أثارت تصريحات الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس والمنشورة بجريدة المصري اليوم بتاريخ 15/9/2010 صدمة في الأوساط الإسلامية والمسيحية في مصر على السواء ، إذ أن حديثه حول كون المسيحيين هم أصحاب البلد والمسلمين ضيوف عليهم والحديث عن العنف والاستشهاد يشعل نارًا لا تبقي ولا تذر... نارا تجر البلاد إلى ويلات كلنا في غنى عنها ... وكان من الغريب أيضا أن يتحدث بيشوي بعد ذلك مطالبا تغيير بعض آيات من القرآن الكريم !!! ... يا سبحان الله ... سكتنا له فدخل إلى جحر لا يستطيع الخروج منه . لا أدري وإن كنت أدري ما هو المغزى الحقيقي لهذه التصريحات في هذا التوقيت!! ، هل يحاول الأنبا بيشوي أن يقدم نفسه للأوساط المسيحية كخليفة للبابا ؟ إذا كان من حقه أن يقدم نفسه ليكون البابا المنتظر فليكن ولكن ليس على حساب الوطن وبمقولات تحرك مشاعر البسطاء من الجانبين وتعمل على تقويض أمن واستقرار هذا البلد لا لشيء إلا لكي يظهر في أوساط البسطاء من المسيحيين وكأنه الأنبا المنتصر . أم أن سيادته لا يعلم خطأ ما صرح به وفداحته في ذات الوقت، فعلاوة على أن هذه التصريحات تفتقد إلى العقلانية جملة وتفصيلا وتعمل على تدمير قيم المواطنة والوحدة الوطنية وتمزق نسيج الأمة فإنها تفتقر إلى الصحة وقراءة التاريخ إذ أن الجيوش التي فتحت مصر لم تستقر فيها وتتناسل حتى صارت أغلبية الشعب المصري بل إن الحادث فعلا أن المصريين دخلوا في الإسلام سواء من كان منهم مسيحيًا أو وثنيا أو من أصحاب الديانات الأخرى ، ومنهم بالقطع من بقي على ديانته المسيحية ، إلا أن أغلب المصريين قد تحولوا إلى الإسلام ومن ثم أصبحوا أغلبية الشعب المصري، وحين دخل الإسلام إلى مصر بسماحته ورفقه وعدله أصبح المسلمون والمسيحيون من أبناء مصر شركاء في الوطن لا فرق بين هذا ولا ذاك إلا بالتقوى ... التقوى الوطنية طبعا . وعبر سنوات وسنوات صاغ علماء المسلمين وأصحاب الفكر الوسطي – وكان منهم الدكتور محمد سليم العوا- معنى الهوية الحضارية الإسلامية واعتبروا تعدد الانتماءات المستقاة من الجغرافيا والتاريخ والدين من المسلمات، فالمصريون عندهم عرب بحكم الجغرافيا، فضلا عن أنهم يشتركون في التاريخ مع العالم العربي الأوسع، ولكنهم –أيضًا- أمة متميزة. وأغلب المصريين مسلمون لكن هناك مصريين آخرين لا يقلون مصرية عنهم يتدينون إلى الله بالمسيحية ، فالمسلمون والمسيحيون لا يملكون فقط تاريخًا مشتركًا، وإنما يملكون "أحلامًا وآلامًا مشتركة" كما يقول العلامة يوسف القرضاوي. ولم يدخر علماء المسلمين –أصحاب هذا النهج- جهدًا في التعبير عن صياغة قيم المشروع الحضاري طويل الأجل الذي يؤمنون بأنه يتسع لكل المصريين والبحث عن أرضية مشتركة في ظنهم أنه يبدأ من ثراء التاريخ والثقافة المشتركة التي هي ملك لكل المصريين. وقد وقف هؤلاء العلماء حجر عثرة أمام الحركات الإسلامية الراديكالية التي جذبت الشباب إلى طريق العنف المظلم المناهض للنظام والمقوض لأمن واستقرار المجتمع، وقد جاء الإعلان عن برنامج حزب الوسط في عام1996 حاملا بصمات هؤلاء العلماء. وحديث الأنبا بيشوي حول الاستشهاد ذكرني بمنهج المتطرفين من بعض الإسلاميين الذين أرادوا إحراق الوطن وتقسيمه إلى معسكر الكفر ومعسكر الإيمان بغير وعي، حينها قاد عدد من علماء الوسطية ومنهم د.العوا طابورًا من العلماء وقفوا في مواجهة هذه الأفكار البغيضة والغريبة عن المجتمع المصري وقدموا إبداعات في حقوق المواطنة انطلاقًا من عقيدتهم ومصريتهم وليس مجاملة لأحد. وإذا كان من المفترض أن يقف الكل مسلمون ومسيحيون لمواجهة الأنبا بيشوي ومواجهة أفكاره المتطرفة إلا أن البعض ترك الأصل وتعلق بالفرع ... ترك من ضرب الوحدة الوطنية وتعلق بمن كان يتقي بفكره وعلمه تلك الفتنة ، فكان من الغريب أن يتعرض أحد رموز الوسطية والاعتدال وهو الدكتور العوا لهجمة شرسة من البعض ... نصفهم حسنت نياتهم وساءت ظنونهم والنصف الآخر ساءت نواياهم حيث حاولوا الزج بالدكتور العوا إلى مربع التطرف الذي ليس له فيه مكان ... يحاولون تأويل حواره على قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود ويحملون الحديث ما لا يحتمل في الوقت الذي يغضون الطرف عن حوار الأنبا بيشوي الذي لا يحتمل أي تأويل وجاء صريحًا في رغبته بإشعال الفتنة، وحديث الدكتور العوا حول السلاح لم يكن فيه رأي أو اتهام بل كان حديث عن واقعة وتحقيقات تجريها النيابة العامة ، وحديثه عن السيدة وفاء قسطنطين لم يكن حديثًا عن حق مسلم أو مسيحي ولكنه كان حديثًا عن حقوق الإنسان وحقه في الحرية وعدم جواز حبسه بغير مقتضى ومن غير السلطات وأن الجميع أمام القانون سواء وأننا في دولة مؤسسات ودولة قانون حتى وإن حاولت الكنيسة في بعض الأحيان عدم الانصياع للقانون ورفض تنفيذ أحكامه كما حدث في الأحكام القضائية المتعلقة بإلزامها بالتصريح بالزواج الثاني ،وكان فحوى حديث العوا يدور حول أن الكنيسة كما الأزهر هي إحدى مؤسسات الدولة ولا ينبغي لأي منهما أن تعمل خارج القانون. وإذا كان الأنبا بيشوي يعترف في حديثه ويخبرنا بحبه الشديد لسيادة الرئيس مبارك ويعتبر عصره أزهى العصور فلماذا الغضب والحديث عن الاستشهاد وإثارة الفتن والنعرات. إن الوصول إلى كرسي البابا لم ولن يكون على جثث ودماء المصريين مسلمين وأقباط وأن منصب البابا هو شأن مصري أراد أم لم يرد فحذاري من اللعب بالنار. "فمصر وطن يعيش فينا ووطن نعيش فيه" عضو الهيئة التأسيسية لحزب الوسط