في الوقت الذي اجتهد فيه المؤرخون العلمانيون ورموز التغريب فى "سرقة" رموز الفكر الإسلام وافتعال نسب بينهم وبين العلمانية والتغريب.. حفظت بعض الكتابات الحقائق التي تفضح هذا المسعى العلماني الخبيث.. ومن مفارقات هذا الأمر أن مسعى العلمانيين ودعاواهم قد حازت على كثير من الكتاب الإسلاميين ففرطوا بجهالة فى كثير من الرموز التي تربت فى مدرسة الإحياء التجديد الديني، وأسلموهم.. ببلاهة غريبة إلى أحضان العلمانية والعلمانيين!. ومن نماذج هؤلاء الأعلام والزعماء سعد زغلول باشا (1273 1346ه 18571927م) زعيم الأمة وقائد ثورتها فى 1919م. لقد درس سعد زغلول في الأزهر الشريف وكان واحدًا من أنجب تلاميذ الشيخ محمد عبده (12661323ه 18491905م) وكان جمال الدين الأفغاني (12541314ه18381897م ) يشير إليه في المراسلات بعبارة "الشيخ سعد زغلول"!. ولقد كتب الإمام الشيخ محمد رشيد رضا (1282 1354ه 18651935م ) فقال: "لقد ظهرت روح الشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده فى أعمال تلاميذهما.. ومن أشهرهم سعد زغلول ..الذي أصبح عميد الحزب المدني للأستاذ الإمام وأقوى أركانه. ولقد أنشأ سعد زغلول سنة 1907 "مدرسة القضاء الشرعي" التي مثلت مع "دار العلوم" ميدان الاجتهاد والتجديد للفكر الإسلامي فى العصر الحديث والتي طمحت إلى تخريج القضاة الشرعيين الذين ينافسون فى الفكر والتنظيم القضاء المدني الذي أراده الاستعمار بديلا للقضاء الشرعي!.. وجعل هذه المدرسة تحت إشراف شيخ الأزهر حسونة النواوى (12551343ه 18401925م ). ولقد ظل سعد زغلول حتى بعد أن قاد ثورة 1919 وأصبح زعيما للأمة وفياً للمنابع الفكرية التي صاغت عقله ووجدانه، ففي 1921م وبعد عودته من المفاوضات فى أوروبا حول الاستقلال ذهب إلى الجامع الأزهر الذي تجلى فيه وخطب فى المصلين فقال: "لقد جئت اليوم لأؤدي في هذا المكان الشريف فرض صلاة الجمعة، فأقدم واجبات الاحترام لمكان نشأت فيه، وكان له فضل كبير فى النهضة الحاضرة، تلقيت فيه مبادئ الاستقلال، لأن طريقته في التعليم تربى ملكة الاستقلال في النفوس، فالتلميذ يختار شيخه، والأستاذ يتأهل للتدريس بشهادة التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه ومتأهل له، يوجه إليه كل منهم الأسئلة التي يراها، فإن أجاب الأستاذ وخرج ناجحًا من هذا الامتحان، كان أهلا لأن يجلس مجلس التدريس، وهذه الطريقة فى الاستقلال جعلتني أتحول من مالكي إلى شافعي، حيث وجدت علماء الشافعية فى ذلك الوقت أكفأ من غيرهم". ومن الأمور ذات الدلالة، أن سعد زغلول باشا حتى وفاته.. وبعد أن صار زعيمًا للأمة ورئيس لحكومتها.. قد اتخذ شيخًا من خريجي مدرسة القضاء الشرعى هو محمد إبراهيم الجزيرى سكرتيرًا خاص له، يستعين به لا فى الأعمال الإدارية فحسب، بل وفى القضايا الفكرية.. يحضر له الكتب التي يقرأها، ويملى عليه آراءه فى هذه الكتب ورسائله إلى مؤلفيها وخاصة تلك الكتب التي شغلت الأمة وأشعلت المعارك الفكرية الكبرى من مثل كتاب على عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) وكتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) وكتاب فريد وجدي في نقد كتاب طه حسين.. وهكذا ظل سعد زغلول – فكريا- هو " الشيخ سعد زغلول" تلميذ محمد عبده والأفغاني.. وبعبارة رشيد رضا: "عميد الحزب المدني للأستاذ الإمام وأقوي أركانه"!.. الأمر الذي يفرض على"العقل التاريخي" ضرورة إعادة كتابة تاريخنا من جديد!