فى العدل والحربة..كانت أسباب الفساد والطغيان، هى نفسها أسباب الفساد والطغيان فى الدول المدنية. إن منطق الإقصاء هو أكثر الأساليب إضرارا بالوطن، وإذا كان للنظام الساقط مبرراته من حيث الاستئثار بالسلطة، فإن الساحة الفكرية والثقافية، ليست " كراسى حكم " محدودة، لا تتسع إلا إلى أفراد، وإنما هى بغير حدود، لا يكفيها المئات، بل تحتاج إلى ألوف مؤلفة. ومن هنا فأنا إذ أقول كل ما سبق، أرجو ألا يتصور أى قارئ أنى أدعو إلى المعاملة بالمثل، أى أدعو إلى إقصاء هؤلاء أعضاء " الحظيرة " .. وبدلا من المحاكمات على صفحات الصحف، وعبر الفضائيات، وفى الاجتماعات والندوات " تخويفا" من مزاعم ، فلتناقشوا ما تتصوروه عن الإخوان، وبالتالى، فمن الطبيعى أن يخرج هؤلاء إلى العلن، وفق منطق " المواطنة " المرفوع، وليس من المنطق محاكمة النوايا، فيقال أن الإخوان يزعمون انحيازهم إلى الديمقراطية، حتى إذا تمكنوا، نكلوا بمن يخالفوه، ويستشهدون فى هذا بتجارب فى إيران والسودان، مثلا، مع الظروف مختلفة تماما، والشخاص متغايرون كلية، وفى النظام المدنى نفسه، ليس هناك منهج واحد، فالخبرات متعددة، والمناهج متفاوتة. ليكن الوطن للجميع حقا وفعلا،ولتفتح نوافذ الحرية للجميع – أيا كان التوجه، وأيا كانت الملة -يعبر عما يراه، والفيصل بين هذا وذاك، هو مدى التقبل لدى جموع الناس، ومدى الفعل الذى يسهم فى الدفع بالوطن إلى أمام.