(1) هل أضع يدك على بعض مصادر الفساد.. وأهم أسباب التحلل الوشيك، والانهيار الذى يطرق الأبواب بعنف..؟! إذن.. تعالَ معى ننظر فى هذه الشكوى كنموذج للعديد من الشكاوى التى تأتينى من قرّاء سُدت فى وجوههم كل الأبواب المشروعة دون الحصول على حقوقهم.. هذا هو نص الشكوى التي سبق ونشرتها صحيفة وأرسلها لي صاحبها أيضا : "بسم الله الرحمن الرحيم .. أنا دكتور / إسلام توفيق فهمي جاد الرب حاصل علي بكالوريوس الطب و الجراحه من جامعه اسيوط بتاريخ سبتمبر2008 بتقدير عام امتياز بنسبه 85.6 % و ترتيبي التراكمي 77 علي الدفعه و قد تقدمت في شهر فبراير 2010 باوراقي للتعين في الجامعه بدرجة طبيب مقيم في قسم العظام بجامعه اسيوط و علي الرغم من ان الجامعه قامت بتعيين اكثر من 160 طبيب من الدفعه الا اني فوجئت اثناء استلامي العمل يوم 1- 3 – 2010 برفض تسليمي العمل بحجة عدم وصول موافقة الجهات الامنيه علي تعييني علي الرغم من عدم وجود اي شيء يشير الي ضرورة الموافقه الامنيه عند استلام العمل في شروط مسابقة التعيين، و توجهت الي مكتب امن الدوله باسيوط للاستفسار عن سبب رفض تعييني بالجامعه فاخبرني ضابط بامن الدولة و يدعي وليد الشريف بانني ممنوع من التعيين بالجامعه و ذلك بحجة انني اثناء الدراسه كنت اشارك في المظاهرات و ذو توجهات اسلاميه و قال بالنص " انت بتشتغل مع الاخوان المسلمين .. و انا مش ممكن اسمح بتعيين و احد و هوه معارض للنظام " و حتي الان لم استلم العمل بالجامعه، رغم استحقاقي الكامل لهذه الوظيفه، بحجه الانتماء الفكري.. و بعد كل محاولاتي مع الجهات الامنيه للحصول علي تلك الموافقه الا انني ووجهت بالرفض و التعنت من قبل ظابط امن الدوله و رفضه المستمر لتعييني .. و قد قمت برفع قضيه علي الجامعه .. و بالطبع فان هذا الامر سيأخذ وقتا طويلا يصل الي اكثر من عام لاسترداد حقي .. و الجدير بالذكر انني لست الوحيد الواقع تحت هذا الظلم حيث يوجد بنفس دفعتي طبيبن في نفس المشكله و هما: دكتور / محمد عبد التواب – مرشح لدرجه طبيب مقيم بقسم الاشعة جامعه اسيوط متخرج بتقدير امتياز و ترتيبه التراكمي ال 20 علي الدفعه ..و دكتور / خلف عبد العال – مرشح لدرجه طبيب مقيم بقسم العظام ايضا متخرج بتقدير امتياز وترتيبه التراكمي 60 علي الدفعه فهل من المعقول بعد كل هذا العناء في سنوات كليه الطب و الاجتهاد المتواصل علي مدار ستة سنوات أحرم من التعين في الجامعه فقط لاني ذو توجه سياسي او ديني معين ..؟ هل من المعقول ان يضيع كل هذا الجهد و الكد و السهر بكليه من اصعب الكليات، فقط لرفض ظابط ما او جهة امنيه ما من الموافقه علي تعييني هل هذا هو العدل ؟؟؟؟!!!! (2) هذا هو مضمون الرسالة التى وصلتنى ، والتي سبق أن نشرتها المصريون ، واحترت فيها كما احترت فى أمثالها من قبل وقد لا حظت وجود العديد من هذه المشكلات المأساوية التى تُنشر فى الصحف دون أن يعيرها أحد من المسئولين المعنيين إلتفاتا .. وأقربها مانشرته صحيفة المصريون منذ أسابيع قليلة.. عن مجموعة من الشباب الذين تقدموا لوزارة العدل للتعيين فى وظائف إدارية شاغرة بالمحاكم، وبعد استيفاء كل الشروط والبيانات وتم تعيينهم، وذهبوا لاستلام أعمالهم قيل لهم ببساطة: لقد تم إلغاء تعيينكم.. فلما سألوا عن السبب قيل لهم: تقرير الأمن...؟! ليس مستغربا أنه لا يوجد فى منظومتنا السياسية جهة يمكن أن تنظر فى شكاوى الناس ومظالمهم وتسترد لهم حقوقهم المغتصبة كما يوجد فى الدول الديمقراطية المتقدّمة، الحريصة على العدالة .. فى نظام يعرف ب (أُُمبودْسمان) وهو أقرب شبه بنظام الحسبة فى التاريخ الإسلاميّ .. أقول: لا غرابة فى الأمر فمنظومتنا السياسية نفسها هى مصدر المظالم والشكاوى، ولا يمكن أن تفرز لمواطنيها سوى المظالم، وبطبيعة الحال هى لا تملك حلاّ ولا تفكّر فيه ولا تريده...! (3) يعنى نحن أمام معضلة لا منطق فيها ولاعدالة ولا أخلاق، ولا مساواة بين المواطنين فيما هو متاح من الفرص ، إنها معضلة تنتفى فيها تماما المصالح الحقيقة لهذا الوطن كماتعارف عليها البشر الأسوياء.. وأزعم أن هناك إضرارًا مؤكّدًا بمصالح هذا الوطن وهدْمًا لقيمه العليا.. قد تسأل: لماذا..؟! وأقول: أنت إذا استبعدت من الوظائف العامة أفضل المرشحين،الأكثر تأهيلا، والأكثر تفوقا والذى ثبت من نتائج تحصيلهم الدراسيّ فى الجامعة أنهم الأكثر طاقة ومثابرة على الدرس والفهم والاجتهاد، وهم الأكثر حماسا ورغبة فى العمل والانتاج، فأنت تكرّس بذلك، استقطاب الكسالى واللامبالين وتشجع الآخرين على أن يحذوا حذوهم.. فلا حاجة لهم ببذل الجهد ولا الحرص على العمل والتفوّق مادام لديهم وسائل أخرى للوصول إلى الوظيفة كالواسطة مثلا.. أو الانتماء إلى الحزب الحاكم ، أو الاجتهاد فى التصفيق والهتاف فى حفلات الحزب...! إلى آخر هذه الوسائل السهلة من ترسانة النفاق والمظهرية التافهة..! (4) الأشد نُكْرًا من كل هذا أن يتوقف تعيين الناس فى وظائف عامة لا على جدارتهم وأهليّتهم بل على تقرير أمنى يكتبه فى العادة ضابط أمن ، ربما استوحاه أصلا من مخبر فى الحارة، أو شبه طالب فى الجامعة يعمل جاسوسا على إخوانه الطلاب، ويصنّفهم على مزاجه ليرضى به رؤساؤه.. إذا كان العنصر الحاسم فى الحكم على صلاحية مرشح لوظيفة ما هو التقرير الأمنيّ فذلك أكبر دليل على فساد النظام الحاكم وخطره على الوطن والمواطن..! فإذا علمت أن هذا النظام قد التزم بهذا الأسلوب كسياسة عامة فى اختيار المرشحين لكل وظيفة ابتداء من وظيفة مؤدّى الشعائر بالمسجد صعودا إلى الإمام والخطيب والمدرس والمهندس والطبيب وأستاذ الجامعة فرئيس القسم والعميد إلى رئيس الجامعة.. فأنت أمام كارثة إنسانية فى مجتمع منكوب.. فلا تعجب بعد ذلك أن ترى المنظومات كلها منهارة ومتهرِّئة: وأقصد المنظومات التعليمية والدينية والأخلاقية، وجميع المنظومات الخدمية الأخرى الصحية والإدارية وغيرها...! (5) هنا ينبغى أن نسأل هذا السؤال: إذ كان تقرير الأمن له هذا السلطان والنفوذ الهائل فى دولة ما .. إذا كان هو الشرط الأساسي للتعيين فى أي وظيفة فهل يستطيع النظام الحاكم أن يعلن صراحة هذه الحقيقة ويجعلها معروفة للجميع بطريقة رسمية..؟! والإجابة البديهية هى: لا.. لا يستطيع نظام حكم فى هذا العالم مهما بلغ من البلاهة والبجاحة أن يعلن هذه الحقيقة ... لماذا...؟! لأنها فضيحة بكل المقاييس..إنها عملية استبعاد منهجية لكل شخص ولأى فئة من فئات المجتمع ترى السلطة الحاكمة حرمانها من حقوقها الشرعية ، بدون مبرر قانوني، وهذا هو أسلوب كل الأنظمة البوليسية الدكتاتورية سواء كانت فاشية نازية أو شيوعية أو غير ذلك من الأنظمة الشمولية التى عرفناها فى التاريخ ، والتى دأبت على استبعاد وتصفية كل معارض أو صاحب فكر مخالف لفكر النظام الحاكم.. فإذا كان الله قد منح الإنسان نعمة الفكر والاختيار، وأنعم عليه باللسان والكلام والقراءة والتعبير، والحق فى اتخاذ موقف مستقل وفقا لفهمه واقتناعه الخاص.. فإن الأنظمة البوليسية تلغى كل هذه المنح والنعم الإلهية وتجعل منها كلها جرائم يعاقب عليها القانون.. وتحرم أصحابها من حقوقهم فى تولّى وظائف بالدولة.. فلم تعد الوظيفة حقا لكل مستحق لها بحكم جدارته وتأهيله.. وإنما هى منحة تمنحها السلطة لمن تشاء وتمنعها عمّن تشاء بلا حساب ولا قانون ولا مساءلة...! (6) لقد ترتب على اعتبار الوظيفة منحة يمكن التلاعب بها، لا حقًًّا يُؤخذ بشروطه المشروعة إلى إهدار قيمة العقد القانوني.. وهذه نقطة أخرى بالغة الأهمية لا يلتفت إليها الكثير من الناس؛ فصدور قرار من الجهة المعنية بتعيين أو قبول ترشّح شخصٍ ما فى وظيفة هو عقد قانوني بين طرفين: الجهة المعنية وطالب الوظيفة المستوفى للشروط المعلنة.. ولا قيمة على الإطلاق لأى شروط أخرى غير معلنة ولو كانت تقرير أمن، فأى شرط غير معلن ساقط الأهلية وغير قانوني، ولا يمكن الاعتداد به أمام القضاء.. وقد تحتاج هذه النقطة بالذات إلى مقالة مستقلّة... (7) لطالما أرّقتنى فكرة أن ينتهى الأجل فى المستشفى الذى أُدخلت إليه فجأة ثم تحوّل الأمر إلى عملية جراحية أستؤصل فيها جزء من المعدة.. خشيت أن ينقضى الأجل قبل أن أبلِّغ هذه الشكوى إلى الناس.. وقد آليْت على نفسى أن أبلِّغها إليهم.. لقد شرعت بالفعل فى عرضها والتعليق عليها منذ بضعة أسابيع حتى فوجئت بما فوجئت به فتوقفت عن الكتابة مُكرها مقهورا .. أما الآن وقد تخففت من هذا الواجب الإنساني .. فإننى أشعر بكثير من الارتياح .. فأحمد الله على ذلك حمدا كثيرا.. وأبرأ إليه من كل ظالم غليظ القلب، معدوم الضمير، أبرأ إليه سبحانه من كل { منّاع للخير معتدٍ أثيم ، عُتُلٍّ بعد ذلك زنيم}، يهدر حقوق شباب هذه الأمة ويدفعهم إلى اليأس