كان رسول الله صلي الله عليه وسلم في طريق الهجرة ، يتوجه إلي الله بكلماته ، ويستجلب نصر الله بآياته ، ويتحصن ضد الشدائد بقرآنه " وجعلنا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ "(يس:9) خرج من بين أيديهم بعد أن نثر التراب علي رؤوسهم "..وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "(الأنفال:17) وصل الغار مع صحبه ..!! فوصلوا من خلفه ، فقال ابوبكر لو نظر احدهم إلي قدمه لرآنا ..!! وهنا يتجلي عنصر الثقة بالله واصطحاب معية الله فلا يتوجه الا إليه ولا يستعن الابه ولا يتحصن الا بالركون إليه وحده ..!! كيف ؟! " ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا..!! و لما دنا سراقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة يريد رأسه ليسلمها لقريش من اجل المائة ناقة ، قال له أبو بكر: الطلب وراءنا يا رسول الله، قال: لا تخف، قال: الطلب قاب قوسين، فقال صلى الله عليه وسلم متحصنا بالدعاء إلي الله : اللهم اكفينه بما شئت...فلما سراقة دنا غاصت قوائم فرسه في الأرض، أو عثرت به وسقط عنها، فنادي: يا محمد! ادع ربك كي ينجيني مما أنا فيه ولن يصيبك مني أذي ، وأمسي حارسا لرسول الله يرد قريش عنه قائلا : لقد كفيتكم هذا الطريق اطلبوه في غيره ...!! انهزمت قريش وفشلت في وقف الدعوة واعتقال أو قتل الداعي لما تحصنت بالشيطان والشبان والطغيان ..!! و انتصر رسول الله لما تحصن بالله ودعائه وقرانه في معركة لم ترق فيها قطرة دم واحدة ولم يلتقي فيها سيفان ، لكنه النصر الحقيقي بعد أن تسلح بالتحصين الرباني كيف ؟ "إلا تنصروه فقد نصره الله " هذا اتساع لأفق النصر في حياة أهل العقيدة ..!! فالثبات علي المبدأ نصر ، والالتزام بالحق نصر ، والوصول للهدف نصر ، سميت الهجرة نصر ، والذي تحقق بالفعل.. لكن لمن ؟ لأقل جيش ..!! " اثنين " في مكان ضيق ..!! " الغار" ..!! كيف ؟ " بجنود لم تروها " لا عدد ولا عتاد ، إنما كانت القوة في الثقة بالله ،والثبات علي مبادئ الحق ، والتضحية في سبيل الله ، ومن ثم "إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(التوبة:40) شاء من شاء وأبي من أبي.!! تماما كما حدث سابقا ويحدث لاحقا إلي يومنا هذا كيف ؟ هذا فرعون يطلب التفويض "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى.."(غافر:26)..!!.. إنه منطق الطغاة ومبدأ البغاة ، هذا طاغية قديم جديد يريد أن يعبد الطريق لإفساده ، ويمهد الطريق لنزواته ، ويؤمن المسيرة لجبروته ، وذلك بالتخلص من الإصلاح وأهله ..!! " ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى.."(غافر:26)..!!. إنه يطلب تفويض صوري شفوي ، بل ويكيل التهديد للخالق والمخلوق " وَلْيَدْعُ رَبَّهُ... "(غافر:26)..!! لماذا يا ملعون ؟!! " إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ "(غافر:26)..!! هل تصدقون فرعون الملعون يدّعي الإصلاح ويرمي موسي عليه السلام بالإرهاب والإفساد ..!! هذا منطق كان وكائن وسيكون ...!! وقبل ذلك كان يتحصن بقانون وضعه ثم ذبح به .. كيف ؟" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين "(القصص: 4) كان يذبح الأبناء لكي لا يقف أمامه احد ، فهيأ الله له موسي عليه السلام بعد ان اصطنعه علي عينه ليقضي عليه وعلي فساده بأمر الله ... وكان ذلك في العاشر من شهر المحرم . وهذا بن نوح عليه السلام في الأمواج العالية والسيول العاتية يريد أن يتحصن بجبل " قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين"( القصص :43) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال ابن نوح لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة خوفا عليه من الغرق : ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) يقول : سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء ، فيمنعني منه أن يغرقني . وقال : ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) ، كانت النتيجة (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) وهي نتيجة حتمية لكل من يتحصن بغير الله ..!! وهذا ابو جهل ومن معه خرجوا يوم بدر متحصنين بالجذور والخمور والقيان ، بهذه الطريقة العنجهية التي وصفت في القرآن بطرا ورئاء الناس: لابد أن نرد بدر ننحر الجذور ونشرب الخمور ونسمع القيان وتسمع بنا العرب فلا تزال تهابنا أبد الدهر ...!! انتصر الحق بعد أن كانت بدر مقبرة لهم " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "(آل عمران:123) والمستبدون منذ الفرعون الاول دائما يستخدمون هذه الأدوات ، تفويض ثم تحصين ثم إفساد واستبداد ، يزعمون أن القوة بأيديهم والأذرع في متناولهم لكنهم يريدون التحصين لمزيد من القتل والإفساد في الأرض بعيدا عن المسائلة التي حددها الإسلام ووضع بنودها الرسول عليه الصلاة والسلام " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ..." لا إنهم يريدون تفويض للسرقة لكن بحسن نية ، تفويض للقتل لكن بحسن نية ، تفويض لبيع الوطن لكن بحسن نية ، فساد ممنهج لكن بحسن نية،هكذا فعل فرعون الأول ، لكنه لما وقع و أراد أن يرجع فلم يقبل منه كيف ؟ " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون " يونس : 91) فهل نفيق ونستفيق ونتعلم من وحي الهجرة أن التحصين لا يكون إلا من الله وبالله فهو القوي القادر الغالب القاهر ...
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.