يقول أبو الطيب المتنبي في ميميته الشهيرة : أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي .. وأسمعت كلماتي من به صمم أنام ملئ جفوني عن شواردها .. ويسهر الخلق جراها ويختصموا ، استحضرت هذين البيتين أمس وأنا أتابع الفصل الجديد في كارثة "مدينتي" التي ورط فيها محمد إبراهيم سليمان الدولة والمواطن والحكومة والشعب في كارثة اقتصادية لا يعرف الجميع كيف يخرجون منها ، والقضية يرى "الأعمى" كما يقول المتنبي وجه الكارثة فيها ويعرف الأصم أيضا من المتسبب فيها ، ولكن بطلها الأول والأساس وزير الإسكان السابق ينام الآن ملء جفونه ، بينما الكل يخبط في الكل والجميع يخاصم الجميع بسببها، ولا يجرؤ أحد لسبب لا نعلمه على أن يمس جناب إبراهيم سليمان بأي قرار ، وكل ما يشغل الدولة المصرية هو كيفية الخروج من المصيبة بأقل الخسائر ، وكان الطرف الأضعف فيما ذهبت إليه حكومة الدكتور نظيف هو أحكام القضاء ، فتم التلاعب بها والالتفاف عليها ، بالقبول الشكلي بها وفي التنفيذ إعادة تسليم الأرض للجهة التي قضت المحكمة ببطلان منحها الأرض ، وعلى المتضرر أن يخبط رأسه في أكبر حيط . يحسن أن نعود إلى ما سجلته المحكمة الإدارية العليا أعلى درجات القضاء الإداري ومرجعيته في حكمها التاريخي الأول على العقد الذي مرره محمد إبراهيم سليمان مع شركة مصطفى طلعت ، تقول المحكمة ما نصه (ان عقد البيع شابة عدم الشفافية ، والكتمان الشديد فى عملية البيع الأراضى الذى تعد ملكا عام ولكن لم يعلم عنها أحد شيئا سوى طرفاه (شركة هشام طلعت وهيئة المجتمعات العمرانية)،مما أدى لبيع أرض من أراضى الدولة قى مقابل ثمن يتم تسديده خلال 20عاما تزيد ل25 عاما ،فضلا عن الشروط المجحفة التى تضمها العقد .ومثل التصرف فى 5 ألاف فدان زيدت ل 8 ألاف فدان بالاضافة إلى استحواذ الشركة على 800 فدان بالشفعة.بثمن ضئيل لا يتناسب مع قيمة الارض ) ، وأضافت المحكمة (ان عدم الشفافية تعد من أسباب البطلان لأن الحالات البيع الأخرى جرى الاعلان عنها من خلال حملات اعلانية ضخمة داخل مصر وخارجها للاعلام عن مزادات بيع هذه الأراضى ومواعيدها لتحقيق الشفافية وتكافىء الفرص واعطاء الفرصة للدولة للحصول على أفضل الأسعار.ولكن ذلك لم يحدث عند بيع ارض مدينتى) ، وختمت المحكمة وصفها لما تم بقولها (خروج سافر عن القانون وإهدار لأحكام قانون المناقصات) . في السياق نفسه من المهم أن نستحضر كلمات المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أكد أنه سبق أن نبه أكثر من مرة على خطورة ما حدث في هذا العقد وأنه باطل ومخالف للقانون ، ولكن أحدا لم يستمع له حسب قوله وأضاف في برنامج تليفزيون على الهواء أمام الملايين : (أن الجهاز المركزي للمحاسبات هو أول من اكتشف مخالفات مشروع مدينتي ولم يستمع أي عضو في الحكومة لما كتبه حول هذه المخالفات ، مضيفا أنه أصدر قرارا بتشكيل لجنة من الإدارة المركزية التابعة للجهاز لمتابعة وتقييم المخالفات التي وقعت على أراضي الدولة واستغلالها لغير الأغراض المخصصة لها ، وأشار الملط إلى أن هناك قيادات حالية وسابقة في هيئة المجتمعات العمرانية صاغت هذا العقد بالمخالفة لأكثر من قانون محملا وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان المسؤولية الكاملة عما جاء بالعقد). الدولة "المحترمة" ضربت أخماسا في أسداس ، واضطر رئيس الجمهورية إلى عقد اجتماع بمقر رئاسة الجمهورية قبل أشهر حضره رئيس الوزراء وعدد كبير من الوزراء والمستشارين طالبهم فيه بالبحث عن مخرج من هذه الورطة ، وأن يتم تشكيل لجنة لوضع تصور لحل المصيبة ، فكان الحل الذي تفتقت عنه عبقرية أحمد نظيف أن يتم الإعلان عن تنفيذ الحكم بسحب الأرض على الورق كده وكده وفي المضمون يتم كتابة عقد جديد له وبذلك يصبح غير القانوني قانونيا ، وهو ما عادت المحكمة أمس من جديد لإثبات بطلانه وإلزام الدولة بصريح العبارة "باللغة العربية" وليس بالهيروغليفية أن الحكم يلزم منه عرض الأرض في مزاد علني جديد . وبالعودة إلى صاحبنا أبي الطيب المتنبي ، فكما بدأنا به نختم ، ولكن ببيته الذائع الصيت : وكم ذا بمصر من المضحكات .. ولكنه ضحك كالبكا . [email protected]