تثير زوجة الطاغية أحيانا مشاعر النقمة والثورة لدي الشعب أكثر من الطاغية نفسه ، ربما لأنه هو الحاكم الشرعي صاحب السلطة ومن الممكن أن يخطئ في قراراته ولكن أن يترك لزوجته التي ليست لها أي صفة رسمية المجال لتمارس الفساد فتقرب من تشاء فتمنحه وتغضب علي من تشاء فتقصيه فذلك يكون مؤشرا سلبيا جدا لدي الشعب يدل علي مدي استهزاء الحاكم به وازدراءه . كانت الملكة ( ماري أنطوانيت ) زوجة ( لويس السادس عشر ) ملك فرنسا مثالا فاقعا لزوجة الطاغية التي طغت شخصيتها عليه ثم علي شعبه وكانت من أسباب الثورة الفرنسية الشهيرة التي سالت فيها دماء نصف مليون فرنسي ، ومن أشهر مقولاتها المستفزة التي حفظها التاريخ ( إذا كان الجياع لا يجدون خبزا لماذا لا يأكلون الجاتوه ؟ ) في عالمنا العربي برزت مؤخرا شخصية ( ليلي الطرابلسي ) زوجة الرئيس التونسي المخلوع ( بن علي ) والذي تكاملت في شخصيته و أفعاله كل مقومات الطاغية ورغم ذلك كان خاضعا لشخصية زوجته بنت بائع الخضار وخريجة ( مدرسة الحلاقة ) التي جعلت أسرتها وإخوتها العشرة ينهبون البلاد كما شاءوا ، ومن أشهر مقولاتها أنها قالت لزوجها وهو متردد في الصعود علي سلم الطائرة التي سيرحل بها ( اطلع أيها الغبي ، طوال عمري و أنا أدفع ثمن أخطاءك وعنادك وغباءك ) في مصر قيل الكثير عن نفوذ ( سوزان مبارك ) ودورها في تعيين الوزراء ، وتقريب البعض من السلطة أو إقصائهم ، علي أن أسوأ ما قيل في حقها أنها كانت وراء مشروع التوريث لابنها جمال ، وأنها كانت تسانده وتدفع الأمور في هذا الاتجاه بكل قوتها ونفوذها ، وهو المشروع الذي رفضه الشعب المصري بكل الطرق وحاول بعض المخلصين نصح الرئيس السابق باتخاذ نائب له وصرف النظر عن توريث الحكم لابنه واختتام حياته السياسية بإعلان عدم ترشحه هو أو ابنه لفترة أخري والاستجابة لمطالب الشعب العادلة في الفترة المتبقية له ، لم يستمع للنصح مطلقا وقامت الثورة واشتعل لهيبها وحاول أن يطفئه بقطرات من الوعود ولكن سبق السيف العذل ، ونزل الستار علي المشهد الختامي للابن الأصغر علاء وهو يؤنب أخيه ويتهمه أن طموحه كان سببا للنهاية المهينة لوالده . ولكن هل تحدثت ( انطوانيت ) حقا عن الكعك والجاتوه ؟ ليس مؤكدا خاصة أن من نقل ذلك هو ( جان جاك روسو ) أحد المنادين بالثورة ومؤججيها، وهل قالت ( الطرابلسي ) ما نسب إليها ؟ وهل تتحمل ( سوزان ) مسئولية التوريث الذي كان القشة التي قصمت عرش أسرتها ؟ الله وحده يعلم . ليس هذا هو المهم ولكن الأهم هو أن لا تكون في يد الحاكم سلطات مطلقة يمنح جزءا منها لزوجته أو ابنه أو يسئ استخدامها كما يحلو له ، إن أي إنسان عادل ومخلص في بداية حكمه من السهل جدا بل ومن المتوقع أن يتحول لطاغية مستبدا مع طول فترة الحكم وإطلاق السلطات في يديه بلا حسيب أو رقيب . الحل معروف ومطبق في البلاد التي تقدمت لابتعادها عن الدكتاتورية بعد أن عانت من ويلاتها في عصور سابقة وتخلصت منها بدماء أبناءها ، الحل هو تداول السلطة والرقابة الصارمة علي الرئيس ، إن الرئيس الذي يحكم مدة رئاسية واحدة وتكون تصرفاته تحت النظر ، لن يكون حاكما بأمره بل مجرد أنه يؤدي خدمة مدنية محددة ومحدودة لشعبه وبالتالي لن يكون هناك مجالا للطغيان منه هو شخصيا فضلا عن زوجته أو ابنه أو حاشيته أو أصدقائه . إن مجرد الحديث عن نفوذ زوجة الطاغية لهو دليل قاطع علي استشراء الفساد ووجوب استئصال النظام الحاكم ، إذ أنه لو لم يصح سوي ربع الاتهامات والشائعات عن زوجة الرئيس ودورها في إفساد الحياة السياسية فإنه دليل علي أن الطغيان صار علنيا ويمنحه الرئيس لمن يريد ليفعل بنا ما يشاء ، وإنني أتساءل ما الذي كان باقيا في مصر لينهب ؟ ولا أجد إلا أن يباع أفراد الشعب في سوق العبيد . [email protected]