من أبرز القضايا التي هيْمنت على الساحة اليمنية عام 2010 والتي ستبقى آثارها وتداعِياتها على مستقبل البلاد، هو فشل الحوار بين السلطة والمعارضة بشأن الإصلاحات الإنتخابية وتطورات ملف تنظيم القاعدة وبوادر تسوِية السلام المترنِّحة مع الحوثيين واستمرار احتجاجات الحِراك الجنوبي. فقد احتلَّت قضية الحوار بين السلطة والمعارضة بشأن الإصلاحات السياسية والتهيِئة للانتخابات التشريعية المُقبلة، صدارة القضايا خلال عام 2010 وعاد التوصل إلى اتِّفاق بين السلطة والمعارضة على أجندة الحِوار في يوليو الماضي، بداية لانفراج الأزمة بين طرفيْ اللُّعبة السياسية، وبذلت منذ ذلك الحين العديد من الجهود والمبادرات من أجْل التوافق المبدَئي على صيغة مُرضية، لتقنين الانتخابات وإدارتها، بيْد أنها كانت تتعثَّر كلما نوقشت البنود التفصيلية. مفاجأة العام! غير أن المفاجأة كانت إعلان الحزب الحاكم "المؤتمر الشعبي العام"، المُضي إلى الانتخابات مُنفردا. ويقول رئيس المنتدى السياسي الأستاذ علي سيف حسن في حديث ل swissinfo.ch في تقييمه لمسار ذلك الحوار، الذي شغل الحياة السياسية ولماذا انتهى إلى قطيعة؟ "أدْمَنت المنظومة السياسية اليمنية حالة الهُروب إلى ما تسميه بالحوار بين إطرافها. وفي الواقع، ما شهدناه خلال الأربع سنوات الماضية، وبالتحديد من بعد الإنتخابات الرئاسية عام 2006، هو أقرب إلى الجدل والمُماحكة مع شيء من المفاوضات والمساومات، ظلّ خلالها كلّ طرف يُمارس الضغط على الآخر ويحاول تلْيينه، من خلال التلويح ببدائل أخرى، هو ذاته ليس جادّا ولا صادِقا بالذهاب إليها". ويوضِّح رئيس المنتدى السياسي ذلك بقوله "المؤتمر الشعبي العام ظلّ يُلوِّح بورقة الانتخابات في مواعيدها، ليس عن قناعة بها، ولكن للضغط على أحزاب اللقاء المشترك. وفي المقابل، ظلت أحزاب اللقاء المُشترك تلوِّح بالذهاب إلى حوار وطني عام، ليس عن قناعة واستعداد لتقديم متطلَّبات حوار بهذا المستوى، ولكن فقط من أجل الضغط على المؤتمر الشعبي العام.. ومع قُرب نهاية الفسحة المتاحة للتفاوض، وليس للحوار، وعلى عجل من أمْرهم، وقَّعوا اتفاق 17 يوليو 2010". وهذا الإتفاق، حسب سيف، كشف أنه لم يكن إلا مُحصِّلة لسلسلة من المفاوضات السرية بين القيادات الأكثر تأثيرا لدى الطرفيْن، التي كانت توصَّلت إلى تسوية غيْر مُعلنة بين قُطبَي رحى العملية السياسية، الأمر الذي نبَّه المكوِّنات الأخرى في الطرفيْن، إلى خطورة ما يجري وراء الكواليس ودفعها لشحذ كل ما لديها من إمكانات لنزع الغطاء السياسي العَلني (اتفاق 17 يوليو) عن التسوية المبدئِية غيْر المعلنة، وعاد الطرفان إلى نفس الموقِع الذي كانا فيه قبْل توقيع اتفاق فبراير 2009. توجّه انفرادي وحول المُعطيات التي حملت المؤتمر الشعبي على التوجّه إلى الانتخابات منفرِدا، وآثار ذلك مستقبلا، يرى سيف أن تلك المعطيات لم تتَّضح بعدُ، بيْد أنها وضعت الجميع أمام التعامُل مع النتائج المترتِّبة على هذه الخطوة. لقد وضع المؤتمر الشعبي العام نفسَه ووضع أحزاب اللِّقاء المشترك، أمام خِيارات هامة وصعْبة جدا، وربما أكثر صعوبة بكثير مما يَعتقِد أو يَعيه كل طرف، موضِّحا ذلك: بأنه "لم يعُد أمام المؤتمر الشعبي مِن خيار، سوى أن يثبت لذاته وللآخرين بأنه فِعلا يمتلك الإرادة السياسية الجَسورة وأنه يمتلك الأدوات والوسائل الكُفْأة والفاعِلة، لإنجاز انتخابات بمُستوى مقبول". لكن سيف يستدرِك معتقدا: أن "أدوات المؤتمر الشعبي تتمتَّع بالكفاءة والفاعِلية اللازمة. والأكثر من ذلك، فأنا أشك بمدى توفّر الإرادة والجسارة السياسية المقتدرة على تبنِّي حِزمة إصلاحات دستورية (تمثل أقصى ما كان يُمكن أن يقدِّمه المؤتمر في أي حِوار مع اللقاء المشترك)، بالرغم من أنه يمتلِك الأغلبية البرلمانية التي تمكِّنه من إقرار تلك الإصلاحات الدستورية والاستفتاء عليها بالتَّزامن مع الانتخابات البرلمانية. حصاد اليمنيين إضافة إلى ذلك، يرى سيف أن المعارضة ممثلة ب "اللقاء المشترك" وعلى ضوء هذا التطوّر، وجدت نفسها أمام خِيار أكثر أهمية وأكثر صعوبة، لأن قرار المؤتمر الشعبي، على حدّ تعبيره، قضى على إستراتيجية التسلّل الآمن الذي حاولت بعض قيادات اللقاء المشترك تبنِّيه خلال السنوات الماضية ولم يعُد لديها بديل من أن تسير في طريق المعارضة الجسورة، لاسيما أن أدوات المشترك ليست في أفضل حال من أدوات المؤتمر الشعبي العام، ولذلك فالمعارضة بحاجة إلى قضية أكبر بكثير من الترتيبات التنظيمية لتفعيل "كفاءة وفاعلية" أدواتهم، وإنجاز الحوار الوطني العام الجادّ والصادق، هو الرافعة التي يحتاجها اللقاء المشترك، على أن يكون جاداً وصادقاً ويبني مواقِفه على مُعطيات وحقائق الواقع، أكثر من اعتماده على حُسن النوايا أو الخفة السياسية، ومطلوب منهم حسْم، وبصورة واضحة وقاطعة، الموقف من التعدّدية المذهبية في اليمن وحدود تأثيرها والحسم الواضح والصريح لمفهومهم لطبيعة الدولة اللامركزية، لأن قرار المؤتمر الشعبي العام أجهز على ما يسميه سيف بأساليب التواري وراء العموميات والحِيل اللغوية، مؤكِّدا على أنه قد آن أوان تسمية الأشياء بمسمياتها. وخلص سيف في هذا الإطار، إلى أن محصِّلة العام الجاري والذي سيَلِيه، ليست إلا حصادا لكل ما زرعه اليمَنيون خلال السنوات الماضية وأن حصافة وصوابية خيارات الطرفين، ستحدد طبيعته. 2010.. عام القاعدة في اليمن؟ وبخصوص مشكلة تنظيم القاعدة الذي شغل اليمن والعالم خلال عام 2010، يرى الباحث والمحلل السياسي محمد سيف حيدر أن تطوّرات هذا الملف اتّخذت مساريْن. الأول، برز في تطوّرات محلية غير مسبوقة، مثل تنفيذه لعمليات اغتيال منظمة ومنسَّقة في مناطق مختلفة من البلاد واستهدف دوريات ونقاط تفتيش واحتلال مُدن لعدة أيام واشتباكه مع القوات الحكومية وإعلانه، ولأول مرة، عن قائمة من 55 شخصا توعدهم بالتصفية، وهذا عكس المعادلة التي كانت تُطالب فيها السلطة برؤوس عناصر تنظيم القاعدة. أما المسار الثاني، فهو خارجي، يرجع وِفق ما يُشير إليه حيدر: إلى نهاية عام 2009 بمحاولة تفجير طائرة "ديترويت" وتداعياتها، ثم انضواء المتَّهم أنور العولقي، بأنه العقل المدبّر للعملية بشكل رسمي مع القاعدة وإصداره مجلة "إنسبير"، التي تُخاطب غيْر الناطقين باللغة العربية، كمحاولة تجنيدهم في أوطانهم، للقيام بعمليات ضدّ الأمريكيين، الملح الآخر قضية الطرود المفخخة. وفي تعليقه على تلك التطورات للقاعدة، يعتقد حيدر: أن عام 2010، بقدْر ما كان عام القاعدة في اليمن، إلا أنه كشف إلى حدٍّ بعيد التخبُّط وغِياب الإستراتيجية لهذه الجماعة، مذكِّرا في هذا الإطار بالتهديدات التي أطلقتها ولم يستطع القيام بها، مثل تهديداته ضدّ خليجي عشرين والدعوة إلى تشكيل جيش أبين عدن، التي أطلقها أبو هريرة الصنعاني، والتهديد بضرب باب المندب، وكلها لم يُنفّذ منها شيء حتى على المستوى الدولي. ويرى حيدر أن عمليات تنظيم القاعدة فاشلة، معتبرا أنها تعطي مؤشرا على أن تكتيكات هذه الجماعة تحوّلت إلى تكتيكات "مافياوية" تفتقِد لأي إستراتيجية، ويدلّ على ضعف قدُرات وانحِسار زخم القاعدة السابق، وهو ما يُلقي بظلال من الشكّ بأنه بات مُخترقا، وِفق ما يذهب إليه حيدر. ونجاح الحكومة اليمنية في القضاء على هذه الجماعة في الأمد القريب والعاجل، يبقى حسب حيدر، مرتبطا إلى حدٍّ بعيد بمدى نجاحاتها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، وبلورة مشاركة عملية في محاربة القاعدة، خاصة من قِبل الدول الإقليمية المجاورة، كالسعودية، التي ما زالت المصدر الرئيسي للخطاب والأيدلوجية ومصدر التمويل، كما كشفت عن ذلك وثائق "ويكيليكس". اليمن وتسريبات ويكيليكس من جهته، يربط رئيس منتدى التنمية السياسية علي سيف حسن سيف، بين التعاطي الجاد مع التحديات الأخرى التي تواجِه اليمن، وبين حسْم مواجهته مع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، الذي اتَّخذ من اليمن مقرا له، على أن ذلك يتوقّف تحقيقه، حسب رأيه على الفهم للطبيعية الإقليمية للقاعدة في الجزيرة العربية الذي يتجاوز حدود دول المنطقة، ورسم إستراتيجية واضحة، مُشيرا في هذا الصدد إلى ما حملته تسريبات "ويكيلييس" وملابسات الطرود المفخَّخة وتصريحات القيادات الإستخباراتية، السابقة والحالية في المملكة العربية السعودية، من خطورة الثَّغرة التي تعيق وتحُدّ من قدرات الأجهزة والجهات الموكل إليها مهمّة مواجهة قاعدة الجزيرة العربية، والتي بدا أنها محاطة بأقصى درجات الشكّ والريبة والتعارض والتناقض. ويرى سيف أن وضعا من هذا القبيل للعلاقة بين الأجهزة الاستخباراتية في المنطقة بشكل عام، وفي اليمن والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، قد يمثل "مصدر قوة واستمرارية تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية"، على حد تعبيره. ملف الحوثيين وفيما يتعلق بقضية المتمرّدين الحوثيين وتحقيق السلام بعد ستة حروب، ما زال معلقا على الخطوات العملية التي تُشرف عليها "الدوحة" والتي تتراوح بين الوثوب والتعثر. فتسليم المواقع وإطلاق الأسرى وانسحاب الجيش إلى ثكناته وبدء إعمار ما دمّرته الحرب، كلها أمور لم تسِر بالوتيرة التي تقترِب من عودة السلام لمناطق الحرب، بل الأخطر من ذلك، تجدد المواجهات بين المتمرِّدين والسكان مؤخرا، التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى من الجانبيْن، وهذا بحدِّ ذاته يُبقي النزاعات مفتوحة على كل الاحتمالات، لاسيما إذا ما أخِذ في الاعتبار الطبيعة القبلية المعقَّدة للتركيبة السكانية في المناطق التي تدور فيها الاحتكاكات بين المتمرِّدين والسكان، والتي ستثيرها الذِّكريات المثخنة بجِراح ودماء الحروب الستة منذ اندلاع المواجهات عام 2004، كما أن التطوّر الحاصل على مستوى الحِوار بين السلطة والمعارضة، سينسحب حتْما على السلام، وقد لاحت أولى مؤشِّراته في أولى ردود فِعل المعارضة على التهيِئة المنفرِدة للانتخابات من قِبل المؤتمر، والتَّلويح ببدء الحوار مع الحوثيين. أما الحِراك الجنوبي الذي هيْمن على البلاد منذ مطلَع العام، فقد خفَتَ قليلا، لاسيما مع تنظيم اليمن لدورة "خليجي عشرين" في شهر نوفمبر الماضي، والذي نتج عنه تشديد الإجراءات الأمنية والعسكرية في المحافظات الجنوبية، لاسيما منها التي ينشط فيها الحراك، فضلا عن أن مكوِّناته بدأت تعاني من الصِّراعات والخلافات التي برزت مؤخرا داخله، لكن ذلك لا يعني أن هذا الملف قد حُسِم نهائيا، وإنما من المُحتمل أن يتجدّد حضوره بقوة، لاسيما بعد التطورات الأخيرة في مسار الحوار بين السلطة والمعارضة. إجمالا، يبدو أن مُجمل القضايا الملتهِبة في البلاد، ستتأثَّر إلى حدٍّ بعيد بالتطور الذي طرأ على مسار الحوار بين السلطة والمعارضة حول الإصلاحات الانتخابية وبدّد أمال التوافُق السياسي المُنتظرة، الذي انسحب عن كافة الأوضاع في البلاد. المصدر: سويس انفو