سوف يكون الرئيس السابق محمد حسني مبارك في أمان لأنه اختار الإقامة في مصر ولم يهرب إلى الخارج.. ولكن ماذا عن كل رجالات الرئيس.. هل سيكونون في أمان أيضًا..!؟ إن الشعب لن يتوقف عن ملاحقة كل الذين أفسدوا الحياة السياسية على مدار ثلاثة عقود والذين أثروا ثراءًا غير مشروع على حساب الشعب، والذين استهانوا بكل القيم والمبادئ وحولوا هذا الوطن إلى عزب خاصة لهم يغترفون من كنوزها ما يشاءون في أي وقت يشاءون.. وبقدر حرصنا على أن تكون المرحلة القادمة مرحلة انطلاقة نحو بناء مصر الحديثة والدخول بها في القرن الحادي والعشرين، وبقدر تطلعنا إلى أن تكون المرحلة القادمة هي مرحلة المصالحة الوطنية والبعد عن تصفية الحسابات السابقة إلا أن هذا لا يعني تجاهل أو التغاضي عن أخطاء النظام السابق أو التوقف عن ملاحقة المفسدين فيه.. وفي هذا فإننا نأمل في أن يتم تشكيل محكمة للثورة تتولى بأمانة وبنزاهة وبضمير وطني ودون إصدار أحكام مسبقة فحص كل البلاغات التي يتم تقديمها في رموز النظام السابق والتحقق منها قبل إحالة أصحابها إلى القضاء العادي للنظر في أمرهم وإصدار الأحكام العادلة في حقهم. فليس معقولاً أن نتجاهل ما يقال حول ثروات هؤلاء التي تنشر في الصحف وفي بلاغات من بعض الشخصيات العامة والتي تقول على سبيل المثال إن الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق يملك 20 قصرًا و15 مليار جنيه ثروة أبنائه مع أنه عندما تسلم موقعه كرئيس للوزراء لم يكن يملك إلا شقة واحدة، وأن يقال إن ثروة حبيب العادلي وزير الداخلية تصل إلى 17 مليار جنيه و25 قصرا وأن ثروة الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة 12 مليار وأن أحدًا لا يستطيع إحصاء ثروة الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية وصاحب العبارة الشهيرة في مجلس الشعب والتي تقول إن الفساد في المحليات وصل إلى الركب ولم يقل لنا يومًا إلى أي مدى وصل الفساد في قصر الرئاسة..! ولا يمكن تجاهل ما حدث من أكبر عملية استيلاء على أراضي مصر وقعت في عهد النظام السابق حيث بلغت قيمة أراضي الدولة المنهوبة أكثر من 2 تريليون جنيه (2000 مليار جنيه).. وهناك مخالفات أخرى لا تعد ولا تحصى لأحمد عز أمين التنظيم السبق بالحزب الوطني وأحمد المغربي ومحمد منصور وابن صفوت الشريف، وفوق كل هؤلاء يأتي جمال مبارك بإمبراطورية في البورصة وشراكته مع نجل الكاتب محمد حسنين هيكل التي كانت الباب الخلفي للصناديق الأجنبية والاستثمارات في البورصة. إن الحديث يطول عن هذا الفساد الذي تراكم وتزكم رائحته الأنوف، وعن مال الشعب الذي كان يسرق بلا حياء، وعن الفساد الذي كان منظومة وشعارًا. لقد كان ما يحدث أكبر من إمكانية التصديق، وكنا نعتقد أن هناك مبالغات وتهويل فيما يقال سرًا وما يتداول عبر الانترنت، وكنا لا نصدق أن هناك أشخاصًا من أبناء هذا الوطن يمكن أن يرتكبوا كل هذه الجرائم بكل هذه الصفاقة والتبلد في المشاعر وبكل هذا الاستفزاز، وكان خوفنا الدائم على الوطن يدفعنا دائمًا إلى التحذير من وقوع ثورة دموية تطيح بالأخضر واليابس في هذا الوطن، وازداد قلقنا مع الأيام الأولى من ثورة 25 يناير عندما رأينا عصابات التخريب والدمار تشرع في حرق بعض المنشآت العامة وتتزود بالسلاح لتهاجم الناس في بيوتهم وتنشر الرعب والخوف في كل مكان. ولكن الله سبحانه وتعالى كان رءوفًا رحيمًا بهذا البلد وحفظه سالمًا حين جعل الجبناء يرتعشون في جحورهم والمفسدين في الأرض يختبئون في حصونهم ويتركون الساحة للشعب يصنع التغيير ويقود الثورة المباركة التي أتت تحقق المعجزة بأقل الخسائر وتعيد لنا الأمل في غد أفضل لأجيالنا القادمة وتجعلنا أكثر ثقة في أن عصرًا جديدًا من الطهارة واحترام حقوق المواطن قد بدأ..، وهو عصر نأمل أن تكون أهم سماته الديمقراطية تتمثل في احترام الرأي والرأي الآخر، فقد نختلف في وجهات النظر وفي رؤيتنا للأمور وفي إصدار الأحكام والتقييم، ولكننا يجب أن نتذكر دائمًا أننا جميعًا أبناء مصر، وأن الخلاف في الآراء لا يعني العداء ولا يعني أن البعض أكثر وطنية من الآخر، فكلنا في النهاية نعمل من أجل مصر ولمصر. [email protected]