يقبل الناس علي مشاهدة أفلام الرعب لأنها تدخلهم في كهوف مظلمة داخل النفس البشرية لم يطرقوها من قبل ربما ظهرت علي شكل هواجس في أحلامهم أو مخاوف طفولية ترسبت في الأعماق دون أن يعيها أحد ،توقظ معايشة الفيلم الطفل بداخلنا وتذكرنا بالليالي التي قضيناها ساهرين ونحن نتأمل الخيالات المتراقصة علي الحائط والتي يرسمها تبادل الضوء والظل ، كانت الخيالات ممتعة وليست مخيفة لأننا ندرك أنها ليست حقيقية ، كان العفريت و أبو رجل مسلوخة والطيور المشوهة تنظر إلينا بمرح وننظر إليها باعتبارها بعض أصدقائنا المرعبين ، نفس الدور الذي يؤديه فيلم الرعب متعة الفزع الآمن أو رؤية الوحش وهو خلف القضبان . لكن النظرة تختلف عندما يصبح الكابوس واقعا معاشا ، واسألوا المعتقلين أولئك البشر الذين يجدون أنفسهم لأسباب واهية في متاهة اللاعودة حيث تنتهك آدميتهم وتنطفئ الشمس بداخلهم علي يد حراس حريصون علي إبقائهم علي قيد الحياة بتقديم الطعام والشراب وفراش الشوك لهم ،وكلما اقترب منهم الأمل واستعدوا للقفز خارج الكابوس أعادتهم هراوة الأمن له، أسوأ أنواع الكابوس هو الذي لا نهاية له ، هو الذي يخنقنا فإذا استيقظنا فجأة قلنا الحمد لله كان كابوسا ، وقد وصلنا للاختناق من الاعتقال المتكرر بلا غاية ولا نهاية ومن قانون الطوارئ الذي يجعل الرعب مقننا ، وعندما اقتربنا من الأمل في قفزة جريئة إلي الحرية أعادتنا العصا الغليظة إلي بداية اللعبة . لايدفع المعتقل وحده ثمن سوء حظه الذي أوقعه رهينة في أيد البطش التي تريده فزاعة تخيف بها الآخرين، بل يدفعها أيضا أهله و ذووه وجيرانه الذين يتسرب منهم و إلي الأبد الإحساس بالأمن و الانتماء ، ولأن الرغبة في الشعور بالأمان والانتماء حاجة فطرية أولية فإن تلك النفوس تتصدع وتعاني من التشوهات ولأنهم يخالطون غيرهم فهم ينقلون نفس الفيروس الذي يسبب أوبئة الخوف الجماعي والنكوص وعدم القدرة علي الفعل . تؤدي أوبئة الخوف وعدم الانتماء إلي التخلف المجتمعي وانتشار الفساد وإحساس الناس بالأنانية وسقوط المبادئ والقيم ، وعندما تفوح رائحة الفساد و تزكم الأنوف تنفجر فضائح جديدة تزيد المناخ العام للمجتمع وبالا ، أشد الناس تأثرا هم الشباب الصغير الذي يغريه حلم الطهاره والمثالية ولاتتحمل نفسه الغضه كل هذا الفساد ،ولأنهم لا يجدون جهة ترشدهم وتأخذ بيدهم فإنهم يتشاورون فيما بينهم ويقترحون خططا وحلولا ساذجة وبسيطة كأحلامهم ، لكنها خطيرة ومرعبة مثل خيالات الكوابيس المتراقصة علي جدران بيوتهم ،بالرغم من كل شئ يبدو الأمر كله لعب عيال ، ولا يستطيع أن يرعبنا حقيقة ، ولكن إلقائهم لوحش الاعتقال هو الذي يفزعنا خاصة عندما تتخذ قضيتهم ذريعة لمد العمل بقانون الطوارئ . قضية الشباب المحبط الذي يفتقد القدوة ويتخبط معبرا عن قلقه بالاتجاه إلي التطرف الفارغ من المضمون تحتاج حلولا تحتويها ، تحتاج رؤية علاجية وليست رؤية عقابية ، ماذا سيستفيد المجتمع من إلقاء الشباب وراء الشمس إلا زيادة حجم المرارات وبؤر التشوه بين الناس ، أليس من الأفضل استيعابهم والاستماع إليهم وإعادة دمجهم في المجتمع كمواطنين صالحين طالما أن اتهاماتهم لم تتجاوز مرحلة التفكير ، إن الله سبحانه وتعالي يتجاوز عن خطايا البشر ما لم يعملوا بها ، بل إن من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة ، من صالح المجتمع أن نزيد رقعة الخير ونحجم الشر وما يؤدي إليه . من يكسر حلقة الرعب المتمثلة في العنف و الاعتقال والعنف المضاد وتفريخ التطرف وقانون الطوارئ ؟