لخصت مباراة النادي الأهلي أمس وفوزه المبهر ببطولة أفريقيا للأندية رغم الصعوبات الضخمة التي تعانيها كرة القدم في مصر وتوقف الدوري العام ، لخصت تناقضات المجتمع المصري وتحولاته خلال السنوات الأخيرة ، للمرة الأولى تنتصر السياسة على الرياضة ، وكرة القدم تحديدا ، صاحبة الشعبية الطاغية والأسطورية لدى ملايين المصريين ، أمس اكتشف الجميع أن السياسة هزمت الرياضة ، ورغم روعة الحدث الرياضي ونشره الفرحة عند ملايين المصريين العاشقين للكرة ، إلا أن الجدل كله تقريبا بعد المباراة تحول إلى جدل سياسي ، على خلفية صورة لا تتجاوز العشر ثواني تقريبا ، لوح فيها اللاعب الخلوق أحمد عبد الظاهر بشارة رابعة بعد أن أحرز هدفا غاليا ضمن به البطولة وحسمها لفريقه ، قامت الدنيا ولم تقعد طوال ليلة أمس ، وأرغى بعض المسؤولين الرياضيين وأزبدوا وانتفخت أوداج إعلاميين وسياسيين متطرفين غضبا مجنونا ، وتحولت صفحات التواصل الاجتماعي إلى ساحة لعراك سياسي كبير ، اختلط فيه الحابل بالنابل ، كما تحولت فضائيات خاصة إلى هستيريا حقيقية ، بعضها قدم خالص تعازيه للشعب المصري بعد المباراة ، رغم الإنجاز الكبير والفرحة الكبيرة ، ولكن سبب هذا العزاء في نظره أن لاعبا من الأهلي لوح بشارة رابعة في المباراة وشتموا اللاعب شتائم متدنية للغاية ، أيضا ركزت التعليقات على تعمد النجم محمد أبو تريكة عدم الصعود إلى المنصة بعد المباراة لاستلام ميداليته وذلك لكي لا يصافح طاهر أبو زيد وزير الرياضة الذي يشن حربا بدائية على أي رياضي يلوح بشارة رابعة في أي لعبة ، وسبق وأوقف البطل العالمي محمد السيد الحائز على بطولة العالم في الكونغ فو ، والذي شرف مصر بإحراز الميدالية الذهبية ، لأنه رفع شارة رابعة كما كشف صدره عن قميص يحمل علامة رابعة ، وسحبوا منه الميدالية التي حصل عليها وحكموا عليه بالموت الرياضي بمنعه من المشاركة في أي بطولات رسمية لمدة عامين على الأقل ، قبل أن يفاجأ وزير الرياضة بجميع لاعبي منتخب مصر في الكونغ فو وهم يلوحون بشارة رابعة فطرح فكرة حل اتحاد اللعبة كلها ، من فرط الهوس والاضطراب . ما حدث أمس يكشف إلى أي مدى تحولت شارة رابعة إلى كابوس مروع لدى قطاع واسع من أنصار الفريق السيسي وخصوم جماعة الإخوان والإعلام الموالي لهم ، وليس في ذلك عجب إذا كانت أجهزة الدولة الأمنية ذاتها أصابتها متلازمة رابعة ، فأصبحت تعتقل أي شاب أو شابة يلوح بها أو حتى ينفخ بالونات تحمل العلامة ، أو إذا ضبط تلميذ أو تلميذة وهم يضعون الشارة في حقيبة المدرسة ، ربما باعتبار ذلك عملا إرهابيا والدليل أنهم يلوحون بشارة رابعة ، والمشكلة أن الجميع لا يريدون الاعتراف بأن إشارة رابعة لا تعني بالضرورة تضامنا سياسيا مع جماعة الإخوان ، بقدر ما تحولت إلى رمزية لغضب شعبي وإنساني من المذبحة الدموية التي اقترفتها الأجهزة الأمنية ضد المواطنين المعتصمين في ذلك الميدان ، وهي مذبحة غير مسبوقة أبدا في تاريخ مصر ، حتى أيام الاحتلال الانجليزي ، فقط ربما حدث ما يشبهها أيام الغزو الفرنسي لمصر ، ولذل كانت الصدمة كبيرة ، وملايين المصريين لا يتصورون حتى الآن كيف وقعت تلك المذبحة ، ولا يخفى أن هناك موجات تضامن دولي تتسع مع الوقت مع ضحايا تلك المذبحة ، حتى في دوائر لا تعرف شيئا عن الإخوان أساسا ، فأنا مقتنع تماما أن شارة رابعة لها بعد إنساني بالأساس ، لا يمكن للفطرة البشرية المجردة ألا تتعاطف مع فتيات في عمر الزهور يقتلن بمثل هذه العشوائية والجرأة على حياة الإنسان ، ولا يمكن للفطرة البشرية أن تتجاهل مشاعرها العفوية تجاه مئات الجثث التي رؤي بعضها متفحما وتجرفه الجرافات كما لو كانوا كلابا نافقة ، لا يمكن لقلب إنسان أن يتحمل مشهد عشرات الجثث الملفوفة في أكفانها وهي ملقاة في مجرات الصرف الصحي في مشرحة زينهم ، أعرف أن البعض يغلب عليه العصبية في الانحياز السياسي ، وأعرف أن البعض يحاول توظيف الشارة سياسيا ، ولكن هذا لا يمكن أن يسقط حقيقة البعد الإنساني المجرد لهذه الواقعة البشعة وغير المسبوقة في تاريخ مصر ، وكل من يتجاهل تلك الحقيقة ويفكر في عقوبة لمواطن أو سياسي أو رياضي رفع تلك الشارة ، فعليه أن يراجع ضميره وإنسانيته ، لأنه أقرب إلى عالم الوحوش منه إلى عالم البشر .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1