قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: "فلو قُدِّر أن رجلاً يصوم النهار ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب لله، ولا يتمعَّر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه". لقد عَظُمَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتعظيم الحق – سبحانه وتعالى – لهذه الشعيرة العظيمة، فقد عده جمع من العلماء على أنه الركن السادس من أركان الإسلام، وقدمه الله عزّ وجلّ على الإيمان كما في قوله - تعالى -{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. بل إن الله - عزّ وجلّ - قدمه في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال – تعالى - {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}. وبهذا التعظيم الشريف لهذه الشعيرة الكريمة انبعث منها صلاح الأمة وإسعادها، وحفظ مصالحها في معاشها ومعادها، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعد القطب الأعظم في الدين، وهو سبيل النجاة للمجتمعات الإسلامية وسلامتها، وقطع السبيل على المفسدين الذين يسعون لإفساد ما يحيط بالمجتمعات وذلك بالتلاعب بالضرورات الخمس منفردة أو مجتمعة، ومن هذا جاء ضرورة الحفاظ على تلك الضرورات. ولقد ذكر الإمام الشاطبي طرق المحافظة على الضرورات الخمس فقال – رحمه الله -: "والحفظ لها يكون بأمرين: أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم. فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك، والعادات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً لكن بواسطة العادات، وأما الجنايات فيجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم". إن الحاجة لهذه الشعيرة العظيمة تشتد كلما بعدنا عن عصر النبوة، وذلك لكثرة المنكرات، ولرواج سوقها، وتلاطم أمواج الفتن، واستعلاء أهل الفساد بتجارتهم الكاسدة، ويأتي ذلك مع نكوص عدد من الأخيار والصالحين عن القيام بهذا الواجب العظيم، والإسهام في نشر هذه الفريضة التي هي قوام ديننا الحنيف، وأساس تعزيزه وانتشاره، وبها يتحقق أمن المجتمع واستقامة أحواله. ولقد عزز الإمام الشاطبي – رحمه الله - ذلك بقوله: "فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي: الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد". إن تجاهل فئام من مجتمعنا أن هذا المجتمع ما هو إلا سفينة واحدة نركب فيها جميعاً ، ويتأثر أعاليها بما يجري بأسافلها والعكس، فمجتمعنا لحمة واحدة، وبناء واحد، فإن ذلك التجاهل يضر بالمصالح العامة، ويعتدي على مصالح الآخرين، ومن يسعى بطريقة أو بأخرى لإشاعة الفساد بين أبناء الأمة ليس بالحرية الشخصية بل إن ضرر من يفعل ذلك متعدياً لغيره وغير مقصوراً عليه، ومما لا شك فيه فهو من معاول هدم سفينتنا أجمعين، وهلاك مجتمعنا. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهو صمام الأمان، والسد المنيع لتزكية مجتمعنا وتطهيره، وتهذيب أخلاقه وسلوكه، وهو الضمانة الحقيقية لحفظ النظام، وتحقيق الأمن ومحاربة الإجرام، ومنع الاعتداء على مصالح الناس وخصوصياتهم، وهذه الشعيرة العظيمة لهي من أجل ما ورثناه من رسولنا الحبيب _ صلى الله عليه وسلم _؛ وهو ما رواه البخاري – رحمه الله – في كتاب الإيمان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك.