تعتبر عملية الإصلاح في مختلف مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أهم المراحل التي تمر بها أية دولة ، وخاصة إذا كانت تلك الدولة في مرحلة تحول من نظام سياسي واقتصادي واجتماعي إلي نظام آخر مختلف تماماً عن النظام الذي كانت عليه ، كما أن عملية الإصلاح الشامل تتطلب وقتاً طويلا نسبياً حتي تكتمل عملية التحول وتؤتي ثمارها المرجوة ، دون إحداث خلل في منظومة العدالة الاجتماعية ، أو التخلي عن العادات والتقاليد والقيم والأعراف الاجتماعية التي سادت في تلك البلاد طوال عشرات العقود ، تميزت خلالها بالحفاظ علي النسيج الاجتماعي الذي يضم مئات القوميات المختلفة . بعد إستقلال جمهورية أوزبكستان عن اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ، كان لابد عليها من اتخاذ خطوات كبيرة نحو عملية الإصلاح والتغيير الجذري في مختلف مؤسسات وتوجهات الدولة ، وكان من أهم تلك الخطوات هو وضع دستور جديد للبلاد ، والذي تم إقراره في 8 ديسمبر 1992 . من الخصائص المميزة لأوزبكستان التركيبة القومية الفريدة ، إذ تضم التركيبة الإثنية أغلبية عظمى من السكان الأصليين الأوزبك ، الذين يشكلون أكثر من 70% من السكان . وإلى جانبهم في نفس الوقت يعيش على أراضي أوزبكستان أكثر من مائة قومية ، لهم ثقافاتهم وعاداتهم ، ويتميز التنوع القومي والثقافي في أوزبكستان بارتفاع الوعي القومي ، والبعث الروحي الدافع القوي لتجدد المجتمع وانفتاحه ، مما أوجد وضعاً مناسباً لاندماج أوزبكستان في المجتمع الدولي . في السادس من ديسمبر الحالي ألقي الرئيس إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان كلمة فى الاحتفال بالذكرى السنوية الحادية والعشرون لإصدار الدستور ، باعتبار أن تلك الذكري تمثل حدثاً تاريخياً مشهوداً في تاريخ أوزبكستان الحديث ، لما يمثله الدستور من أهمية كبيرة في سبيل الاستقرار وتحديد أهداف ومهام التنمية في البلاد ، وخاصة أن الدستور الجديد قد وضع أسس وقواعد ومبادئ البلاد الخمس في التنمية والتي أطلق عليها اسم " الموديل الأوزبكي " ، والتي تتمثل تتمثل في : تنقية الإقتصاد من الأيديولوجيا القديمة ، وإقرار مبدأ سيادة القانون ، وتكفل الدولة بعملية الإصلاح ووضع الأسس والخطوط العريضة له ، واتباع سياسة اجتماعية قوية تراعي خصائص البلاد القومية وتراثها الشعبي وإرثها الحضاري ، وتحقيق الإصلاحات على عدد من المراحل المتتابعة . خلال اثنين وعشرين عاماً ، هي عمر جمهورية أوزبكستان المستقلة عن اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ، والتي تعتبر فترة قصيرة نسبياً في عمر الدول والشعوب ، استطاعت تلك الجمهورية الفتية أن تضع أسساً للإصلاح الاقتصادي ، والتحول من النظام المركزي الاشتراكي إلي النظام الرأسمالي ، واستطاع الاقتصاد الأوزبكي أن يحقق نسبة نمو تجاوزت أربعة أضعاف ما كانت عليه عند الاستقلال ، كما تجاهل الأزمة الاقتصادية العالمية ولم يتأثر بها وحقق نمواً خلال الفنترة ما بين عام 2008 وحتي عام 2013 قدرها 8 % سنوياً ، ومن المتوقع أن يستقر ذلك المعدل من النمو الاقتصادي خلال عام 2014 ، بل يتجاوزه بقليل عند معدل نمو 8,1 % حسب توقعات المسئولين وخبراء الاقتصاد ، كما استطاع اقتصاد أوزبكستان جذب استثمارات قدرها 162 مليار دولار أمريكي ، منها 56 مليار دولار استثمارات أجنبية ، والباقي استثمارات محلية . لقد ارتبطت عملية الإصلاح الاقتصادي في أوزبكستان بعملية الإصلاح السياسي ، فمنذ أن تم إقرار دستور البلاد ، عملت أوزبكستان علي توفير مناخ ملائم لنمو الوعي السياسي ، وتوفير هامش كبير من الحرية والديمقراطية باعتبارهما أمران متلازمان للاصلاح السياسي والاقتصادي ، وارتبط ذلك الاصلاح بتطوير المجتمع المدني كنتيجة عملية لمناح الحرية والديمقراطية ، حيث أقر المجلس الأعلي لجمهورية أوزبكستان في نوفمبر 2010 حزمة قوانين لتجديد وتحديث المجتمع المدني ، وإعطائه دفعة قوية للمشاركة في عملية بناء المجتمع وتقدمه ، وخاصة بعدما أصبح للمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني دور كبير وفاعل في حماية القيم الديمقراطية والدفاع عن الحريات العامة ورعاية المكتسبات التي حققتها البلاد خلال فترة الاستقلال ، حيث بلغ عدد منظمات المجتمع المدني أكثر من ستة آلاف منظمة . إن اقتراح رئيس جمهورية أوزبكستان بتوسيع صلاحيات ومسئوليات مجلس الشيوخ " الغرفة العليا " والمجلس التشريعي " الغرفة السفلى " لدى المجلس الأعلى لجمهورية أوزبكستان " البرلمان " ، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالرقابة على أنشطة مجلس الوزراء والأجهزة التنفيذية ومشاركتهما في اتخاذ القرارات الخاصة بالسياسة الداخلية والخارجية ، وذلك من خلال إدخال إضافات وتعديلات علي مواد الدستور ، تعتبر إضافة كبيرة لعملية الاصلاح السياسي ، وتعميق الممارسة الديمقراطية من خلال تمكين البرلمان من ممارسة دوره كسلطة رقابية علي أنشطة وأعمال السلطة التنفيذية . لقد تم الإعلان في بداية هذا العام ، أن عام 2013 هو " عام الحياة المزدهرة " في أوزبكستان ، واستطاعت البلاد أن تحقق خلال هذا العام البرامج والخطط التي وضعت من أجل تحقيق ذلك الهدف ، وخاصة في المجالات الاجتماعية ، وتطوير البنية التحتية بشكل كبير ، الأمر الذي أعطي ثقة كبيرة لأوزبكستان لدي المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، وبنك آسيا للتنمية ، والبنك الإسلامي للتنمية ، حيث ساهمت تلك المؤسسات المالية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار أميركي لتطوير البنية التحتية في البلاد . ومع نهاية عام 2013 ، وتحقيق الأهداف والخطط التي وضعت من أجل تحقيق مزيد من الازدهار والرفاهية لشعب أوزبكستان ، جاء الدور في العام الجديد 2014 ، ليكون " عام الطفل وتتابع الأجيال " ، وذلك من خلال وضع برنامج طوال العام يكفل توفير الرعاية الصحية المتكاملة للأطفال ، والقضاء علي أمراض الطفولة ، وتوفير كافة الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية ، والخدمات التعليمية للاطفال ، باعتبارهم البنية الساسية للمجتمع ، من خلال التتابع الطبيعي للأجيال ، وتدريبهم علي تحمل مسئولية قيادة البلاد في المستقبل . نتيجة لتلك السياسة التي تهتم بالعنصر البشري ، وصلت أوزبكستان إلي مستويات عالية المستوى في موارد القوى العاملة ، حيث تحتوي علي حوالي 40% من مجموع القوى العاملة في آسيا الوسطي ، وتمثل الفئات العمرية ما بين (30 - 49 سنة ) والتي تتمتع بقدرات عالية للعمل غالبية القوة العاملة، وتتميز بمستوي تعليمي مرتفع ، حيث يحمل ربع العاملين في الإقتصاد الوطني شهادات التعليم العالي أو المتوسط التخصصي ، كما تمتلك أوزبكستان قدرات علمية عالية ، وخاصة في مجال الزراعة والعلوم الحية والدقيقة ، كما تلقي أبحاث العلماء في أوزبكستان في مجالات التاريخ ، والرياضيات ، والفيزياء، والعلوم الجيولوجية ، ونظريات الزلازل ، والهندسة المعمارية المقاومة للزلازل ، والكيمياء النباتية ، وغيرها ، شهرة واسعة خارج البلاد ، هذا بالإضافة للموارد الفكرية الهائلة ، حيث توفرت بعد الإستقلال إمكانيات حقيقية لتحقق أوزبكستان إصلاحات جذرية ، وترشيد الاقتصاد ، لتنتقل إلى طريق التطور الحضاري بشكل كبير .
كاتب وباحث في الشئون الآسيوية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.