د. يحي الجمل الذى أسهم بمقالاته وظهوره الإعلامى فى الدفاع عن الشرعية الدستورية وعن حقوق الشعب المصرى ضد الطغيان، كان قد خرج بنظرية هامة وهى أن وجود مبارك فى السلطة بعد الثورة فى 25يناير ضرورة دستورية فى الوقت الذى كان الشباب المصرى يتساقط أمام وحشية أمن الدولة بالرصاص الحى ويطالب برحيل مبارك، فأحدثت تصريحاته جدلاً هائلاً فى الساحة، فاختار الناس بين موقف الفقه الدستورى، وبين واقع متفجر واحتقان دموى لاينهيه سوى رحيل مبارك من السلطة ومن مصر كلها، وفى تلك اللحظات الفارقة تم تشكيل لجنة برئاسة د. يحي الجمل من جانب رئيس الوزراء المعين من جانب الرئيس مبارك نفسه وهو الفريق أحمد شفيق، وكانت لجنته تمثل تحديات لمشاعر الثورة ومحاولة لوقفها وتفتيت الصفوف، ولذلك تم تجاوز هذه اللجنة بسرعة إلى لجنة المستشار البشرى. والحق أن عملية تشكيل اللجان تخلط أوراقاً كثيرة مثلما فعلت حكومة شفيق فقد زجت بشخصيات نعتز بها مثل القاضى د. محمد أحمد عطية الذى شملته لجنة الجمل والتى حاولت تعطيل تدفق الثورة وأحدثت بالفعل جدلاً دستورياً توقف الشباب عنده بعض الوقت وانصرف بعضهم كما كان مطلوباً قبل تحقيق المطلوب، فأسهمت اللجنة للأسف فى تشتيت اندفاع الثورة إلى غايتها رغم أن د. الجمل بدا من أنصار الثورة ولكنه اندفع بحكم وطنيته إلى الانضمام إلى أى تشكيل يدعى إليه بدافع الرغبة فى الخدمة والأنقاذ ولكن كل هذه التشكيلات تناقض ما يطالب به الشعب المصرى. وأريد أن أقول بوضوح قاطع، فالوطن أهم من كل الأشخاص. فالشعب يريد دستوراً جديداً وعدم الالتزام بالوقت إذا عين مجلس رئاسى والشعب يريد قطع كل صلة بين مبارك ونظامه وبين ما يليه، فهو يريد حكومة جديدة تماما رئيسها لم يعينه مبارك ووزير خارجيتها لم يعينه مبارك ولم يعد يقدم صورة الداخل بمنطق النظام السابق. والشعب لا يعترف بحكومة يتم ترقيعها وتطريزها رغم الاحترام لبعض شخوصها وكان يتعين على هذه الشخوص المحترمة أن تعتذر لأن السياق نفسه هو المرفوض وهى فيما يبدو محاولة للالتفاف على ما يطالب به الشعب . على الثورة أن تستمر حتى تتشكل حكومة تكنوقراط جديدة تماماً ومن وجوه أكثر قدرة وشباباً على النهوض بمهام المرحلة الانتقالية. والثورة تريد مجلساً رئاسياً وعدم سلق مواد فى الدستور الذى تم وقف العمل به فهى عملية ترقيع دستورى وإلا فلماذا تم وقف العمل بالدستور. إما أن تتعاملوا على أنها ثورة لها صحيفة بيضاء ودستور جديد ووجوه جديدة، وإما أن يظل ترقيع القديم ببعض الجديد لكسب الشعبية إلى أن يحين الوقت الذى يتم فيه استيعاب الثورة من خلال هذه "الترتيبات الاسفنجية". نريد مصر الجديدة الحرة، وكفى ما أصاب مصر والمصريين من فريق الفاسدين والضالعين فى نظام متوحش وكفى المنافقين والمرجفين فى الأرض، وليسلموا بأن هذا الشعب من حقه أن يستجاب إليه. الجمعة القادم ملايين المصريين فى كل مكان تطالب بقائمة من المطالب أولها تشكيل حكومة تجرى كل المطلوب لأن هذا السلوك الذى يثير الشك فى النفوس لايجوز التمادى فيه، كما نريد وثيقة تخلى مبارك عن السلطة ورحيل مبارك وأسرته من مصر واتخاذ اجراءات جنائية ضد جرائم النظام، وتطهير الصحف القومية، والغاء كافة أحزاب العهد البائد وفتح صفحة حزبية جديدة. وكفى خلط الماء باللبن.