بقاء مبارك في السلطة لحين انتهاء ولايته لا يجعل أي شيء مضموناً. لقد ترك انطباعا يصعب التخلص منه، وهو أنه لا ينفذ أي وعود، ولا يهتم إلا بدوام الكرسي أو إطالة أمده لأطول وقت ممكن. التنحي وحده يعني نجاح الثورة. مقولة إنه يجب عودة الثوار إلى بيوتهم لأن مطالبهم تحققت، خداع كبير، ومناورة لإخراج النظام المتداعي من تحت الماء ليلتقط أنفاسه ويعود لجبروته وقهره ودولته البوليسية الأمنية وأذرع البلطجة التي ما زال يعتمد عليها حتى الرمق الأخير. هتاف "الشعب يريد اسقاط الرئيس" الذي ألهم شعوبا أخرى للتحرر من الديكتاتوريات في مناطق كثيرة خارج مصر، هو خارطة الطريق الوحيدة، وبدونها لن تكون هناك أي تضاريس آمنة للحوار مع النظام. الدستور الذي لن يتغير إلا بتوقيع مبارك.. فزاعة أخرى يلجأ إليها النظام في رمقه الأخير، وللأسف ينطلى خداعه ومناوراته على من يفاوضهم من أحزاب معارضة لم تثبت حتى الآن أنها خرجت من "الكرتونة"، وجماعات حكماء مولعين بشاشات الفضائيات. ثورة يوليو أوقفت العمل بدستور 1923 في ديسمبر 1952 واستعاضت عنه بإعلان دستوري يتضمن المبادئ الأساسية للدستور لتعمل بها الحكومة الإنتقالية حتى إقرار دستور جديد، وقد استمر ذلك حتى عام 1956. الدستور ليس قرآنا. لو صح ما يدعيه النظام للابقاء على مبارك، فماذا لو قضى نحبه؟!.. والأعمار بيد الله. هل سيجد ترزية الدساتير مخرجا لو حدث ذلك، فيعتبرون حينها أن كل ما قيل من وعود، كلام ليل يذوب مع طلوع الشمس، ولا حيلة سوى تولي رئيس جديد بالأوضاع الحالية التي تعرقل المرشحين من خارج حزب التزوير؟! فزاعة الوقت القليل المتبقي على الانتخابات الرئاسية، محاولة رخيصة لتمرير قرارات باطلة، فكيف يمكن لمجلس يواجه 486 من أعضائه ال518 أحكاما بالبطلان لثبوت التزوير أن يقر تعديلات يتم على أساسها انتخاب رئيس مصر القادم! السوابق الدستورية في مصر تعطينا حلولا منطقية ومقبولة، أبسطها وقف العمل مؤقتا أو كلية بالدستور الحالي، وإصدار إعلان دستوري خلال مرحلة إنتقالية. نحن أمام ظروف جديدة وتغيرات كبيرة لا ينبغي تضييعها من أجل اللحاق بموعد الانتخابات الرئاسية. المادتان 76 و77 ليستا المعيبتين فقط، هناك أيضا المواد التي تمنح سلطات وصلاحيات دستورية واسعة لرئيس الجمهورية، فتصنع من الطيب ديكتاتورا، وتحول العادل إلى ظالم وعابد للكرسي المؤبد. مصر بعد 25 يناير لا يلائمها دستور 1971 الذي ظل بيئة وحضنا للفساد والفاسدين والحكم البوليسي وخنق الحريات العامة والخاصة. [email protected]