ما تقدمه المرايا المحدبة هو تزيف الواقع قليل الحجم كثير التواضع وكذا المرايا المقعرة تصغر من حجم الإنجاز الكبير وتقلل من شأنه وهو تزيف أيضا ! لا نريد إلا المرايا العادية التي تعكس الحجم الحقيقي لانجازات العقل العربي دون مبالغة جوفاء أو تحقير مجحف. يقول أستاذنا الكبير الدكتور عبد العزيز حمودة – رحمه الله – "اكتب كلاما غير مفهوم ينظر إليك على أنك أكبر العلماء، وقد شهدت الساحة الثقافية العربية خلال عقد الثمانيات الميلادي ظهور عدد كبير من الكتب لا يفهمها أحد، من القارئ العادي حتى أكثر الناس ثقافة وتخصصا" المرايا المقعرة ص 113. أزمة ثقافية متراكمة سببها الرئيسي ظاهرة الانبهار بالمنتج الغربي وتقليل شأن وقيمة تراثنا وربما ذهب البعض إلى ضرورة القطيعة المعرفية مع الماضي. لا مفر لنا من العودة إلى ما كتبه العلامة محمود شاكر في كتابه (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) والذي أوضح فيه بداية تفريغ عقل الأمة من كل ثقافتها في عهد محمد علي الذي سلم (القناصل) تربية وتعليم أبناء الأمة ثم كارثة البعوث التي انتهت إلى كارثة تكاد نسلمها ونراها أسمها غسل أدمعة الأمة أو تفريغها ثم إعادة حشوها تمهيدا لإطلاقها لإفساد ما تصل إليه من مفاهيم خاصة المفاهيم العقدية وما يتصل بها من قريب أو بعيد. الذين يقللون من شأن ما حدث للعقل المسلم إبان عصر محمد علي ومسألة البعوث التي أرسلها إلى فرنسا تحت إشراف القناصل وما نتج عنها من تغريب عظيم أتلف العقل وأفسد الحياة في كل نواحيها نعاني منه حتى الآن وسنظل طويلا – الذين يقللون من خطر ما حدث هم وبلا شك في وهم كبير فقد فاتهم أن خصائص أمتهم قد ذابت ولم تعد هي الحاكمة بعد الانبهار الذي حدث وأصبحت الكلمة الأخيرة للمستشرق حتى في مسائل الاعتقاد ولا حول ولا قوة إلا بالله !!
قل لي بربك ما معنى: - التجاهل والتجهيل بالبداية الحقيقة لتاريخ الدين، بالبداية الحقيقة لتاريخ الأمة المسلمة، الواقع التطبيقي لهذا الدين. - التشويه المتعمدة لصورة الخالق عز وجل وسير الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين مع تجريحهم والتشكيك في عدالتهم بل والتشكيك في وجودهم أصلا مع محاولة تصويرهم بمظهر المصلحين الذين استكملوا صفات معينة أعانتهم على إدعاء تكليفهم برسالات من عند الله عز وجل. - استبعاد القرآن والسنة من بين المصادر المعتمد عليها مع الاعتماد على الكتب السابقة في صورتها المنظورة مع أن القرآن الكريم هو المهيمن والمصدق. وقد انتهى العلماء الكبار إلى أن: - الإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم. - البداية الحقيقية لتاريخ الأمة المسلمة لا تبدأ فقط ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن ترجع إلى زمن خلق آدم مسلما موحدا. - فساد مناهج ومصادر ومراجع ومادة ما يسمى بالتاريخ القديم التي تتجاهل آلاف السنين من تاريخ الأمة المسلمة وقد حولته إلى تاريخ وثني جاهلي محض لا أثر فيه لدعوة الرسل والأنبياء عليهم السلام والتي تقسم أيضا تاريخ البشرية إلى قديم ووسط وحديث. - مناهج ومصادر ومراجع ومادة ما تسمى بالتاريخ القديم للجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام ومصر وإيران وتركيا وأوربا ليقوم في أغلبه على منهج معاد للدين الإسلامي ولرسله ولأنبيائه. - فساد منهج مقارنة الأديان. هذا هو (الفكر المزيف) الذي تتعاطاه الأمة من عصر محمد علي حتى الآن، ترهات كتبها رجال الاستشراق الذين هم أدوات المستعمر الذي رحل بسلاحه فقط واحتل الأدمغة ثم عاد أخيرا بكل القوة والسلاح ليحتل الأرض والدماغ معا والأمة غائبة غارقة في التزف المرذول وقد انتج لها الغرب كل ما يفسدها واحتفظ لنفسه بكل مفيد وعظيم في الوقت الذي صدر لنا فيه كل الفنون وشغلنا بها بل شغلنا أنفسنا بها على نحو يثير الاستغراب والدهشة في الوقت الذي رفضا فيه استلهام تراثنا الذي بنى الغرب عليه علمه وثقافته !! إنه الانبهار ثم الذوبان ولا حول ولا قوة إلا بالله. الأمة الكبيرة مليار وأكثر من نصف مليار مسلم تتجه إلى الهاوية. المستشرقون الذي يعاونهم فريق كبير من أبناء الأمة لهم منهجهم في دراسة وكتابة وتدريس تاريخ الكون وتاريخ بني آدم على وجه العموم وتاريخ أمه الإسلام على وجه الخصوص أنه معاداة الدين عموما والاتجاه الإسلامي خاصة. ولا أدري ما هو سر الإعجاب الشديد برجال الاستشراق وهم أصلا الفئة التي صنعها الاستعمار قبل رحيله الظاهري وأسكنها الإرساليات بدعوى البحث والدراسة مصيبة كبيرة. ومع هذا تظل مجموعة قليلة للغاية من المستشرقين بعيدين عن الإجرام الاستشراقي نذكر منهم زيجرد هونكة وأنا ماري شمل. متى تعود الأمة إلى خصائصها المستمدة من عقيدتها ؟ والله يقول الحق وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل.