في أمسية فكرية على هامش الجنادرية بالعاصمة السعودية "الرياض" كان لقاء موسع مع نخبة من المفكرين والكتاب والباحثين والإعلاميين من مختلف أنحاء العالم ، طرحت فيها ثلاث نقاط : الأولى والأهم كانت عن مصر ومستقبلها السياسي في ظل الأحداث المقلقة حاليا ، لم أقابل أحدا من الشرق أو الغرب قال لي أنه يفهم شيئا مما يحدث في مصر أو يتوقع أي شيء ، الكل مجمع على حالة القلق وغموض المستقبل ، تحدث الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء سامح سيف اليزل وقدم خطابا موجزا وشديد التفاؤل ، كل شيء تحت السيطرة ، وكل المشكلات ستنتهي في خلال أشهر قليلة ، والجماعة "الإرهابية" سينتهي أمرها قريبا حيث يجري تفكيك مفاصلها ، سيف اليزل دافع بشدة عن مدنية الحكم في مصر ومحاولة التشكيك فيها مؤكدا أن مصر لم تعرف الحكم العسكري سوى عامين فقط بعد حركة الضباط عام 1952 وأنه ليس معنى أن ضابطا تخلى عن زيه المدني وترشح للرئاسة أن الجيش يحكم أو أن نظام الحكم عسكري ، وضرب مثلا بأيزنهاور وديجول وآخرين كان عسكريين ثم تولوا الحكم في بلادهم ، الصحفي والخبير اللبناني سيركس نعوم قال لي أن كلام الرجل لا يراعي حقائق النماذج التي طرحها ، فهي شخصيات مدنية شاركت في أحزاب مدنية ثم ترشحت وفق منظومة مدنية بالكامل ، وأضاف "نعوم" أن ما يحدث في مصر حاليا سيطرة عسكرية صريحة ، الصحفي الفرنسي المرموق "ألن جريش" رئيس تحرير الليموند ديبلوماتيك ، وقد عرفت بالمصادفة أنه مصري المولد ، انتقد ايضا كلام اللواء سيف اليزل ، وقال أن الحالة المصرية لا يمكن الخروج بها من المأزق الخطير سوى بالمصالحة الوطنية واستيعاب القوى المعارضة وبشكل خاص القوى الإسلامية ، والاتفاق على قواعد جديدة للشراكة السياسية ، "جريش" أضاف سائلا سيف اليزل : لديكم ما يقرب من 30 إلى 40% من الشعب المصري ضد التوجه الأخير وضد النفوذ العسكري ويؤيدون التيار الإسلامي ، ماذا ستفعلون بهم ، هل تلقونهم في البحر أم تضعونهم جميعا في السجون ، ثم اتسع الحديث ليشمل الأوضاع في العراق وفي سوريا وفي لبنان . هناك قناعة كبيرة بأن المشير عبد الفتاح السيسي هو الرئيس القادم لمصر ، المستشار تامر بجاتو نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا قال لي أن السيسي سيفوز من الجولة الأولى في أي انتخابات تجرى حاليا ، ولكنه إذا تعثر في الجولة الأولى واضطر إلى الدخول في اعادة فغالبا سيخسر الانتخابات ، وله شرح في ذلك ربما عدت إليه ، والحقيقة أن الحوار معه كشف لي عن خبير بالغ العمق والدقة في فهم خريطة الدوائر الانتخابية على مستوى الجمهورية والانحيازات الفكرية والاجتماعية والدينية لكل دائرة بصورة مذهلة ، وقد حصل على تلك الخبرة العميقة من إشرافه على أكثر من استحقاق انتخابي خلال عامي الثورة ، وبالعودة إلى سياق الحوارات العربية حول الأزمة في مصر فإن القناعة الشائعة أن السيسي تنتظره ألغام سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية شديدة الخطورة ، كما أنه سيكون أول قائد لمصر يأتي على أرضية انقسام وطني وشعبي وديني صريح ، وهو تحدي يقابله الحكام العرب عادة بعد سنوات طويلة من ممارسات وتجارب وأخطاء ، لكن السيسي يقابل هذا التحدي من اليوم الأول ، بل من قبل أن يتوسد الحكم ، وهو ما يجعل من تجربته مغامرة حقيقية ، وهناك إجماع على أن تفكيك هذه الألغام لا يمكن أن يحدث على أرضية الصراع أو المواجهة أو المعادلات الصفرية ، خاصة وأن مصر ووضعها الاقتصادي والأمني لا يحتمل استمرار هذه الحالة لعدة سنوات أخرى ، وهو الأمر الذي يجعل من فكرة البحث عن صيغة لتوافق وطني جديد هو أقصر الطرق للنجاح وأقلها تكلفة وأكثرها استحقاقا للتضحية .