ألمح موردخاي قيدار، الباحث بمركز "بيجن- السادات للأبحاث الاستراتيجية" بجامعة "بار ايلان" إلى وجود صلة بين جماعة "الإخوان المسلمين" بعد خسارتها الانتخابات البرلمانية وحادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، الذي أودى بحياة 23 شخصًا وإصابة أكثر من 90 آخرين في مطلع العام الجديد. فعلى الرغم من مسارعة الجماعة على لسان قياداتها في الكثير من التصريحات إلى إدانة التفجير، إلا أن قيدار دفع في اتجاه محاولة تحميل "الإخوان" المسئولية عنه، زاعما أن "الإخوان" وبعد فشلهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة قرروا اللجوء إلى العنف ردًا على التزوير الذي مورس ضدهم، وسعيًا إلى إحباط سيناريو "توريت السلطة". ولم يكتف بذلك بل أنه ربط بين "الإخوان" وحملة التنديد باحتجاز سيدتين قبطيتين اعتنقتا الإسلام وتحتجزهما الكنيسة – في إشارة إلى وفاء قسطينطين وكاميليا شحاتة- وقال إنهم يعترضون على بناء الكنائس والمدارس والمؤسسات الشعبية المسيحية، على الرغم من عدم حظر القانون المصري لهذا الأمر. وحذر في التقرير الذي نشره موقع "نيوز وان" الإخباري الإسرائيلي من تداعيات وصول جماعة "الإخوان" إلى الحكم في حال إجراء انتخابات نزيهة على العلاقات مع إسرائيل، حيث توقع أن تبادر إلى قطع العلاقات معها، وإلغاء اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين في عام 1979. وجاء في نص التقرير: مذابح ..مجازر مصرية مدينة الاسكندرية هي ميناء قديم تم إنشاؤه على يد الإسكندر الأكبر ملك اليونان منذ حوالي 2344 عام وقام ابنه بتحويلها إلى عاصمة لمصر، استوطن فيها اليهود خلال فترة الهيكل الثاني وتميزت طائفتهم هناك بضخامة حجمها وثرائها وتقدمها، كان يدير تلك الطائفة مجلس من الشيوخ يضم 71 رجلا مثل مجلس السنهدرين في القدس، وكان بها مؤسسات يهودية تم ذكرها في كتب المشنا والتلمود اليهودية. في الإسكندرية تم ترجمة العهد القديم كتاب اليهود المقدس إلى اليونانية فيما يعرف باسم الترجمة السبعينية، وحتى سنوات قليلة كان في الإسكندرية طائفتان يهوديتان، شرقية وغربية. منذ تأسيسها كانت الاسكندرية كأي ميناء آخر في العالم مدينة تجمع بداخلها كل الثقافات، نظرا لأنها كانت تستقبل على مينائها سفن من دول متعددة، وهي السفن التي كانت مليئة بالتجار والملاحين بلغاتهم وعقائدهم المختلفة، وعلى هذا كان لطابع الإسكندرية الاجتماعي شكلا متعدد الألوان يضم في ثناياه جماعات دينية وقومية كثيرة عاشت جنبا إلى جنب في سلام ووئام وهدوء. البيئة المريحة وتوفر سبل العيش والرزق خلق في المدينة حالة من الهدوء والتسامح أدت بدورها لازدهار النشاط الاقتصادي وتحقيق الرفاهية لجميع سكان المدينة، وبسبب الهدوء الاجتماعي تركزت في الاسكندرية على مدى مئات السنين الأخيرة مجموعة كبيرة من المصريين المسيحيين المعروفين باسم "الأقباط" وهي الكلمة التي جاءت من الاسم اليوناني لمصر "ايجيبت". الأقباط يرون انفسهم أبناء مصر الأصليين وينظرون إلى المسلمين على أنهم أغراب وأجانب قاموا باحتلال مصر بغزوهم الإسلامي للبلاد في القرن السابع الميلادي وقاموا بفرض ديانتهم على غالبية المواطنين المصريين، الأقباط ظلوا مخلصين ومتمسكين بعقيدتهم المسيحية ولم يخضعوا لإكراه المسلمين لهم وتشجيع "ثقافة الصحراء" تلك التي غزت بلادهم، خلال سنوات النضال الوطني المصري للتحرر من الاحتلال البريطاني شارك الاقباط بنصيبهم في هذا النضال واثبتوا ولائهم للوطن جنبا الى جنب مع المسلمين ضد الاحتلال البريطاني، بالرغم من أن البريطانيين كانوا أنفسهم مسيحيين. بالرغم من ذلك، فإنه خلال السنوات العشرين الأخيرة خلع المصريون شعارات القومية وبدأ يتقربون من الإسلام، وذلك لعدة أسباب منها انهزام القومية العربية التي رفع لواءها ورايتها الرئيس المصري جمال عبد الناصر والتي تلقت ضربة موجعة في حرب 1967 وهو ما جعل فكرة القومية تخسر شعبيتها وسط العالم العربي، حكام العرب الطغاة استخدموا ومازالوا يستخدمون شعارات القومية كورقة توت لإخفاء حقيقة قمعهم لحقوق الإنسان في أوطانهم وسلب الحريات السلبية في بلادهم، وتكميم الأفواه وملاحقة المعارضين لهم وبهذا الحقت الديكتاتوريات العربية سمعة سيئة للقومية العربية. اهتمام أجهزة الأمن العربية بالحفاظ على الأمن القومي أدى الى غضب قطاعات واسعة من السكان في العالم العربي والتي لم تكن جزءا من السلطة الفاسدة، في مصر الوضع خطير جدا بسبب الفقر المتزايد والاهمال الجسيم في كل مجالات الحياة وخاصة في مناطق العشوائيات وهي الأحياء الفقيرة معدومة الخدمات كالمياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات والتعليم والخدمات الاجتماعية والتي يسكن فيها نصف ال 85 مليون مصري في فقر مدقع وبؤس متزايد. أكثر المنظمات تحظى بالشعبية في مصر هي جماعة "الإخوان الملسمين" التي تعبر عن غضب الشعب المصري ضد فساد النظام، كثير من المصريين يتفقون على أنه إذا جرت انتخابات حرة ونزيهة سيفوز "الإخوان" بالغالبية في تلك الانتخابات، غالبية المصريين تنحاز للإخوان سواء بسبب ايديولوجيتهم الأصولية الدينية الطامحة في فرض الشريعة الإسلامية بالبلاد، أو احتجاجا واعتراضا على فساد النظام، لكن في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم ينجح "الإخوان" سوى بالفوز بمقعد واحد فقط من بين 454 مقعدًا بالبرلمان، ومن له عينان سيعرف بالطبع أن الحديث يدور عن عملية تزوير بناء على أوامر وتعليمات النظام الحاكم بالقاهرة. منذ إعلان نتائج الانتخابات رأى الكثيرون أن منع "الإخوان المسلمين" من العمل كمعارضة في الحلبة السياسية الشرعية سيدفعهم مضطرين إلى الخروج عن حلبة الشرعية بدءا من القيام بمظاهرات في الشوارع على أفضل الفروض إلى القيام بأعمال عنف على أسوأ الفروض. سبب إضافي يدفع "الإخوان" للعمل ضد الدولة المصرية هو الانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا العام، وهناك احتمال بوصول جمال مبارك نجل الرئيس للحكم مما يعني عند المصريين أن كل شيء مستمر كما هو، وأن البلاد ستظل تتأوه من نير رؤساء غير منتخبين سيطروا عليها في يوليو 1952، كجزء من مجموعة "الضباط الأحرار" والذين حكموا مصر خلال ال 58 عاما الاخيرة، بدءا بالرئيس محمد نجيب وعبد الناصر فالسادات ومبارك والذي يكمل في أكتوبر المقبل 30 عاما على جلوسه على كرسي الرئاسة المبطن بالفساد الاقتصادي والاداري. جمال مبارك صغير نسبيا في بداية الاربعنيات من عمره وإذا وصل للحكم فسيظل رئيسا على مصر لأربعين عاما، بالنسبة للمصريين يعد هذا الأمر كارثة خاصة ان الفساد سيستمر في الدولة ويزداد معه الإهمال والفقر، الإخوان يشعرون أن هذا هو الوقت المناسب ليقوموا بفعل شيئا ما، وإزاء تلك المرحلة التي تعد نهاية فترة حكم مبارك ينوي "الإخوان المسلمون" الاعتراض وبكل قوة على توريثه السلطة لابنه والتعامل مع مصر على أنها ملكية شخصية لعائلة الرئيس. النظام المصري يعلم جيدا نية "الإخوان"، وقوات الأمن التابعة له من شرطة ومباحث أمن دولة ومخابرات جاهزة ومستعدة لمواجهة ما قد يحدث في الشارع المصري من أعمال شغب وهو الأمر الذي لا يشك شخص واحد في انه سيحدث لكن السؤال الآن هو متى سيحدث هذا ، كل وحدة أمنية تعلم جيدا القطاع المكلفة بالعمل به سواء مدينة أو حي أو شارع وبصدور التعليمات والأوامر ستتنتشر الوحدة الأمنية لفرض النظام والقانون. السؤال الذي لا يعرف أحد إجابته هو هل سيتم إطلاق النار على الجماهير أم أن الضباط والجنود غير القادرين على القتل بدماء باردة سيشعرون أن إخوانهم متعطشون للحرية والحصول على حقوقهم، علينا أن نضع في الحسبان افتراضية اخرى وهي إذا ما انتصر الشارع المصري على النظام الحاكم هل سيضطر الأمن إلى استبدال ولائه لعائلة مبارك بولاء للمجموعة المسيطرة على الدولة. التخلي عن الأقباط كلما ازداد الاتجاه الديني وسط الجماهير المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة كلما تفاقمت الاحتجاجات بين الغالبية المسلمة المتطرفة وبين الأقباط المنتشرين بكل أرجاء البلاد، وذلك لعدة أسباب أولها أن الاقباط مسيحيون والإسلام يرى في المسيحي كما اليهودي "شخصًا تحت الوصاية" أي مواطنًا من الدرجة الثانية، وهذا المواطن يعيش تحت وصاية وحماية الإسلام وشروط تم تحديدها في بداية أيام الإسلام من بينها دفع الجزية، هناك سبب آخر وهو أن الاقباط يحظون بشكل عام بحماية السلطات المصرية ودفاعها عنهم ضد غضب "الإخوان المسلمين"، كما أن تعاون النظام الحاكم مع الأقباط لا يكسبهم التعاطف، سبب إضافي وهو الوقائع والأحداث التي تجري بين الحين والآخر بين الاقباط وبين المعارضين لهم في القضايا الخاصة بتغيير الديانة، فوفقا للعقيدة الإسلامية مسموح للمسيحي او اليهودي اعتناق الإسلام لكن المسلم حتى إن كان اصله مسيحيا أو يهوديا غير مسموح له بالتخلي عن ديانته وإلا كان مصيره واحد هو الموت. "الإخوان المسلمين" يعتقدون منذ فترة أن الاقباط اختطفوا سيدتين قبطيتين اعتنقتا الإسلام وقاموا بحبسهما في بدروم بأحد الأديرة ويحاولون الآن اقناعهما بالعودة للمسيحية، كذلك يعترض "الاخوان" على بناء الكنائس والمدارس والمؤسسات الشعبية المسيحية برغم عدم حظر القانون المصري لهذا الأمر. منذ عدة شهور وقعت حادثة إطلاق نار بمدينة نجع حمادي بالجنوب المصري أطلق فيها أحد المصريين المسلمين الرصاص على مجموعة من الاقباط كانوا خارجين لتوهم من إحدى الكنائس وأسفر الأمر عن مقتل سبعة منهم بدماء باردة، وقتها اهتزت مصر، وأدان الكثيرون ما حدث، لكن النظام الحاكم ما زال حتى الآن لم يقدم القاتل للمحاكمة، ولأنه يعلم ان "الإخوان" يعارضون محاكمة مرتكب الحادث بينما ترى الشريعة الإسلامية أن المسلم قاتل المسيحي غير مضطر للمثول امام القضاء. هذه الواقعة تنضم لعدد لا نهائي من وقائع التعرض للأقباط ونسائهم وبناتهم وبيوتهم ومحلاتهم وكل ما يخصهم، هذه الملاحقات اليومية دفعت كثيرا من اللأقباط للهروب خارج البلاد، اليوم يعيش الملايين منهم في المنفى والعديد من الدول الأخرى، ليلة السبت الماضي خرج مئات الأقباط من إحدى الكنائس الواقعة بوسط الإسكندرية وعندما تجموا في الشارع انفجرت في وسطهم سيارة مفخخة مما أسفر عن مقتل واصابة العشرات، على الفور قرر جميع المراقبين أن تنظيم "القاعدة" هو منفذ العملية وما قاله الرئيس مبارك في خطاب شعبي بعد التفجير كان واضحا عندما اتهم عناصر إرهابية جاءت من خارج البلد بالوقوف وراء الحادث. لكن مع الاعتذار للرئيس مبارك وما قاله، فإن الحديث يدور عن تدخل عناصر محلية في الحادث حتى إذا كان الحديث يدور عن مسئولية "الجهاد" و"القاعدة" واختراقهما لمصر فحادث بهذا الحجم يتطلب مواطنًا محليًا يعرف مكان العملية ويقوم بجمع المعلومات دون إثارة الانتباه ويقوم بشراء السيارة ويجمع العبوة الناسفة ويمهد الطريق امام تنفيذ العملية ويرسل منفذها إلى طريقه الأخير، لابد أن تتم كل الخطوات السابقة على يد عناصر محلية مصرية، فالأجانب يجذبون إليهم الأنظار ويلفتون الانتباه، وفي دولة مخبرين مثل مصر لا توجد طريقة لتنفيذ عمل إرهابي من هذا النوع الضخم إلا بتدخل عناصر محلية. الأقباط غاضبون من النظام المصري فقد فشل من وجهة نظرهم في تأمين حياتهم وتركهم عرضة للإرهاب الداخلي والخارجي، على مدار الأسبوع خرج الأقباط في كل ارجاء مصر للتظاهر احتجاجا على المذبحة التي تعرضوا لها وتوجيه انتباه العالم للاضطهاد الذي يعانون منه ويتزايد أكثر فأكثر، رؤساء دول وحكومات أعربوا عن قلقهم البليغ والعميق إزاء وضع الأقباط كان من أبرزهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالاضافة لبابا الفاتيكان، النظام المصري لا يحب تلك الانتقادات ويعبتر هذا تدخلا في شئون مصر الدخلية. تفجير الإسكندرية هو الأول من نوعه على أرض مصر، ويتفق كثير من المراقبين أن هناك احتمالية في أن تهوى مصر الى وضع متدهور كما هو الحال في العراق، الأيام الأخيرة شهدت تحدث الكثيرين عما أسموه "خطر عرقنة مصر" أي تحولها إلى عراق جديد. على إسرائيل أن تصغى وبكل انتباه إلى ما يحدث في جارتنا الجنوبية فأي تطورات هناك من شأنها التأثير على اتفاقية السلام بين تل أبيب والقاهرة، لأنه لو وصل "الإخوان المسلمون" إلى الحكم فسيقومون بقطع العلاقات مع اسرائيل.