في أيام اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية ثارت موجة واسعة النطاق وممنهجة في الإعلام المصري الرسمي والفلولي لتصوير ميدان رابعة على أنه بؤرة للجريمة والإرهاب والتعذيب والدعارة "جهاد النكاح" المزعوم ، حتى أنك تتخيل أنهم يتحدثون عن أحد أحياء الجريمة والمافيا في أمريكا اللاتينية مثلا ، وكانت من الوقائع الشهيرة لإثبات اختطاف وتعذيب المعارضين لمرسي والمناهضين للاعتصام واقعة الشاب ، سايس الجراج ، الذي عثر عليه ملقى في الشارع بالقرب من الاعتصام وهو تحت التعذيب وقام المجرمون الخمسة الذين تم القبض عليهم بقطع أصابع يده الأربعة نكاية في تعذيبه ، وأذكر في ذلك الوقت أن أسبوعا كاملا من المناحات التي عقدت في قنوات فلول نظام مبارك وقنوات التليفزيون الرسمي للدولة عن الوحشية التي سقط فيها أنصار المعزول ضد "الأهالي" وهذا التعذيب الوحشي الذي يمارسونه مع المختلف معهم أو المعارض لموقفهم والتي وصلت إلى حد تقطيع أجسادهم وهم أحياء ، واستضافت قنوات كبيرة خبراء أمنيين لكي يعلقوا على هذه الجريمة ، كما استضافت خبراء في علوم النفس والطب النفسي لتحليل هذا الانحراف السلوكي لدى المعتصمين والذي يحولهم إلى وحوش بهذا الشكل ، كما عرضت الصحف المصرية "الفلولية" والقومية صفحات كاملة لهذه الجريمة وكانت مانشيتاتها شديدة السخونة وتدعو للغضب من تلك الجرائم الوحشية التي يرتكبها المعتصمون في رابعة وأنصار المعزول ومن ثم تطالب الدولة بسرعة التدخل واقتحام الميدان لانهاء مظاهر الجريمة ، وقامت الشرطة مشكورة بجهد كبير وقتها في ضبط المجرمين الخمسة من المعتصمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة ، وقامت بتسليمهم إلى "العدالة" حيث وجهت لهم النيابة المجتهدة تهمة الشروع في القتل وحيازة أسلحة بيضاء واختطاف مواطن وتعذيبه ، وهي تهمة عقوبتها قد تصل إلى أن يقضوا بقية أعمارهم داخل السجون ، وتمت إحالة المجرمين الخمسة إلى القضاء لكي ينالوا عقابهم المستحق . غير أن المفاجأة التي حدثت في أول جلسة من جلسات المحكمة ، كانت مزلزلة للجميع ، ومفاجئة للجميع ، ومحرجة للجميع أيضا ، حيث أدلى المواطن المجني عليه بأقواله تفصيليا أمام المحكمة ، وقال فيها أن القصة مختلقة من ألفها إلى يائها ، وأن هؤلاء المتهمين الذين ساقتهم الشرطة والنيابة أبرياء من دمه ومن تعذيبه ومن قطع يده وأنهم كانوا هم ملائكة الرحمة الذين أنقذوه من المجرمين الحقيقيين وقدموا له العون والمساعدة والعلاج قبل أن ينقلوه إلى المستشفى لإنقاذ حياته ، وقدم لهم الشكر على ما فعلوه معه ، وقال المواطن "الشريف" أن الشرطة هي التي لفقت الحكاية كلها من أجل حسابات تخصها هي ، وضغطوا عليه لكي يتهم هؤلاء الرجال المحترمين بأنهم عذبوه وقطعوا أصابعه وهو ما لم يحدث ، المفاجأة كانت مذهلة ، واضطرت المحكمة إلى تأجيل القضية لفترة طويلة نسبيا ، وكنت أتصور أن هذه الشهادة من المجني عليه أمام المحكمة كافية على الأقل للإفراج المؤقت عن المتهمين "الأبرياء" حتى الآن ، ثم الأبرياء بشهادة المجني عليه نفسه ، فالحبس الاحتياطي هنا على ذمة القضية غريب إلى حد كبير ، غير أن الأهم والعاجل في سياق هذه المفاجأة أن تتوفر لهذا المواطن الشريف والمجني عليه حماية كافية من المنظمات الحقوقية ومن القضاء حتى لا يقع تحت ضغط الجهة الأمنية للعودة عن شهادة الحق التي أدلى بها ، وكثيرا ما كان يحدث ذلك في السابق مع الأسف ، أيضا لا أعرف من الناحية القانونية ما هو وضع القنوات الفضائية التي أساءت إلى هؤلاء المواطنين الشرفاء من المعتصمين ، وكذلك الصحف التي شوهت صورتهم وأحطت من قدرهم بين الناس حسب التعبير القانوني والمؤكد أن هناك موقعة قضائية أخرى لتعويض هؤلاء الأبرياء ، غير أن الذي أعرفه من الناحية الأخلاقية على الأقل أن كل هذه الصحف وكل هذه القنوات الفضائية ملزمة ، بميثاق الشرف الإعلامي ، وميثاق الآدمية من قبله ، أن تقدم اعتذارها واضحا وكافيا لهؤلاء الأبرياء من المعتصمين في ميدان رابعة ، وأن تعترف بأنها خضعت للتضليل الذي أدى إلى تشويه صورة الشرفاء من أبناء الوطن .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1