أنا اْزَازه مَلانه حزن وِمسدودة بِفِلّة ضحك إذا انفتحِتْ هايبقى طوفان فساعْدوني .. أبَعَّدْ عنكم الأحزان احترت كثيرًا في الكتابة عنه ، لكنه - الله يكرمه - رأى حيرتي فشد يدي إلى حيث أج د علامته الفارقة المميزة لشخصيته ، فلم أر أبرع ولا أدق من هذه الكلمات التي تشرّح نفسيته ، وتكشفه لنا على حقيقته : إزازة ملانة حزن .. ومسدودة بِفِلِّة ضحك .. هذا هو الشاعر الموهوب بتطرف ، المثقف المسكون بالناس ، المجرب المنقوع في بحور التجربة ، المتناقض العجيب ، الضاحك الحزين ، الراضي الساخط ، الذي رأيته وقرأته ولاحظته ، ووجدت فيه تركيبة فريدة ، تثير العجب والإعجاب في آن : فهو مثقف مَلْتي موهوب : مخرج ، على كاتب ، على سينارست ، على شاعر ، على ناقد ، على ساخر ، وعلى الله كمان .. كل هذا في ثياب واحد شكله مش أحلى مني كتير .. يعني بالكتير بالكتير دبلوم صنايع أو إعدادية كما أشرت في مقالي السابق . مسالم جدًّا حتى تظن أن القطة تاكل عشاه ، وراسه في الوقت نفسه أنشف من حتة حجر جرانيتية .. فهو يأبى إلا أن ينتقد - بصوت عالٍ جريء - ناسًا ، سيرتهم تودي ف ستين مصيبة ، ويتكلم في موضوعات تخلي الواحد يقول : دستور يا سيادي .. ما تضرّوهوش : هُوّا بابا .. وْهُوّا ماما.. وهُوّا أنور وجدي برضَكْ وِنْ أردت تقول دا سيدنا .. مين هنا يقدر يعارْضك ؟ طب دا يقدر يمحي طولك .. ثم يِتْمزْمِز بعرضَك ثم يِزرع جوّا عقلك .. ثم يحصد رزق جانا إسْمُو بالبنط العريض .. صُورتو في كل الملاعب ع الفانيللا .. وْعَ الجونيللا .. وْلا مؤاخذه ع المضارب شاعر فحل - رغم انه مش باين عليه - يجبرك على تذكر العملاق العظيم بيرم التونسي ، عمّ كل شعراء العامية المصرية فيما فات ، وما هو آت ، تتذكره في نفَسه الشعري ، وفي موضوعاته التي يتناولها ، وفي عينه الديجيتال - ما شاء الله ، وبدون قرّ - التي تلتقط الأحداث التي يفطن لها - بس - الحساسون اللي زيه ، فيصوغها جواهر عامية ، مفعمة بالصدق والإبداع والحلاوة، واللذع الحراق الذي لا يخاف ولا يرجو ، ولا يعجبه الحال المايل والمشي البطّال . يموت لو لم يُضحك من حوله، وحين تراه يصعب عليك ؛ إذ تحس أنه يحمل قرفالدنيا ومتاعبها : نِفسي فْ ملاك شَبهي . يهون الأسفار ويبعَّد الأحزان .. ويسهل المشوار يبدّل مرار يومي بالشهد والسكر يا عم يا رسام : ارسم ملاك أسمر تظنه حين تراه للوهلة الأولى مكبّر راسه ، وضارب الدنيا صرمة ، ، فلا يبالي بها وبأهلها ! لكن ذهنه في عملية ركض ولهاث دائمين .. لا يريح ولا يستريح .. يفكر حتى يتعب ويُتعب من حوله : اكتب تاني .. وقاسي وعاني معانا وحرر لينا وفينا وبارك نور لساه فِ عْنينا بقلمك / فنك / فكرك دا احنا مالينا الشوق للنور والحق معاك ياللي كلامك جوه قلوبنا كالدستور اكتب قول : ليه النيل بيدوب في الصحرا وليه الصحرا تحب الليل ؟ وادِّي دليل.. على إن الفكر الحر بيقدر ع التمييز يعاني من صحته والناس ، وعنده أرتكاريا من أشباه المثقفين وأشباه الفنانين وأشباه البني آدمين ، لكنه بريء كالطفل ، مسامح كَولي ، وفلسفته أن هذه هي الدنيا ، ولابد أن نقبلها كما هي ما دام انك بتتنفس .. وحاسس في آلام الناس مادام اِنك لازِلت تحب كل الناس بأخطاءْهم .. بمقالبهم وتقدر تكتم الأحزان فخد مني سِدادة ضحك وسدّ إْزازةِ الأحزان ما تفتحهاش يكلمك عن أيامه في حرب الاستنزاف ، ولطعته على القهاوي ، ولقاءاته بكبار المفكرين والكتاب ، ومعاناة المصريين وتفاصيل همومهم اليومية، بحرية واضحة ولسان مفلوت : رشاوِي بالملايين ماشية .. غير اختلاسات وبدّدوا فلوس المعونات .. غير المعاشات والشّبّة نِقصِت في المية .. وم الحنفيات وكل شيء فيها بينقص .. إلا الأندال ليه كل مسؤول مِتْمَسر .. فوق السبعين ؟ ليه الشباب المتأهِّل .. من غير تعيين ؟ ليه الأجازة أقّضيها .. مهموم وحزين على كل خريج فِ بلادي .. قاعد بطّال ؟ هو أحيانًا محبط ومنزعج ، ويبصق على كل حاجة عوجة ، وأحيانًا يقول ما قاله الزعيم القديم : مفيش فايدة يا صفية ، لكنه كثيرًا ما يبث الأمل في نفوس المحبطين ، والعزة في نفوس المكسورين ، والهمة في أحناء المقموعين : ... فيه حاجة قوية هاتيجي تزيح فِ نْظام عيان عاجز تعبان تراهني بكام ؟ تراهني بكام انّ احنا هانرجع زي الناس ونقول مشاعرنا بدون وسواس ولا خوف ولا خبْط يجيك في الراس ؟ تراهني بكام؟ إن الأحفاد هايعيشوا تمام زي الأجداد بقامات ممدودة ، وإيد مرفوعة بكل عناد دا الشعب يغيَّر .. إذا ما أراد تراهني بكام ؟ ولست أدري هل هو المبتلى بي أم إنني المبتلى به؟ هل هو المحظوظ أم إنني أنا - واللي خلفوني - المحظوظون .. أكيد التانية ؛ لأنني كلما قرأت لهذا الإنسان أحسست فيه بعمق الموهبة ، وبالإبداع ، وبالإنسانية ، وبالتمكن ، والنفس الموسيقية الشاعرة ، والهم ، والجدية المبطنة ، والحزن الدائم ، والغربة المزمنة . شخص عِنَدي ومقاوح ويعرف ينشف راسه ، ويدخل السجن ، ويقعد ع البرش إذا اقتضى الأمر ، ويطلع من التخشيبة ليسخر من نفسه ، ومما جرى له مع زملاء البرش الأماجد ومنهم . نُكَتي بالفطرة .. يفكرك بالجماعة بتوع زمان اللي دمهم خفيف .. يعني مش ماركة وحيد سيف والراجل بتاع يا حلاوة ، والممثلين اللي بيجيبوا زيت حتى يرسموا شبح ابتسامة على وِش سيادتك ، بل يفكرك بأهل الاقتدار ، والتلقائية ، والقدرة على دغدغتك ، وإغراقك في الضحك ! لقد قرأت أبا حاتم ، وفصّصت عدة دواوين له وأعماله المتتابعة منذ انفتحت على الاستراحة ، وقدمت لبعضها.. ورسمت غلاف أحدها، لأجد خصائص فنية لا تجتمع في شخص واحد بسهولة : التلقائية ، وخفة الدم الفطرية ، وحسن تغليف القضايا في عبوات ظريفة ، وسعة الاستيعاب للقضايا ، والجرأة في الطرح ، والمجازفة في التناول ، وطواعية اللفظ العامي والصورة الشعبية بشكل مدهش ، يعكس تميزًا قل أن نراه في المفتعِلين المتكلفين إن دواوينه سيرة ذاتية بشكل ما.. حتى لو ادعى هو غير ذلك في عروقه الدم الأفريقي .. والعربي والتركي كمان وف قلبه الأبيض متوسط .. وف عينه شلال أحزان ويميني جدًّا ويساري .. ومحافظ إن كان عيَّان متطرف في حقيقة كونه .. بيحب العيشة القطرية ومصاحب مجانين وفلاسفة .. ومْرابع شِلة عاطْلين ومفرفش على طول وبيسهر .. ومحافظ على ملة ودين إن دقِّت تلاقيه في العارضة .. وان طلبت يفرش جرانين الموجود م الجود ياحليلَه .. وان كانت جبنه وطعمية أشهر مِتْفنش في الديرة .. بمعدل جوابين في العام ويلملم خَلَجاته وينوي .. وبيرجع ضاربين له سلام ولا حدش عارف مين سانْده .. أم هُوَّ سانداه الايام القصد ان أموره بتمشي .. مهما اتعقدت العملية. إمام مصطفى مسكون بروح طفل ، عابث ، وبريء ، وتلقائي ، لا يبالي بشيء ، بل همه اللهو ، والدوس على كل الوجع ، إذا بكى - لسبب ما - فإنه سرعان ما يكركع ، وتعلوضحكاته الصاخبة لتملأ الأجواء بالبهجة : يا كبار يا مكشرين .. ويا مهمومين بأمور كتير إيه رأيكم في العيدْ تِعُودوا عْيال شُقاي ؟! وتهرَّجوا .. وتهزَّروا .. وتزغزغوا وتْسقفوا لو شفتوا سيرك تقهقهوا وان شفتوا بمب تفرقعوا وان شفتوا سيكِل مرمي جنب الطوفة تجروا تركبوه والهم دا ملعون أبوه وانسوا المرض أو اتناسوه ولا تسيبوش واحد مكشر .. إلا لما تْضحَّكوه إيه رأيكم في الاعتراف .. والإقتراح ؟ ما تياللا قوموا تنفذوه ! وهذه فلسفة إمام في تجاهل المرض ، والسخرية منه ، والتعالي على الوجع ، وتحويله إلى نكت : أما الصحة .. فقول ما تشاء .. زي القرد تمللي شباب ضغط ، دوالي ، كبد وسكر .. وحجامة وكي وأعشاب بس امبارح راح المركز .. يشتكي من صد الأحباب والدكتور بعد الفحوصات .. قال : يتحول ع النفسية وجزء من تركيبته العقلية – زي كل الموظفين والطفرانين - يتعامل مع الفلوس بزهد صوفي مرة ، وبنهم مستثمر مرة أخرى ، انظر إليه هنا وهو يزهد فيقول : والله الدنيا ما تستاهل .. جرْي وْرَمْح على الأرباح والثروة لو جت بالساهل .. بسهولة تْغير أرواح يا ما ف مغرب كوِّش واحد .. وقرينا تعازيه في صباح يا ما فلوس لهفتها بنوك .. من حسابات ماتت أصحابها وعلى النقيض من ذلك يغضب إمام من الفقراء الذين يفلسفون فقرهم ، ويرضون بالقاع، وبالنوم على الحديدة، في زمن يُشترى فيه أي شيء بالدولار : مين اللي قال إن الفلوس مش كل حاجة دا أكيد فقير .. وما يمتِلكشي أي حاجة . الشخص دا ناقص علام .. ولا لُوش تجارب عايش على لغة الأداب .. وف نحس ضارب طب هوّ من غير سلاح .. تقدر تحارب ؟! عايز إجابة واضحة .. من غير لجاجة بالفلوس يبقى الغدا فخْدِة طاووس والفطار كافيار .. وجَنبُه عْناق وبوس أما من غيرها يا صاحبي مفيش غموس وان ضحك ليك الزمان .. كيما وْرُجاجة ! ويتميز إمام بعينه الرادارية التي ترى تفاصيل الأشياء ، وتفككها ، وتركبها ، وتستخرج ما وراءها من الكوامن ، التي لا يراها إلا شاعر حساس ، انظر إليه وهو يتكلم عن بدايات تقويض الأحياء القديمة في الدوحة لتجديدها ، وتغيير قواعد اللعبة، واللاعبين ، والنتائج، والجمهور، والمصفقين، واستبدال مبانٍ باذخة بها ، وإحساسه بأنها تأخذ معها ذكريات ومشاعر وأساليب تعبير : يا مهردمين الفريج .. لا حُول ولا قوة الحيطة دي حِكايات .. وذكريات حلوة شخبط عليها عيال .. وكتبوا أساميهم بخطوط ماهيش واضحة .. وشعور ماهوش كداب وكوبليهين اتْنين .. من غِنوة حافْظينها كاتبينْها للأحباب رسموا قلوب وسهام .. ومراكب التموين وطيور بلا جناحين .. ومواكب الحجاج وشيخ عجوز راكع .. مأمور وبيلبي يا مهردمين الفريق .. حاسبوا على قلبي كان فيه هنا مسجد ... يادوب يساع الناس ودكتين ع الباب .. وغوري فوق النار كان للمكان بركات .. وشعور جميل غامض حتى الدكك كانت .. ليها روايح هيل صندل على عنبر .. وعود على مسمار وكان يفوت برُّوك .. وكأنه شيخ تجار مع إن غُلْبه كان .. زايد على غلبي يا مهردمين الفريج .. حاسبوا على قلبي ! وهو - مثل كل الفنانين - بحالات ، فمرة يغلبه الناقد ، ومرة يغلبه الزاهد ، وأخرى يتنمر بداخله المتمرد ، ورابعة يتحرك بداخله الطفل العابث ، ولن تخطئ عينك هذه الأحوال – وغيرها - فتأمله مثلاً وهو يتحدث عن بعض المتدينين الأغبياء ، الذين لم يفهموا الدين ، ولم يعيشوه رحمة وإنسانية ، فقاموا بسلوكيات هي أبعد ما تكون عن روح التسامي والتسامح ، اقرأ له : رايحين النار والكلمات الأخيرة للمنحور النيبالي الأول ، ومنها : يا ماسْكنِّي .. وانا المسكين ولا شايف سوى سكاكين ومِتحامي في إسلامكم وباسم الرحمة .. ما رحمتم وباسم العدل ما عدلتم وباسم الحق دابحينِّي وربي وربكم واحد ، واحاول إني أفْهمكم ومنطقكم وسكاكينكم .. مسامحكم ! ويقول في قصيدته المرة أرابيسك ، منتقدًا السقوط الحضاري لأمتنا الخيبانة ، التي أدمنت التغني بالأمجاد ، وقد صارت: مفيش/ ولا حاجة. نثنج : سقطوا العرب ونجح غيرهم .. واللي ساترهم .. فن الأرابيسك ودا فن قايم ع الألغاز .. بخشب وإْزاز .. ونهايته الدِّسك وغيرنا واصل للمريخ .. راكبين سواريخ وإحنا لا زلنا خناق وسريخ .. على دنيا ودين بقينا آخر صف انداس .. ولا فيش إحساس والإغتصاب داير ع الناس .. من ميري وفِسْك ! إيه اللي باقي لأولادنا .. ولأحفادنا .. غير ذل وعار وكلام تاريخي ما بيفدشي .. ولا ينفعشي .. وحبة أشعار وكام وطن ناهبين أرضُه .. ومهتوك عَرضه .. من غير أعذار فِكْرك يسدقوا أقوالنا .. عن أمجادنا .. وتاريخنا المسك ! وأبرز ما يميز إمام مصطفى في هذا العمل - وأعماله الأخرى - السخرية الدائمة من كل شيء ، السخرية التي تحوي في أطوائها مرارة الإنسان ، وإيجاع الوخز ، ومكر العارف بالحياة . السخرية التي تخفي بين حروفها إنسانًا مليئًا بالاستعلاء ، والاستخفاف ، والمراوغة ، والوجع ، والضعف ، والهم ، والتمرد ، والرغبة في التغيير والإصلاح ، والهروب من المؤاخذة ، والإحساس بعين الرقيب فوق رأسه - الرقيب بكل أنواعه - والإنصاف ، وتقدير المبدعين ، والقدرة على تقمص روح الآخرين ، مع لحظات يكون فيها في منتهى الاشتعال والتوقد والحرفنة في الأداء .. تحياتي للشاعر الكبير، والمبدع الشعبي إمام مصطفى الذي خاصمني بالتلاتة منذ غادر الدوحة فلم يحن علي بشيء من أعماله، ولم يرن علي بآلووووووه.. وأتمنى عليه أن يطبع أعماله في القاهرة، وأن يجد بعض ما يستحق في مصر المافيات الأدبية، والشللية الثقافية، ومثقفي شيلني وأشيلك.. ولك دعواتي أبا حاتم [email protected]