في البداية نحيي ثورة الأمل.. ثورة الشروق.. ثورة القيم.. ثورة الإلهام والإبداع.. ثورة الترابط والوحدة.. الثورة التي ضبطت رمانة الميزان ووضعت مصر الغالية في مكانها الصحيح.. ثورة أزاحت الفساد... وفككت بناءه وبنيانه وما زالت وستظل.. ثورة نقلت من يعيشون في قصور القاهرةالجديدة والرحاب و6 أكتوبر وغيرها إلى سجن طرة؛ ليذوقوا العذاب ألوانا وأشكالا.. وما ربك بظلام للعبيد، فهو الذي يؤت الملك لمن يشاء.. وهو الذي ينزع الملك ممن يشاء.. لقد تحولوا من النوم في القصور الفارهة في المدن الجديدة في كامباوند وحراسات وخدم وحشم وحرير.. تحولوا إلى كامباوند سجن طرة حيث الذل والإذلال والمهانة والليالي السوداء.. إلى محبس طرة الذي أذاقوا فيه العباد سوء العذاب والإذلال... و(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ). (..وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). * * * وفي إطار الحملة المباركة لتطهير البلاد من جراثيم النظام السابق، وفي إطار حملات الشباب لإعادة الإعمار والبناء والتنظيف والتشجير التي نراها في كل مكان... أقول لهؤلاء الشرفاء: ... الشعب يريد إصلاح الطرق.. وأعتقد أن طرق مصر، والقاهرة بالذات، تدل على استشراء الفساد في المؤسسات المسؤولة عنها، الأمر الذي يستدعي محاسبة المسئولين عنها أمام القضاء... هذا يحفر فيها من أجل كابلات الهاتف، وذلك يحفر فيها من أجل الصرف الصحي، وثالث يحفر فيها من أجل رزع كابلات الكهرباء، ورابع يحفر فيها ليضع مواسير المياه، وخامس يحفر فيها لأغراض شخصية، ثم يأتي الحافر الأول ليحفر فيها من جديد لاستبدال كابلات الهاتف الجديدة بكابلات جديدة!!، ثم يطل علينا الحافر الثاني من أجل استبدال مواسير الصرف الصحي التي لم يمضي عليها تركيبها شهور... ثم يأتي الحافر الثالث والرابع والعاشر، وللأسف لا يعيدها أحد إلى ما كانت عليه... وهكذا دواليك... إن طرق مصر تشتكي إلى الله ظلم العباد.. بل كنا من قبل نتمنى أن يمر مسئول كبير في شارعنا من أجل أن يقوم المسؤولين في الحي بإصلاح الطريق قبل مجيئه، مما يدل على حالة كبيرة من اللاوعي وغبش الرؤية والتغييب التي كان يعيش فيها النظام السابق.. أصبحنا بسبب النظام الفاسد أضحوكة الشعوب حتى شعوب العالم الثالث.. نعمل بدون تخطيط وبدون تنسيق، وكأننا في عزبة.. نعم لقد كنا في عزبة.. كنا نسمع عن سرقات، وعن فساد وعن شذوذ في أوساط كبار المسئولين، بيد أننا كنا نستحي من التحدث في تلك الموضوعات بدون سند.. والآن كُسر هذا الحاجز... وأصبح الوقت الراهن هو وقت المفاجآت... * * * إنني أعجب أشد العجب من ضيق الطرق المؤدية إلى القاهرةالجديدة، وبالتحديد شارع مصطفى النحاس مثلا، هذا الشارع الذي يعاني زحامًا شديدًا ليل نهار، وهو شريان مهم من الشرايين الموصلة للقاهرة الجديدة التي نريد لها الإعمار، ومع ذلك ما زال يوجد به شريط المترو، وحركة المترو على هذا الخط متوقفة منذ نحو عامين، وهو معطل تماما، وأصبح في معظمه جراجًا للسيارات الخاصة، وأماكن لتجميع القمامة.. وهذا الخط يوجد به حديد نستطيع بثمنه فقط أن نعمر الطرق، ونُشجرها، ونرمم ما يحتاج إلى ترميم منها، بل قد نستطيع بثمنه أن ننشئ بعض الكباري، ولا أدري لماذا لا نفعل ذلك، ولماذا لا نُوسع هذا الطريق -وغيره- بإدخال حرم المترو القديم في طريق مصطفى النحاس، وبذلك نكون قد قضينا على مشكلة الزحام، وأرحنا الناس من مرارة وألم الانتظار غير المبرر في هذا الطريق.. وغير شارع النحاس كثير. * * * كفى الطرق مطبات غير مؤدبة، وغير مهذبة، وغير قانونية، كفى الطرق حفر ومطبات بسبب وبدون سبب، وكفى استهزاء بعقول الناس وبأجسادهم التي تهالكت من الأمراض والتلوث وكأنها خُشُبٌ مُسندةٌ، فصحة المصريين مدمرة إلا من رحم الله.. الفساد والتلوث الشامل الذي كنا نعيش فيه جعل البعض يقول: أن أقل واحد من المصريين يحمل مرضين على الأقل -وقد لا يعلم- بذلك. كفي تكسير سيارات الناس، وكفي إضاعة وقتهم عند "السمكارية والعفشجية والمكانيكية" بسبب المطبات التي جعلت العالم كله يسخر منَّا، ومن أصحاب حضارة آلاف السنين.. ومن هنا أدعو إلى مشروع قومي لإصلاح الطرق في مصر.. ولتكن البداية من القاهرة.. ويمكن أن تفرض الدولة الجديدة على كل سيارة ملاكي من 50 إلى 100 جنيه سنويًّا؛ لصيانة الطرق وترميمها وإصلاحها. وأعتقد أن هذا المبلغ بسيط جدا، إذا قيس بما يدفعه الشخص عند "الصنايعية المتعبين" كل فترة لإصلاح ما كسرته المطبات في السيارات. * * * أتساءل: لماذا لا تشجع الدولة أصحاب الهمم العالية للبذل والعطاء في هذا المجال وغيره لإعمار البلاد، بدلا من محاربتهم، ووئد أفكارهم ومشروعاتهم التنموية الخيرية التي لا يرمون من خلالها إلا الإصلاح وإسعاد الناس فقط... فأحد الصالحين من أصحاب الأفكار النهضوية المحترمة، أراد منذ أعوام أن يعالج عيوب الطرق اليسيرة من حفر وتكسير ومطبات مؤذية، خصوصًا في طرق القاهرة، فقام باستئجار سيارة نقل كبيرة، وجاء بعمال متخصصين، وبالمواد المخصصة لإصلاح الطرق (من أسمنت وزلط ورمل وأحجار... وغيرها) وجهزها من خلال مهندس خبير، بحيث تمر السيارة المجهزة بالعمال في المناطق التي تحتاج للعلاج، وذلك بعد منتصف الليل –حتى لا يعطلوا السير- وينزل العمال بسرعة لإصلاح العيوب، ثم ينتقلون إلى منطقة أخرى وهكذا. والمفاجأة أن سلطات النظام البائد الفاسد منعتهم من ذلك، وسببت لصاحب الفكرة وممولها متاعب كثيرة؛ لأنه أراد الإصلاح.. * * * آخر الكلام: أذكركم بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (..إماطة الأذى عن الطريق صدقة).. وقول سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "لو تعثرت دابة في العراق لسألني الله عنها لماذا لم تصلح لها الطريق يا عمر". فهيا بنا يا شباب مصر ويا رجالها الشرفاء لنصلح الطرق، ونستكمل البناء، وإنها لمهمة كبيرة، بيد أنها لا تَصعب أبدًا على المصريين الذين بنوا الأهرامات، وأسسوا حضارة شامخة أضاءت المعمورة، ونشروا العلوم والفنون والآداب في شتى أنحاء العالم.. المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية [email protected]