شهد مجلس الشعب أمس تمرد نواب الحزب "الوطني" ضد الحكومة، فيما يضع عمليًا نهاية لفترة شهر العسل بين الجانبين، على خلفية الإضراب العام لأصحاب المقطورات الشهر الماضي احتجاجا على رسوم فرضتها مصلحة الضرائب، والمهلة التي منحتها الحكومة لهم لتحويل المقطورات إلى تريلات بحد أقصى أغسطس 2012. فقد اتهم النواب خلال اجتماع لجنة الصناعة بمجلس الشعب الحكومة بإصدار قرارات عشوائية، معتبرين أن ما قامت به ضد أصحاب المقطورات "كارثة وخراب بيوت"، محذرين من تحول أصحاب المقطورات إلى "إرهابيين" ضد الدولة فى حال استمرار الحكومة فى أسلوبها "العدواني" ضد الشعب المصري، على حد قولهم. وأكدوا أن قرارات الحكومة "العشوائية" ستتسبب فى إهدار 15 مليار جنيه من خلال تعديل المقطورات إلى "تريلات" أو إعدام ما لا يصلح تطويره، ودفع التعويضات لمن ستعدم سياراتهم. وتساءل النواب: "لمصلحة من يحدث ذلك، ومن المستفيد من الشركات التي ستقوم بعملية التطوير وما سوف تحصل عليه من أموال مقابل عمليات التعديل غير المدروسة والمحكوم عليها بالفشل؟". وأكدوا خلال الاجتماع الذي عقد برئاسة محمد أبو العينين وبحضور المهندس علاء فهمي وزير النقل وبحضور ممثلين عن وزاراتي التجارة والصناعة والمالية وممثلين عن أصحاب المقطورات أن الأمور لا تحتمل أن تصدر قرارات غير مدروسة تتسبب فى توقف كامل لحركة النقل وارتفاع الأسعار، محذرين من ارتفاعات مستقبلية لكافة السلع فى حال حدوث أي إضراب آخر. وتوقع النواب أن يصل سعر كيلو السكر إلى 50 جنيها وسعر طن الحديد إلى عشرة آلاف جنيه فى حال الإعلان عن إضراب آخر لأصحاب المقطورات، خاصة أن 98% من عمليات نقل البضائع تتم عن طريق المقطورات. وأعلن النائب ممدوح حسنى وكيل لجنة الصناعة رفضه ما أسماه ب "أسلوب المسكنات التي تنتهجها الحكومة"، وقال: "لا نريد مسكنات نحن نريد حلولا عملية وجذرية لإنهاء تلك الأزمة التي تركتها الحكومة منذ تعديل قانون المرور عام 2008 ولم تستيقظ للتحرك إلا بعد خمس سنوات باتخاذ عدد من القرارات، ومنها تعديل المقطورة". وقال "إنني أشك فى عمليات الأمان لتلك السيارات عند تعديلها إلى تريلات"، وتساءل في الوقت ذاته: لماذا تأخرت الحكومة لمدة 24 عامًا حتى الآن فى تطوير وتحديث أسطول النقل النهري؟. بدوره، حمّل اللواء أمين راضى رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي الحكومة مسئولية ما حدث، وتساءل: ماذا فعلت منذ أكثر من 28 شهرا ومنذ مدت العمل لمدة عامين للمقطورات، وماذا فعلت من خطط لتطوير النقل النهري والسكك الحديدية،.؟ مجيبا بقوله "للأسف مافيش حاجة اتعملت". وتساءل عما إذا كانت فترة العشرين شهرًا المتبقية كافية لإجراء تعديل وتطوير المقطورات إلى تريلات؟. وأرجع موافقة الحكومة على زيادة الأوزان التي تحملها المقطورات إلى ما تحصّله من أموال وصلت إلى 850 مليون جنيه عام 2008/2009 وقد وزع نسبة كبيرة منها في صورة مكافآت، وقال: للأسف لقد أعلن وزير المالية أنه سيعطى قروضًا بدون فوائد لأصحاب المقطورات ثم فوجئنا بعد ذلك بأن القروض سوف يصاحبها فوائد. من ناحيته، قدّر النائب محمد البرادعي أن تكلفة تعديل المقطورة إلى تريلا ستتراوح ما بين 60 ألف إلى 150 ألف جنيه داخل الشركات التي حددتها الحكومة، فى حين أن هناك شركات قدمت عروضا مخفضة جدًا لم تلتفت لها ، مطالبا الحكومة بوضع حلول جذرية حتى لا تقف الحياة في مصر. وتساءل النائب منصور قدح: أين الحكومة من تكليفات الرئيس حسني مبارك بضرورة الوقوف بجانب الفقراء ودعمهم، ومن عمليات التنمية التي يتحدث عنها الرئيس وعمليات التطوير التي ينشدها الرئيس، محذرًا من خطورة الموقف الذي سوف يؤدى إلى ارتفاعات جنونية فى الأسعار لم يسبق لها مثيل، وقال إن سعر طن الأسمنت الذي يصل إلى 700 جنيه يمكن أن يصل إلى عشرة آلاف جنيه فى حال حدوث إضراب آخر. وأضاف: إننا نريد الرحمة من تلك الحكومة حتى لا يتحول 43 ألف سائق إلى مجموعة من الإرهابيين ضد الحكومة، وقال إن الشارع المصري يردد عبارة "هي الحكومة عاوزة تجوعنا"، وتساءل: "لمصلحة من يتم إعدام وتكهين نحو 30 ألف سيارة مقطورة؟ وهل ال 40 ألف جنيه التي أعلن عنها وزير المالية تعويض لكل صاحب سيارة تم تحويلها إلى خردة كافية. من ناحيته، اعتبر النائب اللواء رفعت الجميل أن حديث الحكومة منذ عام 1986 عن تطوير أسطول النقل النهري والبحري "كلام غير واقعي وعبارة عن أسطورة من الأساطير التي نسمع عنها". وقال إنه بوصفه خبير في مجال النقل البرى، فإن السرعة والزمن له علاقة بالمال وإنه لا بديل عن النقل البرى فى نقل غالبية البضائع والتي لا يصلح نقلها عبر النقل النهري والبحري خاصة الأقماح والحبوب. وتابع: للأسف إن تدمير الطرق البرية والسريعة يتم بعلم الحكومة التي توافق على زيادة حمولة المقطورات من أجل الحصول على 23 جنيها لكل طن زيادة فى الحمولة، وهي الأموال التي قال إنها تذهب في صورة مكافآت للعاملين بوزارة النقل وتصل جملتها إلى 6 مليارات جنيه، في حين أن هناك طرقا أخرى تابعة للمحليات ووزارة الإسكان تدمر نتيجة زيادة الإهمال ولا تحصل على أي رسوم أو تعويضات. ووصف إن المبالغ التي تحصلها وزارة النقل بأنها "غير دستورية"، مدللاً على ذلك بحصوله على حكم قضائي ضد وزارة النقل بهذا الشأن، وأكد أن مصر تحملت خسائر تقدر بملايين الدولارات دفعتها للسفن فى الموانئ المصرية بعد رفض أصحاب المقطورات تحميل ما عليها. ورأى أن ما تعلنه الحكومة حول حوادث الطرق كلام غير مدروس، وتساءل: أين أهل الخبرة من هذه الأزمة؟، محذرًا من عملية تحويل سيارات المقطورات إلى تريلات، وقال إن هذا التعديل سوف يحدث كوارث وسوف يزيد الطين بلة، مشيرًا إلى أن استيراد التيريلات من الخارج أرخص بكثير من التعديلات التي سوف تقوم بها الشركات المصرية لنحو أكثر من 20 ألف سيارة. فيما حذر النائب محمد عودة من خطورة الوضع فى حال عدم إيجاد حلول علمية مدروسة، وقال إن الإضراب القادم سوف يقضى على الأخضر واليابس وسوف يمس رغيف الخبز، مشيرًاً بأصابع الاتهام إلى الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية بإصدار لوائح مجحفة ضد أصحاب سيارات المقطورات. وقال فى سخرية "لا يجب أن نتعلم فى الشعب المصري" وإن الخاسر الوحيد من هذه الأزمة هو المواطن، وأضاف "إننا أمام حادث جلل ولابد من إعادة الحسابات، خاصة وأن الرجوع للحق فضيلة والقرارات التي أصدرها وزير المالية ليست "قرآنًا" وعلينا أن نحتكم للعقل. من ناحيته، وصف النائب رجب هلال حميدة قرارات وزير المالية بالعشوائية، وتساءل عن الأسباب الحقيقية التي دعت غالي إلى أن يصدر مثل هذه القرارات من مكتبة "الوثير" بتحصيل 25 ألف جنيه فى العام وبأثر رجعي حتى عام 2005 على كل صاحب سيارة مقطورة. وتساءل في سخرية: هل نحن فى جزيرة "الواك واك"، وقال: "يا جماعة فيه برلمان ولسنا في غابة والذي دفع الناس للخروج عن القواعد هو وزير المالية". وأضاف " أنا لا أعلم كيف تدار مصر وهناك مجلس وزراء أصدر قرارا بالموافقة على زيادة الأحمال مقابل الحصول على رسوم مالية بالمخالفة للقانون الذي يمنع زيادة الأوزان"، وتابع: للأسف كلنا شركاء في هذه الجريمة. في المقابل أكد مجدي عباس، صاحب إحدى شركات النقل أنه سيؤيد أي قرار يتخذه البرلمان بهذا الشأن حتى لو طلب وقف العمل بالمقطورات لكنه حذر من المبالغ التي سوف تهدر على عمليات التطوير والإحلال والتي سوف تصل إلى 15 مليار جنيه. وقال: بدلاً من ضياع هذه المليارات علينا إنفاقها فى إصلاح الطرق وتدريب السائقين، وأضاف: للأسف طلبنا من وزير المالية عند لقائنا معه بفتح باب الحوار والنقاش بيننا لكنه لم يستجب للدعوة. من جانبه، أكد محمد أبو العينين رئيس اللجنة "أننا أمام قضية وملف خطير سوف نحتاج إلى أكثر من اجتماع فى حضور عدد من الوزراء المعنيين بهذه القضية حتى يمكن إصدار تقرير وعرض على المجلس، في ضوء تكليفات الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس المجلس وما عرض على المجلس من 38 بيانا عاجلا فى هذا الشأن". وقال أبو العنين إن "التقرير سوف يحمل وجهات النظر المختلفة سواء من أصحاب المقطورات والوزراء والأجهزة التنفيذية لإصدار توصيات مدروسة مبنية على حقائق علمية جيداً وقال ما يهمنا مصلحة الشعب خاصة وأن قضية المقطورات تمثل جزءا من إستراتيجية النقل فى مصر". من ناحيته، أكد المهندس علاء فهمي وزير النقل أهمية تطبيق قانون المرور الصادر عام 2008 بإنهاء السماح بتيسير المقطورات فى 31 أغسطس 2012 حفاظًا على أرواح المواطنين. وقال إن المصانع المصرية قادرة على تحويل المقطورات إلى تريلات خلال هذه المدة طبقًا لتصريحات وزير الصناعة، وأشار إلى أن الرسوم المحصلة من زيادة الأوزان لا تكفى سوى 30% من صيانة الطرق وأن 10% فقط تذهب للمكافئات. وأعلن أن حجم نقل البضائع سنويًا في مصر يصل إلى 570 مليون طن، مرجعًا زيادة الأوزان إلى عدم قدرة أسطول النقل البرى على استيعاب البضائع الزائدة. وقال فهمي إنه جاري تطوير النقل بالسكك الحديدية والنقل النهري لتنقل 5% من البضائع، مشيراً إلى أنه استمع لكافة الآراء حول أزمة المقطورات ووعد بدراستها وبحثها من جانب كل الأطراف. ودافع فهمي عن وزير المالية، قائلاً "وزير المالية يؤدي عملا مشكورا عليه وعمل شغل عنيف ماليًا للخروج بحلول، ولقد اجتهد وأحضر أربع بنوك لمساندة أصحاب المقطورات، ونحن فى وزارة النقل أيضًا نجتهد لتطوير البنية الأساسية وصيانة الطرق ونجحنا فى الوصول إلى إنشاء 2500 كيلو متر ما بين طرق جديدة وازدواج طرق أخرى وسوف تصل إلى 3 ألاف كيلو متر".