نعم ، نحن في صحيفة "المصريون" من نشرنا الخبر عن شكوى واستياء بعض أعضاء هيئة كبار علماء الأزهر من النشاط السياسي الخطير للدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو الهيئة ، وأن بعض العلماء طالبوا بالتحقيق مع الشيخ علي وإبعاده عن "كبار العلماء" ، لأن انغماسه في الصراع السياسي الذي يمزق البلاد حاليا يورط الأزهر في خصومات مع قطاع واسع من الشعب ويعرض مكانته وهيبته للخطر والإساءة ، وأؤكد على أن معلوماتنا سليمة ودقيقة من داخل الأزهر ، رغم النفي الذي قام به شخص مجهول عن طريق وكالة الأنباء الرسمية للدولة "أ.ش.أ" قائلا أنه لا توجد شكوى ولا طلب تحقيق مع الدكتور علي جمعة ، وأغلب الظن أن النفي أملاه الشيخ علي نفسه على الوكالة ، وبعيدا عن التأكيد والنفي لطلب التحقيق ، فإن ما يحدث في هيئة كبار العلماء مشين بالفعل ويمثل عارا على تاريخ الأزهر كله ، كما أنه يمكن أن يعرض الأزهر وهيئة كبار العلماء لخطر الانقسام والتراشق بالاتهامات على خلفية الانقسام السياسي ، فالشيخ علي جمعة يقود حركة سياسية لدعم ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية ، وتم تنصيبه رئيسا لجبهة "مصر بلدي" ، ويحضر الاجتماعات الجماهيرية واللقاءات السياسية المتنوعة لدعم السيسي والدعاية له والهجوم على خصومه ، ودخل في مهاترات وخصومات عنيفة بعضها متدني جدا ومحرج جدا مع شخصيات أخرى لها رأي آخر في المشير السيسي ، ومثل هذا التراشق السياسي والشتائم والمهاترات المصاحبة عادة للصراعات السياسية مهين جدا لعالم الأزهر ، ناهيك عن أن يكون العالم القدوة الذي تشرف بأن يكون من بين هيئة "كبار" العلماء ، فهل رضي الأزهر بأن يكون جزءا من الصراع السياسي والحزبي الذي يمزق الوطن بدلا من أن يكون مرجعية للسلام الاجتماعي والوئام ولم شمل الأمة ، وهل رضي بأن تكون هيئة كبار العلماء مرمى لسهام التجريح والشتائم والطعن في النزاهة والشرف وغير ذلك مما يجري عادة في صراعات السياسة . وإني أسأل فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، إذا كنتم قد سمحتم للشيخ علي جمعة بأن يقود حركة سياسية لدعم مرشح بعينه لرئاسة الجمهورية ضد مرشحين آخرين ، وأن يكون رئيسا لجبهة سياسية تخوض غمار الصراع السياسي ، فهل تملكون الشجاعة لإعلان السماح لأي عضو آخر بهيئة كبار العلماء أن يشارك أو يقود حراكا سياسيا هو الآخر يعلن فيه تأييده لمرشح آخر أو قوة سياسية أخرى ضد المرشح الذي يدعمه الشيخ علي جمعة ، هل يمكن مثلا السماح لعضو آخر من كبار العلماء بأن يشكل جبهة سياسية لدعم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في انتخابات رئاسة الجمهورية ، وأن يشكل عضو آخر من "هيئة كبار العلماء" جبهة لدعم الأستاذ حمدين صباحي في الانتخابات ، وإذا حمي الوطيس ودخلنا في انتخابات البرلمان هل يمكن أن نجد أصواتا من هيئة كبار العلماء ترمي بثقلها خلف جبهة الإنقاذ وأخرى ترمي بثقلها خلف حزب مصر القوية ، وأخرى تشارك في مهرجانات حزب الدستور مثلا وأخرى تنحاز لحزب النور ، هل يمكن أن يتصور شيخ الأزهر هذا المشهد وتوابعه وانعكاساته على صورة الأزهر وعلمائه ، ناهيك عن كبار علمائه . يا فضيلة الشيخ الطيب ، إن القضاء يحظر على أعضائه الانغماس في العمل السياسي حماية لمهابة القضاء وحياديته وأنه قد يكون حكما بين أطراف سياسية متصارعة فلا يليق أن يكون هو نفسه جزءا من الصراع ، وبغض النظر عن الالتزام الكامل بذلك من القضاء أم لا ، إلا أن الشاهد أن الأولى أن يكون للأزهر الموقف نفسه ، الذي يحظر على رموزه وعلمائه الانغماس في الصراع السياسي لأن أهل السياسة قد يلجأون إليه ، إما للفتوى وإما لجمع الشمل كما حدث مرات سابقة ، فكيف يكون الخصم والحكم وقتها ، وكيف يمكن لأحد أن يحترم من الأزهر فتوى وهو يعلم أنه صاحب مصلحة وانحياز لأطراف ضد أطراف . يا فضيلة الدكتور الطيب ، قولا واحدا ، إما أن يستقيل الشيخ علي جمعة من جبهة "مصر بلدي" ويعلن براءته من أي نشاط سياسي وإما أن يتقدم باستقالته طوعا أو كرها من هيئة كبار العلماء في الأزهر ، ومبروك عليه الزعامة السياسية ، ولكن الحق والحقيقة والكرامة والبديهة تقول أن الاثنين لا يجتمعان .