لا يمكن أن نفصل بين ما يحدث في الكنيسة المصرية ونزوعها إلى العنف والتطرف والصدام مع المخالفين عن السياق الكنسي العام في صيغته الدولية.. والغرب في مركزه الأساسي.. وهو "التوحد" أو "التوافق" الذي يحتاج إلى تتبع سيرة ما يحدث في الغرب وتسجيل العلاقة بين الكنيسة والعنف وربط العودة إلى المسيحية السياسية بتوتير العالم وتفخيخ السلام العالمي ووضعه على "لغم طائفي" قد يعيد عصور الحروب الدينية إلى العالم مجددا الغرب الحالي وكما هو معروف هو نتاج انتصاره "النهائي" على "المسيحية السياسية"، والتي تركت في الذاكرة الجماعية الغربية، خبرة "مؤلمة" لدمويتها غير المسبوقة في التاريخ الإنساني، ولعل ذلك ما حمل الغرب على أن يصر بأن تظل "الكنيسة" بمنأى عن "السياسة"؛ خشية العودة إلى عصر "الحروب الدينية" الدموية مجدداً. هذه التجربة تخص الغرب وحده، وإن كان البعض في العالم الإسلامي، يريد من المسلمين أن يسدّدوا فاتورة هذه التجربة، بتحويلهم إلى صورة "مستنسخة" من خبرة الغرب مع "المسيحية السياسية".. ومع ذلك فإن الغرب اليوم، مسؤول عن ظاهرة العودة التدريجية للمسيحية السياسية في العالم، وإن اتخذت خطواتها "البكر" في صورتها "الروحية" المحضة.. إذ يعطي الغرب في نسخته العلمانية الأكثر تطرفاً وشذوذاً، مسوّغاً وشرعية ل"البديل الروحي" المسيحي. وعلى الرغم من أن الكنيسة الغربية، منقسمة في مواقفها ما بين الخضوع ل"الشذوذ العلماني" اعترافها بالزواج المثلي مثلاً وما بين تصديها له في بعض الملفات مثل حق الإجهاض إلاّ أن "الفراغ الروحي" الذي لم تكترث به العلمانية الغربية طوال القرون الماضية، بدأت الكنائس على الرغم من اضطراباتها وفضائحها الأخلاقية تتمدّد فيه، على النحو الذي يمهد لعودة النفوذ السياسي للكنيسة، بكل حمولتها المكتظة بتراث العنف التاريخي الذي مارسته في صورة حروب دينية كانت الأكثر دموية في التاريخ. هذه الظاهرة سجلها مسح تحليلي أجرته مؤسسة (بيو فورم) لبحوث الأديان، في شهر أبريل من العام الماضي، مبنياً على آراء (742) أمريكياً بالغاً، بين الفترة من 14 إلى 21 أبريل 2009، وشمل طوائف البروتستانتيين الإنجيليين البيض، والكاثوليكيين البيض غير اللاتينيين. النتيجة أعلنتها المؤسسة يوم 29/4/2009، وقالت بالنص وبحسب ما نقلته ال (سي إن إن) يوم 1/5/2009 : "إن قابلية الأمريكيين لدعم استخدام التعذيب مع المشتبه بهم في الإرهاب، تزيد مع زيادة ذهابهم إلى الكنائس لحضور القداسات الأسبوعية". الدراسة التي أجرتها (بيو فورم)، أكدت العلاقة بين الميل إلى العنف وبين التردد على الكنائس".. ولعل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، كانت انفعالاته العنيفة والمتطرفة والدموية، نتاج حضور "المسيحية السياسية" في تصوّراته الخاصة عن "المخالف الديني" وتصنيفاته الحادة للعالم: محور الشر ومحور الخير.. من ليس معنا فهو ضدنا.. ثم ذروة هذه النزعة في إعلانه "الحروب الصليبية" على العالم الإسلامي. من الواضح إذن أن حركة الإصلاح الديني التاريخية، لم تثمر تغييراً جوهرياً، في المزاج الكنسي العام، والذي مارس العنف الدموي مع المخالفين، وظل يُتوارث عبر الأجيال داخل الكنائس بعيداً عن رقابة الدولة، فيما لم يُكشف عنه إلاّ عن طريق محاولات خجولة لبعض المؤسسات المختصة بعمل استطلاعات ودراسات تحليلية، وهي قليلة جداً، أو عن طريق بعض المحكات والمواقف التي تستفز في الإنسان المسيحي، إحساسه ب"التهديد" من الآخر المخالف له في الدين. وفي هذا السياق تظل العلاقة بين الميل إلى العنف والكنيسة.. ظاهرة تستحق المراقبة والمسح التحليلي الدائم؛ لأن تجاهله ستسدّد الإنسانية كلها فاتورته، عنفاً وإرهاباً واضطرابات.. إذ يظل بوش هو "النموذج" لهدية الكنيسة الوحيدة للعالم حتى الآن.. فيما تبقى "الشنودية" في مصر هي "ثمرة" هذه العودة إلى "المسيحية السياسية" بكل حمولتها المؤمنة بالعنف سبيلا ل"نصرة" البلد لتحيل المنطقة إلى بؤرة توتر طائفي قد تمتد حرائقه إلى أكثر من مكان في العالم. [email protected]