يبدو أن الاحتجاجات في اليمن دخلت منعطفًا خطيرًا اليومين الماضيين عقب استعمال الرصاص الحي من جانب قوات الأمن اليمنيَّة وتحديدًا بمدينة عدن وبعض مدن الجنوب الأخرى، مما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة آخرين وتأتي هذه التطورات عقب تعليمات من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعدم التعرُّض للمحتجين والعمل على حمايتهم، ولكن ما وقع يؤكِّد عكس ذلك تمامًا مما حدا بأصوات عديدة بضرورة تحييد الجيش اليمن بمعنى ألا يأتمر بأمر المؤسَّسة الحاكمة ويكون ضامنًا لأمن المواطنين وعدم الاعتداء عليهم، بل وربما يكون له حاسم في الوقت المناسب كما حدث في الثورة المصريَّة والتونسيَّة؛كما يأتي انضمام قبيلتي حاشد وبكيل واستقالة أولاد عبد الله الأحمر من مناصبهم الحكوميَّة ليزيد موقف علي صالح صعوبة؛ وتداخل الأحداث بهذا الشكل يؤدِّي إلى تعقُّد المشهد اليمني وصعوبة التكهُّن بما سيحدث، ولكن الأيام القليلة القادمة ربما تأتي لنا بجديد. وكانت مصادر طبيَّة تحدثت عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل برصاص قوات الأمن خلال المظاهرات التي جرت مؤخرًا في محافظة عدن جنوب اليمن، بعدما كانت تتحدث بوقتٍ سابق عن مقتل أربعة، في حين أُصيب في تلك المصادمات 41 شخصًا، ومن بين الضحايا المدير العام للكهرباء في المنطقة الأولى سالم باشطح الذي لقيَ مصرعه مساء أمس في المصادمات التي اندلعت بين قوات الأمن ومتظاهرين في بلدة المعلا، وقال شهود عيان: إن باشطح "أُصيب بعيار ناري من قناصة تابعين للأمن عندما كان يطلُّ من شرفة منزله على مسرح المصادمات" وأضاف شاهد عيان آخر قائلا: "حالة هلع وخوف سيطرت على بلدة المعلا عقب محاصرة قوات الأمن للمنطقة وإطلاق النار بشكلٍ عشوائي لتفريق المظاهرة استمرَّ لمدة ثلاث ساعات". وقال أنه شاهد "قرابة 18 مصابًا بينهم قتلى على الأرصفة بعد عجز سيارات الإسعاف عن الدخول لإسعافهم وسط كثافة نيران الأمن"، ووفق شهود عيان في بلدة كريتر فإن متظاهرين حاصروا مبنى شرطة البلدة محاولين إحراقه احتجاجًا على دهس ناقلة جند لطفل وصفت حالته بأنها حرجة، وإصابة شخصين أثناء تفريق مظاهرة ليليَّة في البلدة. وتعيش عدن وضعًا صعبًا، حيث تفرض القوات الحكوميَّة حصارًا عليها من خلال إقامة حواجز تفتيش، كما أغلقت المدارس والكليات ومعظم المرافق الحكوميَّة، في حين ما يزال آلاف يتجمَّعون في الشوارع في حالة غضب وغليان احتجاجًا على سقوط ضحايا أمس، ويجري الحديث عن اجتماع طارئ دَعَا إليه نائب رئيس الجمهورية اليوم مع قيادة السلطة المحليَّة في عدن يتوقع أن يشهد تقديم عدد من تلك القيادات لاستقالاتهم، بعدما تقدم 12 عضوًا في وقت سابق بقرار تجميد نشاطهم احتجاجًا على قمع المتظاهرين. وكان بيان صادر عن شباب عدن للتغيير قد دَعَا كافة المنظمات الداخليَّة والخارجيَّة المعنيَّة بحقوق الإنسان إلى إدانة ومحاسبة سلطات النظام على قتل المتظاهرين، وثمَّن البيان الموقف الشجاع لكل من قدَّم استقالته من الحزب الحاكم، سواء أكان في مجلس النواب أو المجالس المحليَّة أو أي جهة أخرى، داعيًا الآخرين إلى الاقتداء بهم. من جهة أخرى، شيَّع مئات الآلاف في مدينة تعز جنازة أحد ضحايا الاحتجاجات في الأسبوع الماضي جرَّاء إلقاء قنبلة على معتصمين طالبوا بإسقاط النظام وفي محافظة صعدة شمال اليمن، تظاهر عشرات الآلاف من الحوثيين في مديريات سحال وحيدان ورازح للمطالبة بإسقاط النظام، واتَّهم بيان لقائد الجماعة الميداني عبد الملك الحوثي موقع تلمص العسكري المطلّ على مدينة صعدة بإطلاق قذيفتي مدفعيَّة باتجاه منطقة محضة الآهلة بالسكان، مما تسبب في إصابة امرأة وطفلة بجروح بالغة، كما أسفرت المصادمات التي وقعت مع رجال الأمن عن سقوط قتيل واحد وعدد من الجرحى في المظاهرات التي جرت في عدن. كما قتل شاب يدعى محمد أحمد صالح (17 عامًا) وإصابة 19 آخرين في مصادمات مع قوى الأمن في المظاهرات التي وقعت في عدد من المديريات وشارك فيها عشرات الآلاف، وأفاد شهود عيان بسقوط 14 جريحًا نُقلوا إلى مستشفى النقيب بالمنصورة وصفت حالة عدد منهم بالحرجة، في حين ذكرت مصادر طبيَّة بمستشفى الجمهورية بخورمكسر استقبال ثلاثة جرحى، بينما نقل اثنان آخران إلى مستشفى خاص بكريتر. كما وقعت مواجهات عنيفة اندلعت بين الأمن ومتظاهرين تدفَّقوا عقب صلاة الجمعة الماضية صوب مداخل بلدة خورمكسر من الجهة الغربيَّة والشرقيَّة، في محاولة لكسر الحاجز الأمني المفروض على المديريَّة للوصول إلى ساحة الحرية لنصب الخيام وتنفيذ اعتصام مفتوح، وقامت قوات الأمن بالتصدي للمتظاهرين عند تلك المداخل مستخدمة الرصاص الحي والقنابل الغازية، قبل أن تفرض طوقًا أمنيًّا على مديريات المنصورة وخورمكسر والمعلاء والتواهي والشيخ عثمان. وتأتي هذه المواجهات رغم تعليمات الرئيس اليمن للأمن بحماية المتظاهرين المطالبين بإسقاط نظامه، مما يشي بأن ما حدث من اعتداء كان لعدم جدية هذه التعليمات أو لعدم تنفيذ القيادات الأمنية لتعليمات صالح، وفي كلٍّ فهو مؤشر سلبي؛ فعقب هذه التعليمات مباشرة قُتل شخصان على الأقل وجرح نحو 25 شخصًا في صنعاء، بعد أن حاول من يوصفون بأنهم أنصار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الدخول عنوةً إلى اعتصام ينفِّذه شباب محتجون في جامعة صنعاء، كما جرح محتجون مُنعوا من دخول الاعتصام الذي تنفِّذه حركة شباب فبراير، ووفقًا للمتحدث باسم الحركة عادل الوليدي فإن شخصين على الأقل قُتلا بالرصاص وجرح نحو 25 شخصًا، وقد بدأ الشباب في تكثيف حضورهم بعد انتشار هذا الخبر، مؤكدًا أن اعتصامهم سلمي لكنهم مستعدون لأي مواجهة، وقد أفتى علماء اليمن -وعلى رأسهم الشيخ عبد المجيد الزنداني- بحرمة الاعتداء على المتظاهرين، وقد وعدت الحكومة بحماية المحتجين، لكن الاعتداء عليهم يأتي ممن يوصفون بأنهم أنصار الرئيس والأمن المركزي، وأدت تطورت المواجهة بين المقتحمين والمعتصمين إلى إطلاق الرصاص، وحدثت مواجهة بالأيدي واستخدم فيها السلاح الأبيض، مما أدى لإصابة أحد المتظاهرين بجراحٍ خطيرة، وأحرقت سيارة لقيادي في الحزب الحاكم قيل إنها كانت توزّع الهراوات على المقتحمين، كما تمكَّن المعتصمون من إلقاء القبض على أحد المسلحين وهو بزي مدني وسلّم لقوات الأمن. وفي هذه الأثناء طالبت مصادر في المعارضة اليمنيَّة بإعادة هيكلة المؤسَّسة العسكريَّة والأمنيَّة على وجه السرعة وتحييدها، بعيدًا عن توجيهات الحاكم، حتى لا تسخّر في قمع المظاهرات السلميَّة، واتّهمت المصادر المؤسَّسة العسكريَّة والأمنيَّة بالانحياز المطلق للرئيس علي عبد الله صالح، واستشهدت بلجوئه إلى المعسكرات وإلقاء خطب من داخلها ينتقد فيها أحزاب اللقاء المشترك المعارضة بلغة مستفزَّة، لكن عضو لجنة الحوار الوطني محمد الظاهري استبعد تحييد المؤسسة العسكريَّة والأمنيَّة، واعتبر الأمر أقرب إلى الأمنيَّة، الآن الظاهري -الذي يعمل أستاذ علوم سياسية في جامعة صنعاء- اتّهم المؤسسة العسكريَّة بالتورط في الصراعات الأهليَّة اليمنيَّة اليمنيَّة، وقال إنها قريبة أكثر مما ينبغي من صانعي القرار السياسي، مشيرًا إلى عدم خوض الجيش اليمني أي حرب خارجيَّة منذ 1934، تاريخ الصراع اليمني. وأوضح المعارض اليمني أن الخطاب الرئاسي كثيرًا ما يتغنى بالجيش وبأنه الحارس الأمين للشعب ومكتسباته، لكن الحاكم يعتمد على أقاربه في المؤسَّسة العسكرية للحفاظ على بقائه. من المآخذ التي تؤخذ على الرئيس اليمني في هذه النقطة تعيين أبنائه وأقاربه في مراكز قياديَّة مهمَّة في الجيش والأمن، منها الحرس الخاص والحرس الجمهوري والقوات الجويَّة والبحريَّة والبريَّة والدفاع الجوي والفرقة أولى مدرعة وحرس الحدود إلى جانب الأمن المركزي والأمن القومي. كما اتَّهمت الأحزاب الجيش بقمع الاحتجاجات السلميَّة، واستدلَّت بما حدث في بعض محافظات الجنوب، حيث دخلت الدبابات وسلاح المدفعيَّة في حصار مدينة ردفان ودكت بعض منازلها. كما اتّهمت الداخليَّة بتكليف رجال أمن بلباس مدني بإطلاق الرصاص على المعتصمين سلميًّا في الماضي. ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير أسبوعية الأهالي علي الجرادي أن المؤسَّسة العسكريَّة والأمنيَّة تابعة تبعيَّة مطلقة للرئيس وأفراد عائلته، وهو يدعو إلى إعادة هيكلة هذه المؤسسة ومنع الأسرة الحاكمة من السيطرة عليه، وقال: إن الجيش الأمن يجب وفق القانون العسكري أن يكونا مؤسّسة وطنيَّة خالية من أي تحيزات قبليَّة أو أسريَّة. ويرى الجرادي خيارين أمام صالح: أن يسلم السلطة سلميًّا مما يحفظ له ولعائلته الكثير من المجد والشرف والمستقبل الأفضل، أو أن يخسر كل شيء إذا أصرَّ على البقاء، خاصةً بعد خروج مئات آلاف اليمنيين في جميع المحافظات مطالبين برحيله. ويأمل عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي المعارض علي الصراري أن يعمل صالح على تحييد المؤسَّسة العسكريَّة والأمنيَّة فورًا، لكنه يعتقد أيضًا أنه عاجز عن الزجّ بالجيش في أي ثورات شعبيَّة محتملة. وتحدث عن احتقان يسود "جنود وضباط" القوات المسلَّحة الذين يشاهدون حسب قوله الفساد الذي تمارسه القيادات الكبيرة المتنفِّذة في الجيش. وحسب الصراري تخشى تلك القيادات رفض أفراد الجيش تنفيذ تعليمات قادتهم في قمع المحتجين، لذا اعتمدت السلطة على البلطجيَّة في مواجهة المظاهرات. وكان من نتائج ذلك تزايد الضغوط على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للتنحي عن الحكم، خاصةً بعد إعلان اثنتين من أهم قبائل اليمن انضمامها إلى الاحتجاجات المناهضة له، في حين ارتفعت حصيلة المصادمات التي وقعت بين قوات الأمن وآلاف المتظاهرين في عدن جنوب اليمن أمس الجمعة إلى سبعة قتلى على الأقل وأكثر من أربعين جريحًا. فقد أعلن شيخ قبيلة حاشد حسين بن عبد الله الأحمر اليوم -في تجمع شمال العاصمة صنعاء- استقالته من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم "احتجاجًا على قمع المتظاهرين المسالمين في صنعاء وتعز وعدن"، وتعهَّد بالانضمام إلى الاحتجاجات المناهضة الرئيس اليمني. ويعتبر اتحاد قبيلة حاشد أكثر القبائل اليمنيَّة قوة وهي تضمُّ تسعة قبائل، من بينها قبيلة سنحان التي ينتمي إليها الرئيس صالح. وقوبل الإعلان بترحاب من الحشود المجتمعين، وبينهم أعضاء من قبيلة بكيل ثاني أكبر قبائل اليمن والتي أعلنت بدورها الانحياز إلى المعارضة. وقال مصدر قَبَلِيّ: إن القبيلتين أعلنتا أنهما ستدعمان الاحتجاجات المتصاعدة ضدّ الرئيس صالح الذي يرفض مطالب المتظاهرين بالتنحّي بعد 33 عامًا قضاها في الحكم. المصدر: الاسلام اليوم