شهدت مدن تركية الأسبوع الماضي اشتباكات بين متظاهرين أكراد وقوات الأمن التركية، اشتعلت شرارتها في مدينة ديار بكر خلال تشييع جنازة 14 شخصا من حزب العمال الكردستاني المحظور، قتلتهم قوات الأمن قبل أسبوعين، وأسفرت الأحداث عن سقوط 17 قتيلا وعشرات الجرحى، إلى درجة أن الناس بدأوا يسألون في تركيا: هل نعود إلى سنوات الماضي التي خلفت أكثر من ثلاثين ألف قتيل، في وقت نتطلع فيه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتجري الحكومة التركية إصلاحات جذرية؟ وماذا يريد الأكراد؟ حمل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حزب العمال الكردستاني مسؤولية الاضطرابات، ودعا كافة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى التضامن للتصدي معا لمؤامرات هذا الحزب. وذهب محافظ مدينة العزيغ التركية معمر موشمال أبعد من هذا، حيث اتهم في اجتماع للجنة التنسيق للمحافظة، الولاياتالمتحدة بدعم حزب العمال الكردستاني، واستخدام ورقة الأكراد للانتقام من تركيا بسبب رفضها نشر القوات الأمريكية على أراضيها قبيل غزو العراق. قد يرى البعض أن هذا الكلام مجرد تخمين، ولكن باعتبار أن الرجل يشغل أعلى منصب يمثل الدولة في مدينة بجنوبي شرق تركيا أغلبية سكانها من الأكراد، فإن هذا يضفي عليه نوعا من الجدية والاهتمام. لا يحتاج الأتراك في اتهامهم لأمريكا بدعم حزب العمال الكردستاني إلى وثائق مكتوبة، فإن الجميع يعرف أن هناك معسكرات في شمال العراق لهذا التنظيم المسلح، ويتسلل عناصره من الحدود التركية العراقية ليقوموا بأعمال إرهابية. وبالرغم من طلب الجانب التركي من الأمريكيين أن يمنعوا نشاط هذا الحزب المصنف في أوروبا وأمريكا ضمن المنظمات الإرهابية، إلا أنهم لم يحركوا ساكنا تجاهه، واكتفوا بالقول بأن الحكومة العراقية هي المسؤولة عن هذا الأمر. ولكن الأتراك يعرفون أن أمريكا هي السيد وصاحب القرار النهائي في العراق، ولو طلبت من بارزاني وطالباني إغلاق معسكرات حزب العمال الكردستاني وعدم السماح لنشاطه في شمال العراق، لا يمكن لهما رد هذا الطلب. إن واشنطن تستخدم ورقة الأكراد للتضييق على إيران من جهة، ولابتزاز تركيا لتلعب الدور المطلوب منها في ملف إيران النووي. وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة "ملليت" التركية في عددها الصادر في 31 مارس نقلا عن مراسلتها في واشنطن ياسمين جونقار، أن السفير الأمريكي لدى أنقرة روس ويلسون، صرح في لقائه مع مجموعة من الصحفيين في واشنطن، بأن المطلوب من أنقرة أن تدعم موقف المجتمع الدولي الذي يطالب إيران بالتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وليس الوساطة في الاتصال مع إيران. وفسر الكاتب المقرب من واشنطن جونيد أولسيفير هذا الطلب في مقاله المنشور بصحيفة "حرريت" التركية في 2 أبريل، بأن واشنطن تحاول أن تعرف ما إذا كانت تركيا ستقف بجانبها في الهجوم العسكري المحتمل على إيران أم لا، وأن هناك نقاشا يدور حاليا في الولاياتالمتحدة حول الشريك المناسب في تركيا، والذي يمكن الوثوق به في مسألة إيران؛ هل هو الجيش التركي أم الحكومة التركية؟ ويختم أولسيفير مقاله قائلا: "من ينجح في إدارة جنوبي شرق تركيا، فسيعتبر مناسبا لتحقيق متطلبات التعاون الدولي، وهو الذي سيتولى إدارة تركيا". السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف ستتعامل الحكومة التركية مع هذا الابتزاز؟ أجرت الحكومة التركية إصلاحات لحل المشكلة الكردية، وقام أدوغان بزيارة إلى المنطقة مع مثقفين، واعترف بشكل غير مسبوق بوجود مشكلة كردية في تركيا خلال كلمة له في ديار بكر. ولا تزال حكومة حزب العدالة والتنمية تعد بمزيد من الإصلاحات والحريات. ولكن المشكلة الأساسية التي تجل الحل معقدا، تكمن في أن تسجيل أي خطوة إيجابية في هذا المضمار، يحسب تلقائيا لصالح حزب العمال الكردستاني، ويسجل ضمن "نجاحاته" لخلو الساحة عن أي ممثل آخر للأكراد، وبالتالي تصوير الأمر كرضوخ الحكومة للمسلحين. إن كانت حكومة أردوغان ترغب في حل المشكلة الكردية حتى لا تدع المجال لابتزاز تركيا من قبل أمريكا وغيرها، فيجب أن تسعى لإيجاد ممثلين للأكراد غير انفصاليين، وأن تجلس معهم لحل المشكلة، ويمكن أن يساعدها الإسلاميون الأكراد في هذه المهمة الصعبة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجماعات الإسلامية في تركيا أخفقت في تقديم حلول عملية للمشكلة الكردية، وأفسحت المجال لحزب العمال الكردستاني والجماعات اليسارية لتستغل قضية شعب مسلم لصالح أجندتها السياسية الخاصة. ويعود هذا الإخفاق إلى أسباب عديدة، منها أن بعض هذه الجماعات تحمل أفكارا قومية، وبعضها لا تحمل أصلا أي أفكار سياسية كالجماعات الصوفية. ولا شك أن كون المشكلة تهم إيران من جانب، جعل الإسلاميين الذين ينظرون إلى القضايا من زاوية طهران، غير قادرين على تناول هذه المشكلة وتقديم حلول لها. ولكن حان الوقت لتحمل الإسلاميين الأكراد والأتراك مسؤوليتهم في حل مشكلة الأكراد في حدود الممكن، وألا يدعوا الأكراد فريسة للطامحين في استخدامهم كورقة ضغط ضد هذا وذاك المصدر : العصر