فجّر المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة والإعلام معالي الأستاذ عبد الرحمن الهزاع قنبلة مدويّة بتصريحه قبل أسبوعين في قناة (العربية)؛ بأن "الموافقة صدرت على إضافة نظام النشر الالكتروني إلى نظام المطبوعات والنشر المعمول به في السعودية، وبات للوزارة أرضية نظامية و قانونية للنظر في أية قضية تعرض عليها مما ينشر في الصحف الإلكترونية أو المنتديات، وأنه بذلك أضيف الإعلام الإلكتروني كأحد المجالات التي تعمل الوزارة على الترخيص لها و مراقبتها". و كشف الهزاع بأن "المنتديات و المدونات هي أيضا ستخضع للتسجيل و المتابعة حيث أن متى ما تعرض أي شخص للانتقاص فإن الوزارة ستنظر في شكواه حيال تلك المصادر". وبمجرد صدور التصريح انطلقت عشرات المدونات تنتقد هذا الإجراء من لدن وزارة الإعلام، وأقيمت الحسينيات الإنترنتية تتباكى على حرية التعبير، ووصفت هذا الإجراء بأنه محاولة من الوزارة للسيطرة وتكميم الأفواه، وأنه نكسة لمسيرة الانفتاح التي انتهجها والدنا خادم الحرمين الشريفين. ولم تشفع محاولة الهزاع لإيضاح أن "الوزارة تعمل على أن تكون هذه الأنظمة الجديدة وسيلة للتواصل و تقديم الخدمات الإعلامية بعيدا عن التهجم و الشتم و القذف، و أن عملها هذا ليس المقصود منه الحدّ من حرية التعبير التي توفرها هذه المواقع الصحف الالكترونية". إذ كتب المدوّنون وبعض أصحاب المقالات التترى تسفّه هذا القرار، ولربما كان المدوّن الشاب سلطان الجميري نموذج لردة الفعل لمئات المدونين والمدونات السعوديين، إذ كتب في مدونته مقالاً بعنوان (وزارة الإعلام في مهمة وطنية) قال فيها: "هل انتهت المهمات الوطنية والقضايا الحساسة ولم يبق إلا شأن مجموعة من المدونين والناشطين يكتبون تارة عن جهاز الكتروني جديد اشتروه، ومرة أخرى يسألون ما هو أجر الفقير الذي يموت من الجوع؟، والمسكين الذي خرّ عليه جدار بيته الإسمنتي في (قويزة)! وإذا تشجعوا يوماً قالوا: أيتها العير إنكم لسارقون!، إذا وصلت أيديكم إلى الإعلام الجديد، فبالله عليكم ما هي الحرية؟! دلونا عليها". أدعو كل الزملاء المخضرمين إلى استقطاع جزء من أوقاتهم للإبحار في عالم المدونات الالكترونية، فحتما ستكتشفون -أيها الزملاء- أن الأجيال الجديدة التي ترعرعت عبر هاته الفضائيات ومحيطات الشبكة العنكبوتية؛ باتوا أكثر وعياً بحقوقهم، وستندهشون من أحاديثهم بطرائق تختلف تماماً عما كانت عليه أجيالنا. فغرت فمي وأنا أقرأ عشرات المقالات التي تردّ على معالي الأستاذ الهزاع، الذي عاد لاحقاً ليصحّح تصريحه ويستثنى أصحاب المدونات، وعدّد -في حوار فضائي أخير- المزايا الكبيرة التي سيتحصّل عليها أصحاب المواقع التي تسجّل في الوزارة، وأن هناك حقوقاً سترعاها لهم. إضافة نظام النشر الالكتروني إلى نظام المطبوعات تحتاج إلى تمعّن، فشتان شتان بين الظروف الزمانية والمجتمعية التي وُضع النظام الأول فيه، وبين النشر الالكتروني الذي جاء في أجواء تختلف تماماً من ناحية الحرية والتعليم والانفتاح المجتمعي، وبالتأكيد أن الوزارة تنتبه إلى هذه النقطة، وثمة أمر آخر –أمام سوء الفهم الذي حصل- يتمثل في ضرورة التوعية من لدن الوزارة بهذه الآلية التي ُفهم منها تكميم الأفواه، والنزوع الى السيطرة، ومن الضروري تبيان الجوانب الايجابية من حفظ الحقوق الأدبية والملكية الفكرية، ومحاسبة من يشخصن ويرمي الناس بالتهم، سواء التي تطال العقائد أو الذمم، فلا يختلف اثنان على أهمية هذا الموضوع الموجود حتى في الدول المتقدمة. يبقى أن معالي الدكتور الجاسر في حواره مع (الشرق الأوسط) قبل أسبوعين أشار بأن هناك دولاً سبقتنا إلى هذا النظام، وعندما استفسرت من معالي الأستاذ الهزاع، ذكر لنا دولاً عربية، وهو ما يجب أن نقف عنده، فنحن رأس الدول العربية والإسلامية، ومن المفترض أن تقتدي هي بنا لا أن نقتدي بها، خصوصاً في هذه المسائل التقنية التي نرنو لدول العالم المتقدم فيها لا المتخلفة، والرجاء كل الرجاء عدم الاستعانة بنصوص وبنود تكرّس التضييق والحريات الشخصية التي تتفنن دولنا العربية فيها، وهو ما جعل زميلنا الكاتب محمود صباغ في موقع (العربية نت) يقول: "ما يطلبه الهزاع ليس موجوداً في جميع أنحاء العالم، وغير مُبرّر على الإطلاق، إن ثبت أن هناك موقعاً إلكترونياً أو عضواً في شبكة اجتماعية يسيء استخدام الحرية الممنوحة له، فهناك نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الذي أقرته وزارة الداخلية، هو الفيصل في القضايا المتعلقة بالإنترنت، وهو كافٍ، ولا يستدعي سنّ نظام الرقابة هذا من قِبل وزارة الثقافة والإعلام". أختم بشكري لوزارة الإعلام في خطوتها بالحوار والنقاش والتواصل مع مع المدوّنين، وشكر خاص لمعالي الأستاذ عبدالرحمن الهزاع على هذه الأريحية والشفافية وعدم التهرّب من المواجهة بما تفعله كثير من الوزارات، عبر ردوده في موقع (العربية نت) وبعض الفضائيات، وكلي ثقة في وزيرنا الخلوق الدكتور عبدالعزيز خوجة بمراعاة ما تخوّف به المدونون والناشطون في الشبكة العنكبوتية، وهو الوزير المثقف القارئ للتاريخ، والحريص بأنه لن يسمح أن يكتب تاريخُنا الإعلامي إلا سطوراً مضيئة عنه، وبأنه كان فارس حرية التعبير لا مكممَّ أفواه.. [email protected] * إعلامي سعودي