تؤكِّد الكثير من الوقائع أن أمريكا وحلفاءها في أفغانستان فشلوا، ولا يجنون سوى الويلات, ولم يعيدهم ذلك إلى رشدهم بل أصروا على أن يكونوا أضحوكة العالم وألعوبةً في يد حركة طالبان بعد أن تعرَّضوا مؤخرًا لخدعة قام بها مواطن أفغاني بسيط زعم أنه أحد قادة طالبان. فبالرغم من إنفاق الولاياتالمتحدة مليارات الدولارات على أنشطة الاستخبارات في أفغانستان, فإنها فشلت في كشف أفغاني مغمور ادَّعى كذبًا أنه عضو بارز في حركة طالبان. ما قام به هذا الأفغاني البسيط هو أحد "فصول المسرحية الهزليَّة الأفغانيَّة", حسب وصف "نيويورك تايمز", ظهر خلالها قادة حلف الناتو والمسئولون الأفغان وهم يتفاوضون منذ أشهر مع شخص مخادع يتظاهر بأنه أحد قادة طالبان، خرج بعدها الجنرال "ديفيد بترايوس" مؤكدًا للصحفيين بأن هناك مبادرات واعدة للرئيس حامد كرزاي مع حركة طالبان لإنهاء حالة الحرب. وأوضحت "نيويورك تايمز", أن القوَّات البريطانيَّة أمضت عامًا كاملًا في تدريب وتنمية مهارات هذا المخادع حتى يصبح مصدرًا للمعلومات, وعلى الرغم من تشكُّك وكالة الاستخبارات في هذا العضو الوهمي, وضعت الكثير من الإمكانيَّات تحت تصرفه, ودفعت له مبلغًا ضخمًا من الأموال. وقد ظلت المحادثات السريَّة جاريةً بين حركة طالبان وقادة الأفغان وحلف الناتو بصورة بدت واعدة, فقط بسب انضمام أحد أبرز قادة حركة طالبان, الملا أختر محمد منصور, إلى طاولة المفاوضات. أما وقد تبيَّن زيف الرجل، وأعلن المسئولون الأمريكيون والأفغان أن هذا الرجل مخادع ولم يكن قائدًا في حركة طالبان، فقد عادت المحادثات إلى ما قبل المربع صفر. ولدهشته قال أحد الدبلوماسيين الغربيين المشاركين في المحادثات مع (أعظم مخادع أفغاني) - على حد وصف نيويورك تايمز: "لم يكن هو, لقد خدعنا وحصل على أموال طائلة", وأشار مسئولو حلف الناتو أنهم عقدوا ثلاثة اجتماعات مع الرجل الذي جاء من باكستان، حيث يلجأ قادة طالبان, والذي زعم أن الملا عمر أرسله للاتفاق مع الحكومة الأفغانيَّة على شروط السلام, ومن ثم تَمَّ تقديم كل التسهيلات لإبرام صفقة معه، أما ما دفع الحكومة الأفغانيَّة وحلف الناتو للاشتباه في الرجل فكان قبوله الحصول على الأموال؛ فهم يعرفون جيدًا أن حركة طالبان تحارب بدافع الإيمان والحماس من أجل الوطن وليس المال, وأن مثل هذه المحادثات السريَّة تبدأ غالبًا بإظهار حسن النية من الجانبين بوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى، وهذا ما لم يحدث. وفي الجولة الأخيرة من المحادثات بدت الحيرة على الرجل, وهذا ما جعل المسئولون ينقسمون إلى فريقين, حيث قال بعضهم إن الرجل يقوم بعمليَّة احتيال ونصب لحسابه الخاص, فيما أكد البعض الآخر أنه من حركة طالبان, مما دفع أحد كبار المسئولين الأفغان إلى الاعتراف في النهاية بأن "حركة طالبان أذكى من الأمريكان والاستخبارات الأفغانيَّة الخاصة". وفي رسالة مقتضبة, أرسل الملا عمر، زعيم طالبان نفيًا لما يتردد من وجود أي مفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانيَّة واصفًا هذه المعلومات بأنها "شائعات كاذبة", قائلا: "يحاول العدو الماكر الذي احتلَّ بلادنا, أن يذرّ الرماد في عيون الشعب من خلال نشر الشائعات حول وجود مفاوضات للسلام بينه وبين حركة طالبان، وهذا لم يحدث". وبرغم هذه الشكوك والشبهات الدائرة حول هذا الرجل, فلم يستطع أي من المسئولين الأمريكيين أو الأفغانيين أن يواجه الملا منصور الوهمي بشكوكهم, بل إن بعض القادة الأفغان ما زالوا ينتظرون ويأملون أن يكون هو "منصور" الحقيقي، أو على الأقل شخص يمثله, وأنه سوف يعود قريبًا, حيث قال أحد القادة الأفغان, رفض الإفصاح عن اسمه: "أثيرت كثير من التساؤلات حوله, لكن ما زال هناك احتمال أن يكون هو". وبذلك استطاع هذا الأفغاني أن يخدع أقوى جهاز للمخابرات في العالم، ويؤكِّد أن أمريكا وحلفاءها في أفغانستان، ما زالوا يتخبطون بعد مضيّ تسع سنوات وليست لديهم صور حتى لقادة أعدائهم، ولا يملكون القدرة على تحديد هويتهم، وهي دلالة أخرى على أن أمريكا تنفق مليارات الدولارات على حروب تقاتل فيها بغير دراية. المصدر: الاسلام اليوم