اليوم عيد الحب كما يشيعون في القنوات الفضائية وفي الصحف وفي القنوات الإذاعية ، ومن خلال ما أشاهده من هدايا حمراء في حقائب ربما أرانب ودببة بيضاء وحمراء ، وكنت أتمنى أن أشارك العشاق عيدهم الاستثنائي بالحب ، وحقاً ذهبت إلى أقرب بائع للورد كي أحمل باقة من الورود احتفاء بيوم جعلوه للحب تمجيداً وتعظيماً للعاشق الولهان فالنتين ، لكنني وجدت البائع جالساً بغير ورود ، فذهبت لرجل آخر ورأيته يقف أمام متجره وهو مغلق يتأهب للمغادرة ، وأخيراً انتهت رحلة البحث عن ورد يصحبني إلى المنزل عند بائع للورد في آخر المدينة . وحينما وصلت إليه بعد مشقة وجهد رأيت بعض ورود متباينة الأشكال والألوان ، واقتربت أكثر فأكثر ، وحينما أمسكت بواحدة منها اكتشفت أنها وردة اصطناعية أي من البلاستيك وليست طبيعية ، فلما سألت البائع أليس لديك ورود طبيعية نباتية ؟ أرشدني بجملة واحدة : اذهب هناك واختر ما شئت ! . فقط ، قال هذه العبارة ولم يرغب في متابعة الحديث ، وحينما أدركت أنه ربما يعاني من مشكلة شخصية تتعلق بالعمل أو الأسرة أو ظروف اقتصادية ، قررت أن أكمل رحلة البحث عن بعض ورود في مكان آخر ، لأنني باختصار لا أرى في الأرانب الهاربة التي تفر من خطو الأقدام دليلاً قاطعاً على الحب بل الجب والهرب ، والدب في ذاكرتي يحمل صفات السذاجة والبساطة وربما حالات من ( العبط ) ولا أعلم من أول شخص قام باستيراد فكرة الأرنب والدب إلى مصر كدليل على الحب والمحبة والمودة ، لكن ربما الذي أدخل الظاهرة إلى مصر هو كاظم الساهر في تسعينات القرن الماضي حينما كانت المعجبات تمطره بوابل من الأرانب والدببة . المهم ، ذهبت إلى بائع وآخر وثالث ورابع ، وكل منهم يدهشني بنفس العبارة التي قالها لي بائع الورود والزهور الاصطناعية بضرورة الذهاب إلى هناك ، وجميعهم أشاروا بأيديهم إلى مكان بعينه حسب موقع تجارتهم . ولذلك قررت على الفور أن أذهب مباشرة إلى هذا المكان أو ال ( هناك ) الذي أشاروا إليه ريثما وجدت ضالتي من أجل الاحتفال مع العشاق بعيد الحب وإحياء ذكرى كازانوفا المعجباني ساحر النساء . ورغم طول الطريق الذي أمشي فيه إلا أن هدف إحياء ذكرى كازانوفا كان أعمق وأجدى سبيلاً لتحقيق السعادة الداخلية ، لكن ما هذا الطريق الذي أمشي فيه ؛ مقفر وأجرد ، موحش ، ومستنكر الخطو ، أكثر صمتاً ، وهدوءاً ، والأعجب أن ساكنوه كثيرون ، كثيرون جدا جدا ، ولأن الطريق ليست به إضاءة كافية أشعلت ضوء الهاتف المحمول الشخصي حتى لا أتعثر بحجر أو طفل من أطفال الشوارع القابعين بالأرصفة كلوحات الدعاية والإعلان ، وتعجبت كيف يعيش الناس في هذا المكان ، الذي لم أجد به لوحة واحدة إرشادية ، والأغرب والأعجب والأدهش كيف أصدق كلام هؤلاء البائعين بأنني سأجد ضالتي من الورد في هذا المكان الخالي من الحركة والنشاط ، ولم أر نقطة مياه واحدة ضالة وضائعة على الأرض مثلما نتبارى في إهدار المياه عابثين ومستهترين بالكيان الصهيوني الذي سيحرمنا عما قليل عن المياه الذي هو روح الحياة . وأخيراً ، الحمد لله ، لم أصدق عيني ، ما كل هذه الورود والرياحين والزهور والياسمين والفل والأوركيديا وأشكال أخرى من والورود لا يفطنها إلا من عشق وهوى في الغرام ، وما أكثر الورد في هذا المكان حقاً ، لكن تعجبت من عدم وجود بائع واحد بجوار هذه الحديقة الثابتة الرائعة ، ولكن الحمد لله وجدت دليلاً واحداً آخذه إلى منزلي من أجل احتفال بالحب في عيده وتدشين بطولات وانتصارات كازانوفا على النساء . لكن الدهشة الحقيقية أنني لا ولن أستطيع أن أقطف وردة واحدة ، بل ورقة صغيرة من وردة لا أتمكن حقاً من اقتطاعها ، هذا الورد الجميل الرائع موضوع فوق وحول قبور الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في ثورة يناير البيضاء ، ونسيناهم وذهبنا للاحتفاء بعيد الحب وتمجيدحالة حب فالنتين الذي لم يكن يعلم أن تفاصيل حياته المهمشة ستصير يوماً ما حدثاً مهماً في تاريخ الإنسانية . لقد تذكروا فالنتين وسيظل العاشقون يلوكون ألسنتهم بذكراه عاماً على صدر عام ، وسيحمل المتهوكون أرانب ودببة وربما في الأعوام القادم حيوانات أخرى كالضفادع والكلاب والقطط والسلاحف هدايا للحب ولفالنتين نفسه ، أما هؤلاء الذين لا نحفظ أسماءهم ولا وجوههم ولا نفطن عما قدموه من تضحيات كانت نتيجتها إنقاذ الوطن من لعبة التوريث وبيع مقدرات الأمة . ومصر التي تفوقت على الجزائر واقتنصت منها لقب بلد المليون شهيد ، صارت اليوم هاربة من مشكلاتها الاقتصادية والسياسية وغاب الفن الجميل عنها وأصبحت تلهث وراء اللحم الرخيص في الأفلام والأغاني المصورة الأشبه بحفلات الزار الشعبية ، وغادر الشعراء منازلهم لأنهم صاروا يبحثون عن موضع السبوبة ، وانهار الإعلام وتيبست أطرافه ، حتى أولئك الأخيار شهداء الوطن الذين لم ترهبهم الهراوات ولا العصي ولا العربات المصفحة قبيل سقوط نظام مبارك البوليسي في طريقهم للنسيان الأبدي القصدي والعمدي ، فالأغاني التي جعلت من أجلهم باهتة كأصحابها ، والمناسبات التي تدشن لإحياء ذكراهم هي للاستهلاك التجاري ذي المصلحة الشخصية . اكتشفت للتو لماذا لم أجد وردة واحدة عند بائعي الورد بالمدينة ، ولذلك وجب القول بغير تردد أو دهشة : عذراً يا عيد الحب .. لقد نفد الورد على قبور الشهداء ! . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.