في عالمنا المعاصر تداول الناس مصطلح "فقهاء السلطان " : يقصدون به مجموعة من علماء اللاهوت يجهدون أنفسهم في البحث و التنقيب بين أضابير وبطون كتب التراث لتأويل النصوص الدينية وإيجاد تخريجات لروايات قد تتعارض مع ما هو ثابت بالكتب المقدسة وذلك بغرض العثور علي سند شرعي للفتاوي التي يجري تفصيلها للتخديم علي الحاكم الظالم وتبرير قراراته وسلوكياته المعيبة وتزويق استبداده و تضليل شعبة وتسطيح وعيه السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و تخويفة من مغبة الخروج علي الحاكم حتى لا يكون المصير جهنم وبئس المصير ، لا يهم فقيه السلطان أن يكون سنده الشرعي ضعيف السند أو مدسوسا من خصوم العقيدة بكتب التراث التي تحت أيديهم فالمهم الحصول علي رضاء الحاكم و تحقيق الجاه و الحصول على صرة الدنانير . نفتأت علي الحقيقة لو اعتبرنا ظاهرة " فقاء السلطان " وقفا علي عصرنا الحديث لأن المجتمعات البشرية عرفت تلك الفئة من العلماء منذ قدم التاريخ بديل ما حوته البرديات و الاثار المصرية القديمة من وقائع تلقي الضوء علي ما أفتي به فقهاء السلطان لمنح بعض الحكام شرعية لا يستحقونها بتخريجات و ألاعيب يعجز عن الإتيان بها أمهر الحواه و النصابين ، حيث تقود المخطوطات – علي سبيل لا الحصر – أن القواعد المرعية لنظام الحكم في مصر القديمة كانت تشترط لشرعية الفرعون أن يكون دمه المللكي نقيا ومن ثم كان الفرعون يتزوج أخته حفاظا علي نقاء الدم المللكي وليكون نتاج العلاقة بينهما أبناء ينتسبون للإله (رع) أو الإله (أمون) وهنا يحق له حكم البلاد بصفته الفرعون الإله ، لكن مصر الفرعونية حكمها أحيانا رجال أقوياء من عامة الشعب وهو ما يتعارض مع القواعد المرعية للفرعونية بضرورة نقاء الدم المللكي الواجبة للاعتراف بحكم الفرعون الإله . كيف تصرف " فقهاء السلطان " لحل هذا المشكل ؟ .. أفتوا بضرورة أن يتزوج الحاكم من أبنه ملك من دم ملكي خالص ليحكم باسمها و حينئذ سيتفضل الإله ( أمون رع ) بالنزول إلي الأرض متقمصا صورة الملك و الاتصال بالملكة ذات الدم الملكي في مخدعها لينتج عن هذا الاتصال طفل هو ابن للإله ( أمون رع ) يحق له حكم مصر طبقا للقواعد اللاهوتيه المرعية لحكم البلاد وهو ما حدث في ولادة ( حتشبسوت ) وولادة الملك ( أمنحوتب الثالث ) ... ولكن مصر أيضا حكمها الكثير من الحكام الأجانب فهل عجز " فقهاء السلطان " عن إيجاد أساس شرعي لتوليهم حكم البلاد وفق القواعد المرعية السابق بيانها ؟ ... الحقيقة أن " فقهاء السلطان " لا يعدمون الحيل لإيجاد الحل لهذا المشكل فعلي سبيل المثال أفتي كهنة ( أرمنت ) بأن (قيصرون ) إبن الإغريقية ( كليوبترا ) والروماني ( يوليوس قيصر ) هو نسل حقيقي منحدر من صلب الإلهة و الفراعنة الذين كانوا يحكمون مصر وأن الإله توحد بقيصر في الليلة الحاسمة التي حملت فيها ( كليوبترا ) بالطفل " قيصرون " ... نفس الأمر فعله " فقهاء السلطان " ببجاحة يحسدون عليها للتدليل علي أن الأسكندر الأكبر الذي أبوه الملك ( فليب المقدوني )و أمة ( أوليمبياس ) الهيلانية هو الملك الشرعي لمصر لانتسابه لأسرة ( رع ) و إبن ( أمون رع ) الذي اتصل بأمه ( أوليمبياس ) في مخدعها ببلاد الإغريق – متشبها بصورة والده الملك ( فليب ) ودليلهم في ذلك أن الإسكندر تربع علي عرش مصر بعد قهر الفرس بأعجوبة !! وهنا نتساءل عن البيئة الحاضنة لمهنة ( فقهاء السلطان ) ... الجواب توجد متي وحد الحاكم الظالم المتأله الذي يحكم شعبا أميا مغيب العقل ... أتمني الا ينطبق هذا علي الحالة المصرية ... قولوا يا رب !!