جاء أحد وزراء الرئيس الأمريكي الراحل ثيودور روزفلت يشكو له من قسوة هجوم الصحافة عليه فابتسم روزفلت وقال ساخرا : من يعمل داخل المطبخ لايحق له أن يشكو من حرارة الفرن. هكذا يتعامل رؤوساء الدول الديمقراطية مع مسألة النقد الموجه لهم حتى اذا كان لاذعاَ ، فهؤلاء يؤمنون أشد الإيمان بحرية الرأى والتعبير الى أقسى الحدود ، ولا يجرؤون على غلق صحيفة أو قناة انتقدتهم ، أو حبس صحفى أو مذيع سخر منهم طالما كان هذا فى حدود اللياقة والأدب وبما يسمح به القانون. أما فى الدول غير الديمقراطية أو التى تخطو خطواتها الأولى نحو الديمقراطية ، فلا يحق لأى إعلامى أو أى شخص انتقاد رئيس الدولة أو حاكمها أو أى أحد من المسؤولين الكبار ، لأن شعوب تلك الدول تعتقد أن حكامها ومن هم فى مرتبتهم أشخاص منزهون عن فعل الأخطاء ولايمكن الإقتراب منهم مهما فعلوا ، وبعبارة صريحة الحديث عنهم أو التجاوز فى حقهم هو خط أحمر من يتعداه يلقى مصيره وحسابه. للأسف الشديد فى مصر مازال هناك قطاع عريض من الشعب ينتمى الى هؤلاء الرافضون لكل من ينتقد حكامهم ،ولا يؤمنون بحق كل انسان فى التعبير عن رأيه طالما أنه لم يسب أحد أو يحط من كرامته الإنسانية، والأغرب من ذلك أن يأتى موضوع حرية الرأى والتعبير على حسب الأمزجة لبعض الناس، فينادون بها ويدعمونها تارة عندما تأتى على أهواءهم، ويرفضونها عندما تأتى بما لايحبون ويعتبرونها وقاحة وقلة أدب وربما يتظاهرون لمعاقبة من قام بهذا الفعل. ما حدث مع الإعلامى باسم يوسف عقب ظهوره مرة أخرى فى برنامجه الشهير"البرنامج" بعد انقطاع استمر 4 شهور يثبت صحة ما سبق، فقد هاج وماج بعض من أنصار الفريق أول عبدالفتاح السيسي معتبرين أن ما جاء فى الحلقة يعتبر اساءة وإهانة للجيش المصرى ولقائده العام، وأنه لا يصح نقدهم أو "الٍاساءة اليهم"- على حد قولهم- لأنهم خط أحمر، بل وقاموا بمحاصرة المسرح الذى يقام عليه العرض ورفعوا لافتات ضد باسم يوسف، وتقديم بلاغات وشكاوى الى النائب العام. الحقيقة أن الحلقة لم تتضمن أى اساءة مطلقاَ للفريق السيسى ولاحتى للجيش المصرى العظيم الذى نكن له نحن المصريون كل اعزاز وتقدير، وأكثر ما يعاب على هذا البرنامج هو الإيحاءات الجنسية المتكررة التى يستخدمها فريق العمل، والتى نأمل أن يبتعد عنها أو يتخلص منها نهائياَ. الفريق السيسى هو قائد وطنى عظيم ودوره لا يمكن أن تنساه مصر، أو ينساه المصريين أبداّ، فقد انحاز الى ارادة الشعب ووقف بجانبه ، وجنب الوطن الوقوع فى ويلات الحرب الأهلية، ولكن هو فى نهاية الأمر انسان يصيب و يخطىء وبشر ليس معصوم ولامنزه ، ومن حق كل مواطن انتقاده اذا اخطأ ، فلا يوجد مواطن مهما علا مركزه أو مهما حصل على مراتب فوق المحاسبة أو النقد.. فالمصريون جميعاَ سواء امام القانون. لقد كسر الإعلامى الساخر باسم يوسف، الملقب بجو ستيوارت المصرى، جميع التابوهات وخاض فيما يعتبر محرمًا في الثقافة المصرية – كماأشارت لهذا صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية- منذ أن بدأ برنامج "البرنامج" فى أواخر العام الماضى عقب انتخاب د. محمد مرسى كرئيس للجمهورية. استمرار وجود هذا البرنامج من عدمه سيكون التحدى الحقيقى أمام حرية الرأى والتعبير فى مصر خاصة بعد قيام ثورة 30 يونيو 2013 والتى عدلت مسار ثورة 25 يناير 2011 والتى كان من أهم اهدافها حق كل مواطن مصرى وحريته فى التعبير عن رأيه، والرجوع عن هذا سيعتبر ردة عن مكتسبات هاتين الثورتين وانحراف عن المسار الديمقراطى التى دائماَ وأبداَ ما تؤكد عليه السلطة الحاكمة فى مصر. أثق تمام الثقة أن الحملات المسمومة والمسعورة التى يشنها كارهى الإبداع وأصوات الجهل ضد مبدعى هذا الوطن لن تنال منهم أبداَ، بل على العكس ستعطيهم دفعة وقوة لمزيد من التفوق والنجاح.