لابد أن أحذر الجميع ابتداء بأن يرفعوا أيديهم عن ثورة الشباب الأحرار، فليسوا بحاجة إلى شيوخ شاخت معهم عزائمهم ولا إلى رموز الحركة الوطنية التى انقسم أعضاؤها وفق حسابات المكسب والخسارة وثمن الإقدام، كما أنهم من باب أولى ليسوا بحاجة إلى الدجالين عبر الحدود الذين يظنون أنهم جديرون بالزعامة والقيادة فوقعوا فى أوهام العظمة والاستخفاف وظنوا أنهم يديرون الثورة بسطور فى حسابهم الإلكترونى فصنعوا أصناماً لأنفسهم وطالبوا الآخرين بعبادتهم. ليس الشباب قطعاً بحاجة إلى الديناصورات أو أزلام الحزب المنقرض الذى تسبب فى أن يتقدم الشباب الصف، ولذلك فهى ثورة نقية شبابية خالصة، أبرز ما فيها أنها ثورة على كل شئ صار سحابة سوداء داكنة على قلوب الناس. والغريب أن ثورة الشباب حلت محل شباب الثورة المألوفة فى التاريخ، وكلهم من مواليد هذا "العهد الذهبى" الذى دفعهم إلى الضياع بالمخدرات والتطرف والفراغ وانتزاع الانتماء بعد أن صارت مصر ضيعة يمرح فيها كل الأعداء، ولذلك فإن النظام قد أمن تماماً إلى مافعل حيث ارتكب كل الموبقات دون أن تطرف له جفن أو تهتز يده، بعد أن جند أبواقا هابطة للدفاع عن خطاياه ووظف أموال الأمة فى خرابها والزراية بها بين الأمم فصارت مصر رجل المنطقة المريض واستدرك النظام خطورة الإعلام الحديث وخاصة الفضائيات فناصبها العداء حتى يظل الشعب فى جهالة مفترضة قانعا بما يبثه الإعلام الرسمى من أمجاد الزعامة التى استعلت على مشاكل مصر وغفلت عمداً عن نداءات الإصلاح والاستقامة، وصار الإعلام يبث الانجازات الوهمية حتى اقتنع الناس أنه يتحدث عن مصر الأخرى التى أنشأها الفساد وهيمنة رأس المال على مقدرات الحياة، فصار المواطن بحاجة إلى الكرامة فى وطنه والأمن على صحته وعلاجه وتعليمه وغذائه ووظيفة لائقة بعد تعليم معقول واعتزاز ببلده بين دول المنطقة. الشباب الثائر يريد مصر الجديدة على هواه بعد أن يئس من عجز الكبار عن إرغام السلطة على الإصلاح. والطريف أن الحزب الحاكم قد حاصر الشباب بالخرافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الإعلام والتعليم ومعسكرات الشباب ولجان الحزب فظن أنه أفسد عقولهم ودفعهم إلى جنة السكران التى خلقها خياله المريض ولاعلاقة لها فى الواقع. ولذلك فإننى أريد أن ينضم شباب الحزب الوطنى إلى جيله لانقاذ وطنه من جلاديه وأن يحيط الشعب كله بهذا الشباب ولامكان لأى أيديولوجية سوى أن الثورة هى دين المصريين جميعاً بعد أن حاولوا بث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، وبين الأخ وأخيه، واستشهد آلاف الشباب يأساً على شواطئ المتوسط، وبهذه المناسبة أرجو أن تذاع فى صفوف الثوار قصيدة فاروق جويدة الرائعة: هذي بلاد لم تعد كبلادى. أمام الثورة الصمود والثبات وعلى الشعب احتواءها وحمايتها، وعلى المتطفلين الرحمة بها والبعد عنها وعلى السلطة أن تعالج الثورة مرة واحدة وأخيرة معالجة سياسية وأن تدرك أن المعالجات الأمنية لن تجدى، لأن السلطة أغلقت أبواب الحوار بعد أن استولت على كل المؤسسات بما فيها البرلمان، فلم يجد الثوار بدا من الشارع ونزلوا برسالة واضحة، إما الاستجابة أو الرحيل. ولما كان النظام لايزال يكابر ويعتقد أن مصر ليست جاهزة للثورة وأن "فئة ضالة مندسة" هى التى تحاول أن تقضى على "طريقتنا المثلى" كما قال فرعون لقومه إزاء رسالة موسى وأنه لايريهم إلا ما يرى، كل ذلك هوى لثلاثة أسباب: الأول، اتساع دائرة المعاناة مع اتساع دائرة الفجور فى النظر إلى مصر وشعبها مع استمرار تدهور كل شئ بشكل منظم ودون مبرر. الثانى: ثورة وسائل الاتصال فشب الشعب عن الطوق وطالب برفق برفع الوصاية، ولكن النظام لايزال مع أزلامه يحاول فرضها ولايصدق مايجرى ويحاول جاهدا بكل الطرق احتواء الغضب دون أن يملك الشجاعة على الاعتراف بالخطأ والإسراع بالإصلاح .السبب الثالث هو شرارة تونس. الثورة يصنعها الثوار الذين يستردون للمصرى شعوره بالحرية فليجعل النظام الثورة على الأوضاع وليس ضد من صنع هذه الأوضاع، فلاتجدى المكابرة، حتى لايلقى النظام ما لقيه أسلافه، لعلهم يقرأون التاريخ بصدق للمرة الأخيرة، وليدرك النظام أن تأخره فى الإصلاح أو الرحيل أملاً فى قمع الناس سيكلف مصر غالياً ويتحمل المسئولية عن ذلك فى أرواح الناس بين الشعب وقوات الأمن، وليتعظ من التجارب القريبة. نريد رئيساً سابقاً ولا نريد رئيساً مخلوعاً أو قتيلاً لا قدر الله.