ان نظرة سريعة الى الثروة الضخمة من التراث الإسلامى فى النواحى المختلفة والمتنوعة الفكرية منها والعلمية والانسانية والسياسية والروحية والتشريعية ,تقدم لنا قناعة واضحة وأكيدة بأن هذه الثروة وهذا المخزون الثقافى الذى تمتلكه هذه الامة ليس الا عطاء حضاريا متقدما قدمه الإسلام وعلماء المسلمين على مدى التاريخ الى العالم من خلال اجتهاداتهم التى لم تتوقف يوما ما , وليس كما يحلو للبعض القول بان قريحة علماء المسلمين قد توقفت عن التفكير والتطوير والبحث عن الجديد. .ان علماء المسلمين القدامى أبدعوا وبجدارة فى شتى الحقول العلمية والمعرفية والمجتمعية وفى اعتقادى أن باب الاجتهاد لم يوصد يوما ما ,وانما أوصدت أو أقفلت بعض عقول المسلمين فى قترا ت معينة من التاريخ نظرا لظروف خاصة . ان الإسلام فى فلسفتة وحكمة عقيدته دعا ويدعو الى حسن التعايش السلمى المحلى والعالمى مع كل الناس فى أى مكان من أرض الله الواسعة, وقد وضع لذالك المعايير الدقيقة لضمان التعايش واستمراره, تحدث عنه القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والتراث الاسلامى منذ البعثة مرورا بالعصور الاسلامية وعلى مدى التاريخ الاسلامى . فالاسلام فى فلسفته العالمية يأمرنا أن نسالم من سالمنا , وألا نتجاوز العدل الى الظلم ,بل الاسلام يجرم الاعتداء على الاخرين ويعتبره جرما وجريمة ,بل ويعتبر الساكت عن الحق مشاركا فى الجريمة المرتكبه, حرصا منه على سلامة المجتمعات الانسانية وصيانة أمنها وسلامتها وتعايشها ,لا كما يفعل البعض زورا وبهتانا, بل أقول تضليلا فى تحميل الاسلام ما لم يحتمل ,يحملون الاسلام أوزارهم وخطاياهم كاملة فيزهقون أرواح الابرياء ويروعون الامنين زعما منهم من أنهم يدافعون عن الاسلام ويقدمون خدمات جليلة له,كبرت هذه الكلمة . انه لمن الضرورة ومن الحكمة بمكان ,مواجهة ومجابهة سوء الفهم للاسلام من قبل بعض أتباعه ومن قبل خصومه أيضا فى الداخل والخارج ,ذالك الفهم الذى يتسبب فيه ذالك النفر من فقراء الفكر وضحالة الثقافة الدينية ,والذين يلخصون الاسلام السمح الحضارى فى قوالب وشعارات جوفاء تعنى بقشور الدين وتجعلها هى الاصول فتثير من أجلها الشقاق والفرقة وربما اراقة الدماء التى حرم الله ازهاقها الا بالحق ,وتصرف بها الامة كل الامة عن حقيقة أهدافها ,وتضل طريقها الى السلام والتعايش السلمى الذى دعا اليه الاسلام وثبت أركانه ودعائمه, والتعاون البناء على كل ما ينفع الآمة وما تنتفع به البشرية كافة . ان الاسلام يمد يده بقلب مفتوح وعقل واع لفتح أبواب الحوار مع الاخرمنا, ومع الاخرمن ليس منا والتعاون على تثبيت دعائم التعايش السلمى بين الشعوب والامم من أجل تحقيق أهداف البشرية فى الآمن والاستقرار والسلام . فالاسلام لا يحبذ الدخول فى صراعات ومواجهات مع الاخرين لا أول لها ولا اخر, ولا يحبذ بل يحظرأن يقع ذالك مع الناس جميعا فضلا عن مع بنى الجلدة والاخوة فى الوطن والدين والعقيدة والاصل, وذالك مصداق لقول رسول الله صلىى الله عليه وسلم "" لا تتمنو لقاء العدو واذا لقيتموهم فاثبتوا "" , لاننا ببساطة ينبغى ألا نكون دعاة حرب ولا عنصرية ولا طائفية ولا استعلاء , وأن نعلم عين اليقين أن الاصل فى جوهرالعقيدة الاسلامية وفى العلاقات بين الافراد والجماعات والدول السلم وليس الحرب. ان الاسلام يدعو الى السلام المبنى على العدل والمساواة والاعتدال وينبذ التطرف بكل أشكاله ويقرر بأن ذالك لاعلاقة له بالاسلام من حيث المبدأ أو السلوك ,لان الاسلام يقوم على ركائز من الفكر السوى واستخدام المنطق, فيقابل الدعوى بالحجة والطرح بما يدعمه من الدلائل والبراهين ,ويحرم الاسلام الجور والتسلط حتى فى حق المخافين لنا فى العقيدة أو الفكر, كما جاء فى سور العنكبوت الاية 46. ان الاحسان الى الاخرين فى مفهوم الاسلام وفلسفته لا يقتصر على اسداء المعروف لهم فقط ,وانما يتعدى الى احترام حق الاخرين فى الرأى والاعتقاد والفكر ,مما يجعل التعايش الانسانى ليس ممكنا فحسب وانما هو أساس جوهرى فى الحياة مع كل البشرية لتسعد به. فالتعايش السلمى فى الاسلام يتمثل فى احترام حق الغير المحلى أو العالمى فى ممارسة حقوقه البشرية, بالاضافة الى توفير حق الحماية له فى العيش بسلام حتى فى حال الخلاف والاختلاف . ان الاسلام كدين يوجه كل اهتماماته الى انسانية الانسان فهى قاعدة ارتكاز, ينطلق منها الاسلام انطلاقه الحضارى منذ الوهلة الآولى لظهور فجر الاسلام . اذا قمنا بتحليل موضوعى عبر حوادث التاريخ ووقائعها الى جانب ما فى الاسلام من أحكام وتشريعات وتعاليم ,نجد أن الاسلام قدم منهجا يعرف الانسان كيف يرقى بانسانيته بفضل منهج التحلى بالقيم المثلى للاسلام ,فى عهد الاسلام الاول وفى فترات تلت ذالك العصر الذهبى للاسلام الخالد . وبما أن رسالة الاسلام رسالة عالمية وليست محلية أو قومية أو اقليمية, جاءت لكل بنى الانسانية ولكل الشعوب من أجل اسعادهم وحفظ مصالحهم وهى دعوة للانسانية جمعاء .مصداقا لقوله تعالى "" وما أرسلناك الا رحمة للعالمين "" ان هدف رسالة الاسلام فى المقام الاول ,الانسان العالمى -لانه محور الوجود ومن أجله جاءت الرسالات تلو الرسالات- والتعايش معه دون تفرقة بين انسان وانسان , وبين قوم أو قوم, وبين جنس أو جنس وقد شكل انبعاث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعطفا تاريخيا فى حياة الناس والبشر ,وتحولا فى حياة الناس وتعاملاتهم وتعايشهم ,تحول فيه الخطاب من قومية محلية الى عالمية الاسلام , وتحول من عزلة المجتمعات البشرية الى وحدة الآسرة البشرية وتعاون وتعايش مجتمعاتها ,حيث سمع الناس لآول مرة فى تاريخهم الانسانى فكرة المجتمع الانسانى الواحد ,تجمعهم روابط الانسانية والاخوة العالمية , وتهدم دعوة الاسلام حواجز التعصب والعنصرية لا فرق بينهم الا على أساس ما حباهم الله به من الفكر والعقل والتدبر والعمل , وعلى أساس ميزان التفاضل والخيرية والاخلاق والمروءة وعلى ما يقدمه الانسان لنفسه ولاسرته ولعائلته ولمجتمعه ولوطنه وللانسانية قاطبة . ان الاسلام دين التعايش السلمى لا يروع الامنين ولا يتعدى على أحد ولا يقيد حريات الاخرين ولا يحرمهم من نعمة الحياة المستقرة ,وينشر بينهم قيم روح التعايش والرحمة والرفق والايثار .ويصون حريات الاخرين, ويحسن النوايا لكل أرباب الملل والنحل .الاسلام يهدف الى تحقيق التعايش والسلام العالمى والامان لكل انسان. وبناء عليه فانه لا بد أن يسود حسن التعايش والسلام المحلى والعالمى, بين الآسر وبين الافراد وبين الجماعات وبين أبناء الوطن الواحد وبين الدول أيضا , حتى يعيشوا فى ظله امنين, وحتى تعيش الجماعة الانسانية فى أمن وأمان ,وتتفرغ الشعوب للعمل والانتاج وتحقيق الرخاء والسعادة للانسان كل الانسان على وجه هذه البسيطة .أملا فى تحييد ومنع أجواء الحروب الآهلية والتطاحن والحروب والقتال, وينبغى الا نقر الذين يتخذون من العنف وسيلة وطريقا الى تحقيق المارب ولا تبالى بالارواح التى تزهق والآموال التى تهدر والالام والآحزان والموارد التى تعطل, والجهود التى تضيع ومن المؤسف حقا أن كل فريق بما بما لديهم فرحون . والمسلم الحق هو الذى يحرص على حسن التعايش السلمى وعلى اشاعة الآمن والطمأنينة فى أرض الله وبين عباد الله ,والى الاحسان الى خلق الله, وفى ذالك يقول سيد الخلق والمعلم الاول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الناس عيال الله وأحبهم الى الله أنفعهم لعياله"" فينبغىالسير على هذا الهدى الحضارى , وفى هذا ينبغى أن يتدبر أولوا الالباب وأن يتنفاس أولوا الابصار وفى ذالك عبرة لكل من القى السمع وهو شهيد . ذالك ما أردته وما قصدته .