حينما أرسل النبي صلى الله عليه و سلم سرية عبد الله بن جحش إلى قرية نخلة بين مكة و الطائف لترصد قافلة لقريش و كتب له في كتاب أمره أن يفتحه بعد يومين من سيره "إذا نظرت في كتابي هذا فامضِ حتى تنزل نخلة بين مكةوالطائف، فترصَّد بها عير قريش، وتَعْلَمَ لنا من أخبارهم" ، و لم يأمرهم بقتال و لم ينههم فصادف ذلك آخر يوم من شهر رجب الحرام ، فتحير عبد الله و أصحابه ماذا يفعلون ، فلو تركوهم و لم يهاجموهم لفرت القافلة إلى مكة القريبة و دخلوا إلى الحرم ، و لو قاتلوهم لانتهكوا الشهر الحرام ، و لكنهم اختاروا الثانية ، فقاتلوا و غنموا و ساقوا أسرى و جاءوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم و أخبروه بما فعلوا بالتفصيل ، فعنفهم النبي صلى الله عليه و سلم على ما اقترفوا و انتظر نزول الوحي بأمر الله في تلك الحادثة ، و طارت قريش بالأخبار تشنع على الرسول و أصحابه و كيف أنهم يزعمون تعظيم الأشهر الحرم و هم ينتهكون حرمته و يستبيحون قتال الناس فيه ، و قامت بنشر ذلك بين قبائل العرب الذي كانوا يعظمون القتال في الأشهر الحرم برغم شركهم ، و لأن الله سبحانه و تعالى يعلم سوء طويتهم و خبث مقصدهم ، أنزل قرآنا يعظم فيه الأشهر الحرم و يحرم القتال فيه بل و يجعله كبيرا ، و لكن مع إيضاح أن الشرك بالله و الكفر به و إخراج النبي و صحبه من المسجد الحرام و قتل المؤمنين و تشريدهم و صدهم عن المسجد الحرام و عن سبيل الله و تعذيب النفوس المسلمة و تعريضهم للفتنة عن الدين أعظم عند الله من القتال في الأشهر الحرم ، ليقطع على هؤلاء دعايتهم الباطلة و شائعاتهم المغرضة ، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}البقرة/ 217 إن الكيل بمكيالين من أخس و أرذل صفات المنافقين الذين قال الله فيهم {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}المطَفِّفين/ 1- 3 "إهانة العلم المصري وعدم الوقوف احترامًا عند عزف السلام الوطني في مكان عام، أو بإحدى طرق العلانية يعتبر (جريمة) يعاقب فاعلها بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وبغرامة لا تزيد على 5 آلاف جنيه أو بإحدى العقوبتين". ما أشبه الليلة بالبارحة ، و كأن قتل الناس و اصطيادهم كالعصافير بالبنادق الآلية و غيرها و ازهاق أرواحهم و زهرة شبابهم و سفك دمائهم ، و كسر قلوب ذويهم ، أقل جرما من عدم الوقوف انتباه للنشيد الوطني!. إننا نجزم أن هؤلاء الشباب الثائر على اختلاف توجهاتهم أشد حبا لبلدهم و استعدادا لأن تزهق أرواحهم دفاعا عن دينهم و وطنهم من ملء الأرض من هؤلاء المدعين لحبها المتشدقين بهواها الذين لا يربطهم بها إلا الدرهم و الدينار و ما يحصلونه من مصالح شخصية يقاتلون في الدفاع عنها و التي أوشكت أن تهتز بعدما زرعت ثورة يناير في نفوس كثير من المصريين الترفع عن الدنايا و عن مجون و فساد المستفيدين من تسطيح أفكار الأمة و تسفيه طموحها و خراب عقول شبابها تحت دعاوى الفن و الثقافة و الحرية ، فأعرض كثير من الشباب عنهم و كادت تجارتهم أن تبور و أن ينفد رصيدهم ، حتى كانت أحداث يوليو الماضي فأطلوا برؤوسهم يريدون قطف الثمار و حصد المكاسب ، فكان نشيدهم القومي الذي فرضوه على الناس عنوة يعبر عن سقوطهم و خفة عقولهم و فساد ذوقهم ، و كأننا في حفل ماجن في أحط بيئات المجتمع .. و تسلم الأيادي !! إن الخفة التي نراها الآن في الشارع المصري لا يمكن أن تنهض أمة بها. إننا حينما نسمع في مصر الآن منذ ما حدث في الثالث من يوليو الماضي – و سمه ما شئت - الذي قسم الشعب المنقسم أصلا و كرس ذلك الانفصام حتى صار الناس فريقين ، فريق في التحرير و فريق في السعير ، فشعب التحرير أمة من دون بقية الناس ينعمون و تغدق عليهم من حلل الكرامة و كوبونات الهدايا و قلوب ترسم بالضياء و الدخان الملون من طائرات الهليوكوبتر المرحة ، و آخرون ليس لهم إلا التشويه و تلويث السمعة و الحرق و الابادة و الاعتقال و السجون و التهم المعلبة و القضاة الجاهزون. إن صفة الكيل بمكيالين التي لا يخجل أن يتحلى بها البعض في تلك الأيام العصيبة التي تمر بها مصر لتنذر بنذر غير طيبة قد يعود ضررها و شؤمها على جميع أهل مصر ، قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب) الأنفال/25