بعد ثلاث سنواتٍ وثلاثة أشهرٍ من احتلال العراق، فاجَأ رئيسُ أعظم دولةٍ على وجه الأرض (بوش الصغير).. فاجَأ العالَمَ بزيارته (المظفَّرة) غير المُعلَن عنها إلى بغداد.. بغداد التي احتلّها جيشه الأميركي وما يزال يستعرض قوّته وعضلاته في شوارعها ومزارعها وبساتينها.. بغداد هذه، يدخلها الرئيس متخفّياً، يتلفّت حوله، وينسلّ من طائرته المموَّهة إلى ما يُسمى بالمنطقة الخضراء، وهي البقعة العراقية الوحيدة التي يمكن للسفير الأميركي وأعضاء حكومة الاحتلال، أن يخلدوا فيها للنوم بعض الوقت يومياً، دونما كثافةٍ من الانفجارات والقذائف المتساقطة والصواريخ المزلزِلة، التي تُطلِقها المقاومة العراقية على قوات الاحتلال أينما وُجِدَت!.. العراق الذي دمّره (بوش الصغير) فوق رؤوس العراقيين، لتحقيق الأمن والأمان لهم، فضلاً عن فَرْضِ ما يسمى بالديمقراطية الأميركية، وصناعة الحرية، واحترام حقوق الإنسان.. هذا العراق، يُعلَن من منطقته الخضراء عن زيارة الرئيس بعد انتهائها، وهي بطبيعة الحال لم تستمر، حسب المصادر الرسمية، سوى خمس ساعاتٍ بطولها وعرضها وارتفاعها!.. كان الرئيس الأميركي يتحدّث من قلعة سفارته المحصَّنة، عن إنجازاته العظيمة في العراق، مع أنّ أصوات الانفجارات على مقربةٍ منه كانت تصمّ آذانه، لتؤكّد له حقيقة الأنموذج العراقي المثالي الذي صنعه، عينةً للمنطقة بأسرها.. هذا الأنموذج الفريد الذي أجبر الرئيس الأميركي، على إتقان فنون الانسلال والتخفّي والسير على رؤوس أصابع الأقدام، ضمن منطقةٍ معزولةٍ مُحَصَّنة، لا تتجاوز مساحتها بضعة أميالٍ مربّعة!.. ربما حَلُمَ بوش في يومٍ من الأيام، بأن يدخلَ بغدادَ على رأس موكبٍ احتفاليٍ ضخم، ليتصدّر مهرجانات النصر على شعبٍ أعزل.. لكن ما كل ما يتمناه بوش يُدركُهُ، ولن يُدركَه.. فَتَسلّله الخاطف الأخير متخفّياً إلى قلعة السفارة الأميركية.. في المنطقة الخضراء الحصينة.. في العاصمة بغداد، بعد تسعةٍ وثلاثين شهراً من احتلال العراق، وبحراسة آلاف الجنود المحتلّين، وآلاف جنود حكومة الاحتلال.. تَسلّله هذا، خير دليلٍ على ما نقول!.. بوش أراد أن يجعلَ من مقتل (الزرقاوي) عِيداً احتفالياً، وأن يوهمَ شعبَه بأنه حقَّق نصراً عظيماً في العراق، ليغطّي على هزائمه المنكَرَة اليومية في كل شارعٍ وزاويةٍ وساحةٍ وبستانٍ من بلاد الرافدين.. لكنّ زيارته بغداد على طريقة لصوص الليل، قد أثبت للناس أجمعين عكس ما يرمي إليه هذا الرئيس العبقريّ، الفذّ في ممارسة الغباء وسوء التصرّف!.. زيارة بوش الاستعراضية البائسة الأخيرة انسلالاً على رؤوس الأصابع، أثبتت أنّ المقاومة العراقية قد ألحقت بالقوة الأعظم في العالَم عاراً لن يُمحى من ذاكرة الأميركيين، لأنه عار الهزيمة المنكَرَة التي يحاول رئيسهم أن يصوّرها لهم نصراً مؤزَّراً، وكأنّ تاريخ شعبٍ شامخٍ عظيمٍ على مرّ التاريخ، يمكن اختزاله بشخصٍ قابلٍ للقتل كالزرقاوي، مع يقيننا بأنّ أميركة البارعة في صناعة أعدائها، ستعاني في المراحل القادمة من ولادة أكثر من زرقاوي!.. لن يكون رئيس أميركة منتصِراً، إلا حينما يتمكّن من دخول بغداد كما يدخل رؤساء الدول أيَّ عاصمةٍ من عواصم الأرض، وهذا الأمر –وفق المعطيات الجارية على الأرض- لن يتحقق لبوش حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياط، وإلى أن يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياط.. يمكن للرئيس الأميركي أن يتمدَّد مُسترخياً على أحد الأسِرّة الوثيرة في البيت الأبيض، ثم يُغمض عينيه، ويُطلق العنان لأحلامه الوردية، عِلماً بأنّ أحلام اليقظة لم تنفعه، بل جَرَّت عليه وعلى أميركة المصائبَ والشدائدَ والهزائم.. فهل ستنفعه أحلام النوم ؟!.. كاتب سوري [email protected]