كان يوم أمس الاثنين يوما استثنائيا في حياة مصر ، كان الملايين ينتظرون لحظة محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي ، والحقيقة لم يكن المصريون وحدهم ، فقد لاحظت أن ملايين العرب عبر الفضائيات كانوا يتابعون لحظة بلحظة ، والأصداء كانت واضحة أكثر على شبكات التواصل الاجتماعي ، حالة انجذاب كبيرة للمشهد في الداخل والخارج مشبوبة بالتوتر وتوقع ما يمكن أن يحدث ، هو حدث يستحق ، صدام كبير وخطير ، بين شخص يتمسك بشرعيته كرئيس للجمهورية حتى الآن ، وقوة تسيطر بالفعل على الواقع وتدير الدولة وتفرض قراراتها وتطيعها بالفعل كل مؤسسات الدولة وأجهزتها ، كان كل طرف يتحسب لهذه اللحظة ويرتب لها ، لم يكن أحد معنيا بالمحاكمة في ذاتها ، فالجميع يعرف أنها محاكمة سياسية أساسا ، والجميع يعرف أن هذه الجلسة الأولى هي جلسة إجرائية ربما لا تتجاوز النداء على الحاضرين وإسماعهم لقائمة الاتهام ، ثم يتم التأجيل ، فليس هناك من وقائع قانونية تستحق المتابعة أو القلق أو الانجذاب ، وإنما الدلالة السياسية والتوظيف السياسي للمشهد كان هو الأهم ، وهنا كان صراع الإرادات وصراع المشاعر بين الطرفين ، أنصار مرسي وأنصار السيسي ، أنصار الفريق السيسي وداعموه في المؤسسة الأمنية وفي الأحزاب والإعلام والقوى القديمة كان يراهنون على تلك اللحظة لكسر إرادة أنصار مرسي ، كانت لحظة وقوف مرسي في القفص واقتناص العدسات أي لقطة تعطي إشارة لانكساره أو إحباطه أو شعوره بالهزيمة ، ستكون طلقة رصاص قاتلة لأنصاره أفضل من البارود والخرطوش ، بالمقابل كان أنصار مرسي يراهنون على صموده وتماسكه في قاعة المحكمة وإعلانه الإصرار على شرعيته كرئيس منتخب لمصر ورفضه لكل الإجراءات التي وقعت في البلد من أول قرار عزله إلى كل الهياكل الرسمية والمؤسسية التي أعلنها الفريق السيسي في بيانه الشهير 3 يوليو ، وكان الفضاء الإعلامي هو ميدان تلك المعركة الأهم بطبيعة الحال ، لذلك قررت السلطات الرسمية منع بث المحاكمة على الهواء لحرمان مرسي والجماعة من استخدام البث في إحراج الدولة ومعسكر الفريق السيسي ، خاصة وأن مرسي والجماعة أصحاب خبرات طويلة في مثل تلك المحاكمات ويعرفون كيف يتعاملون معها سياسيا ، وفي هذه المرة كانت قوة الدافع المعنوي معهم أقوى بكثير من المرات السابقة ، لأن معهم رئيس له شرعية انتخابية صريحة لا شبهة فيها ولكن وقع التنازع بعد ذلك على خلفية تفسير ما حدث ضده وانتهى بعزله ، هل هو ثورة شعبية أم انقلاب عسكري ، لذلك كانت هذه الخطوة المبكرة إعلانا بقلق معسكر السيسي من خسارة المعركة إذا تم بث المحاكمة على الهواء ، لأن وضع مرسي يختلف تماما عن وضع مبارك في المحكمة ، وأعلنت وزارة الداخلية أنها ستصور المحاكمة ثم تقوم ببثها بعد ذلك في التليفزيون الرسمي ، وتم سحب كل أجهزة التصوير والهواتف النقالة من المحامين والصحفيين الذين سمح لهم بالحضور ، وفي النهاية لم يبث التليفزيون الرسمي سوى أقل من دقيقة واحدة ، دون أن يكون فيها أي لقطة يمكن أن تستخدم في معركة التأثير المعنوي ، وهو ما يعني أن مرسي كان متماسكا وأنه تكلم بصورة أربكت خصومه ، وربما أربكت المحكمة ذاتها حسب ما تسرب ، في المقابل حقق معسكر الفريق السيسي الحد الأدنى من المطلوب وهو إدخال مرسي القفص كمتهم أمام القضاء ، مثله مثل مبارك ، في محاولة لإعطاء الرسالة التي بحث عنها خلال الأسابيع الماضية بدون نتيجة ، وهي أن يقتنع أنصار مرسي بأن كل شيء انتهى ، وأن الواقع الجديد فرض نفسه ، والبلد دخلت في فصل جديد من اللعبة . في التقييم الأولى حتى الآن ، يمكن القول بأن معسكر مرسي حقق انتصارا معنويا مفاجئا ، مقابل إخفاق معسكر الفريق السيسي في تثبيت رسالته لأنصار مرسي بأن اللعبة انتهت ، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة في المعنويات العالية التي تكلم بها أنصار مرسي بعد المحكمة مقابل العصبية والتوتر الذي اتصفت به ردود أفعال مناصري الفريق السيسي ، أيضا حجم الحشود التي ظهرت في عموم مصر ، وخاصة مظاهرات المحكمة الدستورية وكورنيش النيل إضافة إلى ما جرى في المحافظات وخاصة الصعيد وإرسال الجيش والشرطة لطائرات الهليوكبتر لتصويرها ومتابعتها ، وأيضا الانتشار المكثف للدبابات والجنود في الشوارع ووسط العاصمة والمحاور الرئيسية والصدامات الدامية التي تجددت ، كل ذلك يعطي الرسالة الأهم ، وهو أن مصر ما زالت أبعد ما تكون عن الاستقرار السياسي والأمني ، وبالتبعية الاقتصادي ، وأنه بعد أربعة أشهر من عزل مرسي وتدشين خارطة طريق جديدة ، ما زال المصريون يحاصرهم القلق من المستقبل ، ويفتقدون الثقة في قدرة الإدارة الجديدة للبلاد في الخروج بها من أزمتها وانقسامها .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1