ارتاب كثيرا من المقابلات الإعلامية في أوقات الأزمات ، لأنها عادة ما تكون مرتبة ترتيبا دقيقا ودائما هنالك رسالة يود المسئول أن يوصلها إلى جهة ما بعينها أو جهات مجتمعة ، فعلى سبيل المثال حين يخرج مسئول مصري علينا بتصريحات عبر شبكة تلفزيونية أمريكية فبالطبع لن يتحدث عن افتتاح مشاريع قومية كبرى من عينة الكباري ووحدات الإنتاج في المصانع ، بل سيحدثهم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيحذرهم من فوز الإخوان في الانتخابات ويطمئنهم على أن حماس سوف تتغير فالتغيير سنة الله الماضية . ورغم محاولات البعض التخفيف من تأثير وردة فعل تصريحات السيد الرئيس مبارك عن شيعة العراق ورغم الفضيحة الصحفية التي وقعت فيها الصحف القومية بحذفها نص كلام الرئيس وكأنها ( أي تلك الصحف ) تمتلك حق النشر والحذف والحقيقة أن المقابلة بالكامل ملك لقناة العربية . رغم كل محاولات التخفيف والتلطيف والتعمية فقد تسببت هذه التصريحات في أزمة ويكفي أن من لم يكونوا يجرؤون على الحديث عن مصر فتحوا أفواههم وسلطوا أقلامهم وسهامهم نحو مصر وشعبها بسبب تصريحات الرئيس .... وأصبحنا نرى من يعايرنا بالعلاقات مع الصهاينة والركوع للأمريكان والاستبداد علانية ودون مواربة وعلى صفحات صحف دول خليجية يزعم النظام أنها دول صديقة وحليفة. وأعود إلى ترتيب المقابلات وحقيقة التصريحات وأقول إنه يصعب على المرء القبول بفكرة عفوية هذه التصريحات بل العفوي فيها الطريقة التي أدلى بها الرئيس وليس المضمون وقد حدث غير مرة أن استخدم السيد الرئيس نفس الطريقة لتمرير بعض الأمور على الشارع المصري وللأسف قبلناها و بلعناها ولا زلت أذكر حكاية الرغيف الطباقي حين كان أحد المسئولين يلقي كلمة في جمع من الجموع وفجأة قال وأنا ماشي لقيت عيش كبير بيباع على الأرصفة وقفت وسألت فقالوا لي ده رغيف طباقي بخمسة صاغ ، والله الرغيف كان حلو وأبيض .. ) أو حين وقف أحد ترزية القوانين معترضا على اكتساح الإخوان للنقابات وطالب القيادة السياسية بالتدخل من أجل وقف الأقلية المنظمة على حد تعبيرهم فجاءه الرد الفوري ( يا خويا عندك المجلس أهه قدموا قانون لتشجيع الأغلبية الصامتة ) وقد كان القانون سيء الذكر رقم 100 ( لإغلاق النقابات ) لقد قرأت تعليقا على المقابلة عبارات قوية ومثيرة من قبيل ( لا تظلموا مبارك ) وهو مقال تهكمي كتبه صلاح الدين محسن وهو عراقي تهكم فيه على المقابلة والتصريحات ، وعلق نواب شيعة بمجلس الأمة واتهموا الرئيس بأنه يخدم مصالح أجنبية وأن تصريحات جاءت وفقا لأجندات خارجية ، وقال حسن جوهر عضو مجلس الأمة الكويتي موجهها حديثه للرئيس مبارك ( لا نستجدي شهادات الولاء والطاعة لا منك ولا من غيرك ) وعنون صلاح التكمه جي مقاله تعليقا على المقابلة ( مبارك يفجر البوابة الشرقية بتصريحاته الانتحارية ) واعتبر كاتب آخر أن هذه التصريحات ما هي إلا امتداد لسلسلة العلاقات المرتبكة بين مصر والعراق فعنون جمال الخرسان مقاله ب( العراق ومصر تاريخ ومواقف تصريحات ) واتهم القيادة السياسية المصرية بأنها تستغل المواقف الصعبة للعراق لتحقيق مكاسب سياسية ... لقد فتحت هذه التصريحات النار على الدبلوماسية المصرية إن وجدت ونالت من البقية الباقية من مكانة مصر لدى العالمين العربي والإسلامي وسمعنا من يطالب الرئيس بالاعتذار علانية وهذه مصيبة بالفعل. أما بقية ماجاء في المقابلة عن التوريث والانتخابات والاستقرار فهي أمور من أجل استكمال الحديث وليست هي عين المطلوب. تحت السطور على الرغم من أننا لا زلنا نعاني من الكوارث الطبيعية والبحرية إلا أن مصر بدأت الدخول في كارثة كلامية هذه المرة لن يجدي معها لا طب ولا دواء . [email protected]