خمسة عشر عاما قضاها محمود حمدي زقزوق وزيرا للأوقاف في مصر أرجو أن يذكرني أحد أنه خلالها كتب كلمة أو خطب خطبة ينتقد فيها الانحطاط الأخلاقي أو الملابس الفاضحة التي انتشرت في فترات متفاوتة في الجامعات والمجتمع بشكل عام ، لم يحدث أبدا ، وإنما كان كل ما شغله هو الحجاب والنقاب واللحية ، لا يترك مناسبة إلا ويهاجم النقاب وينتقد اللحية ، حتى لكأنك تظن من كثرة كلامه الفارغ أن انهيار أمة الإسلام كان سببه اللحية والنقاب ، خمسة عشر عاما وهو يعطي المواعظ في الكلام الفارغ ويشرح في المشروح واللافتات العامة والدعائية والفجة والتي لها ألف مضمون ، مثل التسامح والحوار الحضاري والمدنية وروح العصر ، ووجد من نفسه الجرأة على إهدار ملايين الجنيهات من أموال المسلمين لنشر كتاب تافه علميا ضد النقاب ، ولم يجد الجرأة أو الوازع الديني لكي ينفق عشر هذا المبلغ في إصدار كتاب يدعو إلى الفضيلة أو الاحتشام ، والدكتور زقزوق ليس ضد النقاب وحده ، بل ضد الحجاب أيضا ، ويستحيل أن تجد له أي مقال أو كلمة يدعو فيها إلى التزام نساء المسلمين بواجب الحجاب ، بل هو لا يعترف أصلا بالحجاب ويعتبر أنه غير موجود في الكتاب والسنة ولكنه يدعو إلى ما يسميه "الاحتشام" وهي من الكلمات الفضفاضة التي لا يسهل ملأها بأي معنى أو حدود ، ولكنه يتحاشى الهجوم صراحة على الحجاب حتى يتجنب المشاكل المتوقعة . وبطبيعة الحال ، لن يجرؤ زقزوق على نشر كتيب أو حتى مقاله تنتقد الفساد الإداري أو نهب البنوك أو الإسفاف والابتذال الأخلاقي في تليفزيون الدولة الرسمي أو يتحدث عن التزوير أو الحريات العامة أو غير ذلك من قضايا جوهرية ، لأنه ملتزم بحدود دوره "الوظيفي" المرسوم ولا يمكنه تخطيه أو تجاوزه . وزقزوق لا يملك أي خبرة علمية في مجال الفقه أو الحديث ، هو مدرس للفلسفة ، وحاصل على الدكتوراة في الفلسفة من ألمانيا ، ومعرفته بالحديث والسنة والفقه متواضع للغاية ، ولا يوجد له أي نتاج علمي في العلوم الشرعية ، كل كتاباته في قضايا فلسفية وفكر عام ، وعندما يحاول أن يقترب من الدليل الشرعي في قضايا مثل الحجاب أو النقاب يكشف عن مستوى متدني للغاية في معرفة قواعد أصول الفقه كربطه بين قضية غض البصر وتعارضها مع وجود النقاب مثلا وهو استدلال مضحك في سذاجته ، وهو على المستوى الشخصي لا يؤمن بالحوار أو التعددية أو قيم الاستنارة الحقيقية ، وسياساته التي ينفذها جزء من منظومة القمع ، تخصصه فيها هو القمع الفكري والديني ، ولا يقبل الرأي الآخر ، وملتزم إلى أبعد الحدود بالتوجيهات الحزبية الضيقة ، وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية سيئة السمعة بعد عام واحد من توليه الوزارة ، رغم أن كل جهوده الفكرية كانت قبل الوزارة ، وبالتالي فهم أن الجائزة لا صلة لها بالجانب العلمي ، وهي الجائزة التي منعت عن مفكر بحجم أحمد كمال أبو المجد ورفضوا منحها له حتى اليوم رغم أنه أعلى قيمة وقامة من زقزوق بمراحل . وعندما طالب نشطاء بإطلاق سراح السيدات المحتجزات داخل الكنائس قال بفهم بالغ الدهشة في خفته وسطحيته "وانتم مالكم" مجاملا بها البابا شنودة الذي قال العبارة نفسها ضد من طالبوا بإطلاق سراح كاميليا شحاتة ووفاء قسنطنين ، ولم يتصور وزير الحزب الوطني أن كل مواطن هو معني بالدستور وبالقانون ، وبالحفاظ على سيادته على جميع المواطنين ، وأن كل مواطن معني بالحفاظ على الوطن وعلى الدولة ولا يقبل أن تكون هناك ازدواجية للدولة أو السلطة ، كما لم يستطع أن يستوعب أن القضية في جوهرها ليست قضية امرأة أسلمت أو تنصرت وإنما إهدار القانون والدستور بصورة فجة ، فإن كان زقزوق لا يفهم ذلك فهي مصيبة ، وإن كان يفهمها ويتعمد المرواغة في الحديث عنها فالمصيبة أعظم . المؤسف أن مثل تلك الأفكار والسياسات التي يقدمها أمثال حمدي زقزوق تمثل دعما أدبيا غير مباشر لتنظيمات متشددة وعنيفة مثل تنظيم القاعدة ، لأنها تسهل إثبات أن الدولة ضد تدين الناس ، وبالتالي تصبح المعادلة أمام الناس بتلك الصورة : إما أفكار القاعدة وإمام أفكار حمدي زقزوق ، أو بمعنى آخر ، فإنه عندما تغيب الوسطية والاعتدال فإنه من الطبيعي أن يطفو على السطح أمثال تنظيم القاعدة ومحمود حمدي زقزوق . [email protected]