مجدي البري: «مصر معاكم» تعبير راق عن امتنان الدولة لأسر الشهداء    رئيس جامعة بني سويف يتفقد أعمال امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التجارة    وزير التعليم العالي ومحافظ القليوبية يفتتحان مشروعات تعليمية وصحية ب جامعة بنها    محمود فوزي: الحكومة أوفت بالنسب الدستورية المقررة للقطاعات ذات الأولوية في الموازنة    «المشاط»: مؤسسة IFC تعمل على تنويع مصادر تمويل القطاع الخاص في مصر    وزيرة البيئة: لأول مرة 600 مليون جنيه إيرادات المحميات.. وتطويرها بالتمويل الذاتي    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    وزير المالية أمام النواب: حجم الدين مناسب للاقتصاد وسينخفض مستقبلًا    ترامب: لن نسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي.. وكل الخيارات مطروحة    التصعيد بين إسرائيل وإيران يُنذر بانفجار إقليمي وحرب نووية في الشرق الأوسط    السفارة الصينية في إيران تحث رعاياها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن    مصعب الجوير جاهز للمشاركة مع الهلال ضد ريال مدريد    ننشر أسماء أوائل الشهادة الإعدادية بمحافظة الدقهلية    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم لحيازته وتعاطيه المخدرات بالسلام    تراجع كبير بإيرادات أفلام العيد والمشروع x في الصدارة    السفير البريطانى فى القاهرة: علاقتنا مع مصر تاريخية على جميع المستويات    اليوم.. عزاء نجل صلاح الشرنوبي بمسجد الشرطة فى الشيخ زايد    محافظ كفر الشيخ: مبادرة من بدرى أمان خطوة نحو تعزيز الصحة والوقاية المبكرة    محافظ المنوفية يفتتح وحدة الأشعة المقطعية الجديدة بمستشفى زاوية الناعورة    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    اتحاد الكرة يبحث عن وديتين قويتين لمنتخب مصر قبل أمم أفريقيا    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    محافظ المنيا: استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 509آلاف طن منذ بدء موسم 2025    ننشر أسماء أوائل طلاب الشهادة الإعدادية ببنى سويف 2025    ارتفاع ضحايا حادث تصادم سيارة بأخرى تحمل عمالة زراعية إلى 4 وفيات في البحيرة    مصرع 3 عمال زراعيين وإصابة 15 في حادث على الطريق الصحراوي بالبحيرة    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    طلاب الثانوية العامة بالفيوم: "امتحان اللغة الأجنبية الثانية فى مستوى الطالب المتوسط لكن به بعض التركات الصعبة جدا    «برج العرب التكنولوجية» تفتتح ثالث فروع جامعة الطفل بالشراكة مع نادي سموحة (صورة)    رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يتابع اختبارات الدراسات العليا ويشيد بسير العملية الإمتحانية    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    من مؤتمر نسائي إلى أجواء حرب.. إلهام شاهين تحكي لحظات الرعب في رحلة العراق    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    "الغرفة" و"هذه ليلتي" في ختام عروض التجارب النوعية المسرحية بالغربية    برفقة صديقها.. نور عمرو دياب تدعم شيرين رضا في العرض الخاص ل «في عز الضهر»    هشام ماجد يسترجع ذكريات المقالب.. وعلاقته ب أحمد فهمي ومعتز التوني    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجامع الأزهر: حب الوطن غريزة متأصلة والدفاع عن قضايا الأمة يجسد منهج النبوة    ارتفاع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    جدول مباريات اليوم: مواجهات نارية في كأس العالم للأندية ومنافسات حاسمة في الكونكاكاف    نصائح لطلاب الثانوية العامة لحماية انفسهم من التعرض للإجهاد الحراري    ترامب: دعوت لإخلاء طهران حفاظا على سلامة مواطنيها    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    جامعة قناة السويس: تأهيل طبيب المستقبل يبدأ من الفهم الإنساني والتاريخي للمهنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    بدء التشغيل التجريبي لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    تغييران منتظران في تشكيل الأهلي أمام بالميراس    «غاضب ولا يبتسم».. أول ظهور ل تريزيجيه بعد عقوبة الأهلي القاسية (صور)    التصعيد مستمر.. إيران تضرب «حيفا» بموجة صواريخ جديدة    وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاجون بنشر قدرات إضافية في الشرق الأوسط    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسيحيو مصر.. الهروب إلى الهاوية (1)
نشر في المصريون يوم 21 - 09 - 2010

يمكن النظر إلى العلاقة بين المسلم والمسيحي في مصر، باعتبارها قضية تخص الجماعة الوطنية المصرية، وتشكل حالة هذه الجماعة، ومدى تماسكها أو تفككها، ولكن يمكن النظر إلى هذه العلاقة أيضا، من خلال الوضع في الإقليم العربي والإسلامي، ودور في مصر في إقليمها، سواء في الحاضر أو في المستقبل. والفرق في مستوى التحليل له علاقة بالعوامل التي سوف تحسم تلك العلاقة، أو تشكل مصيرها. فالناظر إلى العلاقة بين المسلم والمسيحي في السياق المصري، يحاول الكشف عن أسس تلك العلاقة وما أصابها من مشكلات أو أزمات، والناظر لهذه العلاقة في السياق الإقليمي، سيرى مدى تأثير تلك العلاقة على موضع مصر، وبالتالي مدى تأثيرها على المنطقة العربية والإسلامية. وكل مستوى له أهميته، والغالب أن المستوى المحلي الوطني يمثل جزءا من المشهد الإقليمي، والذي بدوره يمثل الصورة المتكاملة. فالعلاقة بين المسلم والمسيحي في مصر، هي جزء من مشكلات العلاقة بين مكونات الأمة الإسلامية، والتي تسهم بدور ملحوظ في تشكيل مستقبل الأمة ومسارها الحضاري والتاريخي.
فالأمة الإسلامية تواجه تحديات وجودية تتعلق بتحقيق وحدتها، بعد أن تعرضت لعملية تفكيك منظم عبر عدة عقود بفعل التدخل الخارجي والعوامل الذاتية. لذا أصبحت الأمة تواجه تحدي استعادة وحدتها من جديد، لأن تلك الوحدة كانت سببا مهما في قوتها ونهضتها في المراحل التاريخية السابقة، فأصبحت وحدة الأمة هي العنوان الأول لبداية مرحلة النهوض واستعادة الدور الحضاري للأمة. فكل المؤشرات تدل على أن الأمة الإسلامية تحقق نهضتها بعد أن تحقق وحدتها، وأن وحدة الأمة الإسلامية أساس مهم في بنيتها وهويتها. ومادامت وحدة الأمة، تمثل غاية مركزية، لذا تصبح وحدة المجتمعات المشكلة للأمة، جزءا من وحدة الأمة. فإذا تحققت وحدة مجتمعات وأوطان الأمة، فإن ذلك يمهد لوحدة الأمة الإسلامية السياسية.
ولكل وطن من أوطان الأمة دور مهم في حياتها، وتختلف أدوار الأوطان تبعا لموقعها وموضعها، ومصر لها دورها المهم في تاريخ الأمة الإسلامية، وهو دور له مميزاته الخاصة. فيمكن القول: أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تحقق وحدتها دون أن تكون مصر جزءا من تلك الوحدة، ولا يمكن أن تهيمن أي قوى أجنبية على العالم العربي والإسلامي دون أن تهيمن على مصر، ولا يمكن أن يسود مشروع سياسي في العالم العربي والإسلامي، دون أن يسود في مصر، ولا يمكن أيضا أن يتحقق المشروع الإسلامي ويحكم العالم العربي والإسلامي، دون أن يحكم مصر.
لذا فمصر تمثل موضعا مركزيا في مشروع وحدة الأمة الإسلامية، وفي مشروع بناء المرجعية الحضارية الإسلامية والنهضة الإسلامية والدولة الإسلامية. وحتى يبنى المشروع الإسلامي وتتحقق وحدة الأمة الإسلامية، يجب أن تكون مصر جزءا من هذا المستقبل، وبدونها يصعب تحقيق ذلك. قد يأتي دور مصر أولا، أو في مرحلة من المراحل، أو حتى في نهاية تلك المراحل، ولكنه يجب أن يأتي، وهذا ما يكشف عنه التاريخ في تصوري.
وفي مصر توجد أزمة، في العلاقة بين المسلم والمسيحي، وحالة احتقان ديني، وأحداث نزاع ديني عنيف. وتلك الحالة تدل على أن الجماعة المصرية فقدت تماسكها، وتعرضت لشرخ اجتماعي وثقافي وحضاري، يؤثر على وحدتها وتماسكها وقوتها، ويعرضها للخطر. وتتعدد تعريفات تلك الحالة، وكل تعريف قد يعرض لجانب منها، ولكن هناك بالطبع جوانب مركزية. فتماسك الجماعات الوطنية، يقوم على التوافق حول المرجعية والهوية، والتي تمثل الطابع السائد والتيار الغالب، ومنها تتحدد القضايا الوطنية، والمواقف المجمع عليها، وتتشكل الغايات النهائية والأهداف العليا، ومنها أيضا تتحدد القيم العليا التي تحكم النظام الاجتماعي ويفترض أن تحكم النظام السياسي، ومنها كذلك يتحدد الانتماء الثقافي والحضاري. فلا توجد جماعة وطنية متماسكة، دون أن تكون متوافقة على هويتها، وتعرف قيمها العليا، والمبادئ التي تلتزم بها، فكل تلك العناصر تشكل النظام العام الذي تلتزم به الجماعة الوطنية، ويفترض أن يلتزم به النظام السياسي. وبدون وجود توافق حول نظام عام، لا يمكن قيام جماعة وطنية، ولا يمكن أيضا تحقيق الاجتماع البشري، لأن الاجتماع البشري المنشئ للمجتمعات، يقوم على توافق مجموعة من البشر حول نظام عام وقيم عليا وغايات ومبادئ، ومن هذا الاتفاق ينشأ المجتمع.
وفي مصر توجد أزمة في العلاقة بين المسلم والمسيحي، وتلك الأزمة ترتبط في جانب مهم منها، بتعريف الهوية والمرجعية الحضارية. فقد حدث في مصر انشقاق في الوعي بالهوية بين الجماعة المسلمة والجماعة المسيحية، وهو ما أدى إلى جانب عوامل أخرى، إلى حدوث نزاع ديني واحتقان وتوتر في العلاقة بين المسلم والمسيحي. فأصبحت التوترات الحادثة تنتج من خلاف في تحديد الهوية، فأصبحت خلافات بين جماعات مختلفة في الهوية، مما عمق الأزمة، وفتح الباب أمام استمرار التوتر والتصعيد.
وأزمة الهوية ترتبط ارتباطا مباشرا بمستقبل الأمة الإسلامية، لأنها ترتبط بمسألة وحدة الأمة الإسلامية، كما ترتبط بالمرجعية الحضارية لها. فإذا كان اختيار الأمة الإسلامية هو التمسك بمرجعيتها الحضارية الإسلامية، فإن الجماعة المسيحية في مصر قد عزلت وفصلت نفسها عن تلك المرجعية، وإذا كان اختيار الأمة الإسلامية هو تحقيق الوحدة الإسلامية، فإن الجماعة المسيحية في مصر فصلت وعزلت نفسها عن الهوية الإسلامية، واعتبرت أن هويتها مصرية خالصة. لذا فكل مشاريع الوحدة الإسلامية، أو مشاريع استعادة الهوية الإسلامية كمرجعية للنظام العام، وكل محاولات تحقيق المشروع الإسلامي في المجال السياسي، تصطدم في مصر بموقف الجماعة المسيحية الرافضة لتلك المشاريع، والرافض للهوية العربية الإسلامية جملة. وكل محاولة لبناء المشروع الإسلامي، وأيضا كل محاولة لتأكيد الهوية الإسلامية في المجتمعات العربية والإسلامية، وكذلك كل محاولة لعلمنة المجتمعات العربية والإسلامية، وأيضا كل محاولة لفرض النماذج الغربية، تصب في النهاية داخل العلاقة المتوترة بين المسلم والمسيحي. فتصبح الصدامات بين المسلم والمسيحي، جزءا من معارك الأمة الكبرى، وجزءا من المواجهة بين المشروع العلماني والمشروع الإسلامي، وجزءا من المواجهة بين الحركة الإسلامية والنظم الحاكمة، وأيضا جزءا من المواجهة بين شعوب الأمة الإسلامية والقوى الغربية المهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية.
وأزمة الجماعة المسيحية في مصر، ترتبط أساسا بأنها خرجت من الهوية العربية الإسلامية الجامعة، وأصبحت تعمل من أجل هوية قومية مصرية، تفك روابط مصر مع محيطها العربي والإسلامي. وهذا التوجه ظهر في داخل الجماعة المسيحية في مصر، وبعض الجماعات المسيحية أو غير المسيحية في بعض البلاد العربية والإسلامية، دون أن يكون تيارا سائدا في الأمة، بل على العكس من ذلك، فمع نمو التيار الإسلامي المستند للمرجعية الحضارية والدينية في مختلف أرجاء الأمة، ليشكل تيارا عاما يقوم على الهوية الإسلامية في مختلف البلاد العربية والإسلامية ومنها مصر، كانت الجماعة المسيحية في مصر تتجه في مسار آخر، قريب من مسار النخب العلمانية والنخب الحاكمة والمشاريع الغربية، وتبني هويتها على أساس قومي مصري خالص. فأصبحت هوية الجماعة المسيحية تفترق وتبتعد عن الهوية السائدة في المجتمع المصري.
وأزمة الهوية تمثل جزءا أساسيا من أزمة العلاقة بين المسلم والمسيحي في مصر، فهي وجه من وجوه المشكلة، وربما تكون الوجه الأهم، ومع ذلك فإن الجماعة المسيحية في مصر تتجه إلى تأكيد هويتها المصرية الخالصة ورفضها للهوية العربية والإسلامية، وكلما تزايدت المشكلات نجد توجها متزايدا نحو فصل هوية الجماعة المسيحية عن الهوية العربية والإسلامية، مما يزيد الفجوة مع الجماعة المسلمة. ومع تزايد تلك الفجوة تزيد المواجهات بين المسلم والمسيحي، ولكن الجماعة المسيحية تتجه لتعميق تلك الفجوة، رغم أن ذلك يعرضها لمواجهات أشد. وتندفع الجماعة المسيحية في طريق يعرضها لمخاطر كبيرة، وتتصور أنها تحمي نفسها من مخاطر تتعرض لها.
وإلى المقال القادم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.