100 سوري تم ترحيلهم بعد 30 يونيه إلى تركيا ولبنان.. و280 معتقلا بالقاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح "شقلب": الداخلية تصطاد السوريين.. "المالح": بعضنا تورّط مع الإخوان.. و"السعيد": الأزمة الأمنية تفرض "تعميمًا مؤقتًا" تبدل حال السوريين في مصر بشكل ملحوظ بعد انفجار غضب المصريين في الشوارع يوم 30 يونيه، ومطالبة الملايين في ميداني التحرير والاتحادية بعزل الرئيس محمد مرسي وإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، فقد سقط الرئيس الذي طالما أعلن دعمه وتأييده للثورة السورية وطالب أجهزة الدولة بتقديم تسهيلات غير مسبوقة للوافدين من سوريا ومساواتهم بأشقائهم المصريين إلى حد شعر معه اللاجئون من الجنسيات الأخرى بغيرة شديدة لتمييزهم عنهم، إلا أن الأمر لم يستمر كذلك بعد 30 يونيه وربما قبله بأيام، فقد صاروا بحسب رواياتهم يشعرون بالغربة والخوف والاضطهاد، وتحولت غيرة البعض منهم إلى شعور بالشفقة. وتبين أن الأزمة التي يعيشها الإخوة السوريون في مصر لها شقان أساسيان متشابكان إلى حد كبير ويقع "الإعلام" بينهما قاسمًا مشتركًا، أما الشق الأول فهو "اجتماعي" شاركت نسبة من الشعب المصري في صناعة الأزمة من خلاله، وثانيهما "أمني" تلعب فيه الأجهزة الأمنية الدور الأكبر، وأحدهما تنعكس آثاره على الآخر، وتتحكم في درجة تعقيده وسائل الإعلام لما لها الآن من سطوة وحضور طاغٍ داخل البيوت المصرية. ورغم تأكيد الخبراء من الجانبين عدم استمرار الأزمة وتحميلهم المسئولية كاملة للرئيس المعزول وبعض وسائل الإعلام، إلا أن هناك أسرًا سورية كاملة أضافت إليها المتغيرات الحالية في مصر آلامًا جديدة وثقيلة، بدءًا من الشعور بالاضطهاد والظلم، مرورًا بالخوف والقلق من الاعتقال والترحيل، ووصولاً إلى ترحيل الأبناء والآباء والأشقاء. ويقول الأب السوري محمد شعبان إن ولديه، بسام 19 عامًا، ويحيى 15 عامًا، تم ترحيلهما إلى تركيا بأمر من السلطات المصرية بعد توقيفهما أثناء عودتهما من العمل إلى المنزل بمنطقة العبور ليلاً واعتقالهما بسجن القناطر دون اتهام واضح أو تحقيقات، موضحًا أن ولديه كانا يعودان يوميًا في التوقيت نفسه دون أن يتعرض لهما أحد. وأكد الأب أن بسام ويحيى لا علاقة لهما كباقي العائلة بالأحداث الجارية في مصر، ولا يشاركان بأية فعاليات سواء مؤيدة أو معارضة، مستنكرًا إبعاد نجليه عن أسرتهما التي تعتمد عليهما بشكل أساسي دون أن توجه لهما أي تهمة، وترحيلهما إلى بلد غريب تمامًا عنهما دون ذنب، قائلاً: لم نكن نشعر بغربة في مصر.. نحن الآن خائفون وغرباء ومنبوذون دون سبب. الموقف نفسه واجهه منذر جنن، حيث تم ترحيل نجله محمد 19 عامًا، كذلك إلى تركيا بعد اعتقاله في كمين تابع للجيش بمنطقة العبور وهو عائد من نادي "بلازا" مع أصدقائه يوم عطلته، وتم الاشتباه في كونه غير مصري، فطلب الضباط جواز سفره الذي لم يأخذه معه في ذلك اليوم ورفضوا أن يعطوه فرصة للاتصال بأسرته لإحضاره واقتادوه مع رفاقه إلى سجن القناطر دون إخبار أحد من ذويه. وأضاف والد محمد أنهم ظلوا يبحثون عنه عدة أيام حتى سمحت له إدارة السجن بالاتصال بهم وإبلاغهم بضرورة حجز تذكرة الطيران إلى أي بلد يختارها، وبالفعل تم ترحيله إلى تركيا، مشيرًا إلى أنه لم يسمح لهم بزيارته داخل السجن قبل ترحيله، مبديًا استياءه من تحول موقف الحكومة المصرية من وجود اللاجئين السوريين إلى حد أصبح فيه قرار "الطرد" سهلاً ودون أي سبب حقيقي. أما هنادي الخياط، 31 عاما، فقد تم توقيف زوجها بعد الإفطار خلال شهر رمضان وهو في طريقه إلى عمله الذي يبدأ في المساء بأحد مقاهي مدينة نصر، حيث طلبت قوة أمنية من سيارة الميكروباص التوقف، ومن غير المصريين النزول للتفتيش، وتم اعتقاله من وقتها لعدم تجديد الإقامة، قائلة إنه لم يكن أمرًا ذا أهمية قبل 30 يونيه، وأن السوريين كانوا يعاملون وكأنهم في بيتهم. وأوضحت أنها ظلت تبحث عن زوجها في المستشفيات وأقسام الشرطة حتى اتصل بها بعد عدة أيام وأخبرها بأنه محتجز بسجن الشروق دون تهمة أو تحقيق وأن محامي المفوضية أخبره وباقي المعتقلين بأنهم يسعون لمنع ترحيلهم. وقالت هنادي بأسى: "ماذا سأفعل أنا وأطفالي إن صدر قرار بترحيل زوجي ونحن نحيا هنا بالكاد، ولماذا تقسو مصر حكومة وشعبًا على أبناء شقيقتها التي طالما جمعها معها مصير واحد وتاريخ واحد؟!" ا. ب ، 29 عامًا، مصمم أزياء وأحد السوريين المحتجزين بقسم الشروق واستطاع أن ينقل إلينا المشهد عن قرب من داخل السجن، حيث أكد أنه تم اعتقال 35 سوريًا في يوم واحد بشكل عشوائي تمامًا بكمين العبور الذي يبعد قرابة 20 كيلومترًا عن اعتصام رابعة العدوية، وتم إطلاق 31 منهم حتى الآن، صدر ضد غالبيتهم إن لم يكن جميعهم قرار بالترحيل، وتبقى 4 معتقلين هو أحدهم دون تهمة محددة أو محضر أو تحقيقات نيابة. وقال إنه لم يشارك أو يتواجد في مكان اشتباك أو تظاهرات، ولكنه كان في طريقه إلى تاجر أقمشة يتعامل معه بعد حضوره إلى مصر منذ ما يقرب من 7 أشهر. وأكد فايز زغلول، أنه يشعر بالخجل من والد أربعة سوريين أوصاه بهم خيرًا حين أرسلهم إلى مصر فرارًا من القتل والعنف في سوريا، حيث لم يستطع حمايتهم أو منع ترحيلهم الذي أجبرتهم السلطات المصرية عليه عقب توقيفهم بأحد الأكمنة وهم عائدون من عملهم، ومن بينهم طفل لم يتجاوز عمره 14 عامًا وتم إيداعه بسجن المرج بينما اعتقل الآخرون بسجن القناطر. على جانب آخر، نفى ربيع محمد، الصحفي والناشط الحقوقي السوري وجود احتقان عام في الشارع المصري ضد السوريين بشكل خاص، موضحًا أن غالبية السوريين المقيمين بمصر يدركون أنها تمر بفترة شديدة الحساسية من الناحية الأمنية والاجتماعية كذلك، وهو ما ينعكس على الجميع وليست مجموعة دون الأخرى، مؤكدًا أن الأعلام السورية التي ترفع في الميادين المختلفة يحملها مصريون تضامنًا مع الثورة السورية منذ اندلاعها، إلا أنه طالب بتطبيق القانون على أي سوري يثبت مشاركته بأعمال تخريب أو تظاهرات نتج عنها عنف مثله مثل أي مصري. ووجه لومه إلى الحكومة الانتقالية في المقام الأول، قائلاً: إنها سمحت لبعض وسائل الإعلام "المشبوهة" ببث الفتنة وشحن البسطاء ضد أشقائهم السوريين عن طريق إشاعات ليس لها أي أساس وأخبار مفبركة لا يعلم مصدرها والهدف منها إلا الله. من جانبه، أكد هيثم المالح، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية والمعارضة بمصر، والملقب ب"أبو المعارضة السورية"، أن الائتلاف أصدر بيانًا قبيل أحداث 30 يونيه ناشد خلالها السوريون في مصر عدم المشاركة بأي فعاليات والابتعاد عن أماكن التظاهرات وكذلك عدم السماح بزجهم إلى المشاركة في أي أعمال عنف أو شغب. ولم ينف المالح تورط بعض السوريين عن طريق مشاركتهم بتظاهرات أو فعاليات نتج عنها عنف وتخريب، مؤكدًا أن هؤلاء لا يمثلون الشعب السوري وليسوا فوق القانون ولابد أن يتم التحقيق معهم ومعاقبتهم حال إن ثبتت إدانتهم. واستنكر أبو المعارضة السورية في مصر ما وصفه ب"التجييش الإعلامي" ضد السوريين عن طريق الترويج لإشاعات مسمومة وإذاعة أخبار كاذبة أو تسليط الأضواء على حوادث فردية لشحن الشارع المصري ضدهم ما أدى إلى تعرضهم إلى مضايقات من "قلة" أكد أنهم كذلك لا يمثلون الشعب المصري، مؤكدًا أنه تلقى اتصالات من مسئولين وشخصيات بارزة في المجتمع المصري للاعتذار عما بدر من البعض وتوضيح الصورة. وقبل ترحيله إلى تركيا، أبدى معتز شقلب، الناشط السوري، عضو المجلس الوطني السوري في مصر، وأمين عام تيار الكرامة الوطني، بنبرة غضب شديد عن استياءه مما يلاقيه السوريون في مصر بعد 30 يونيه، حيث أكد أن بعضهم لا يستطيع الخروج من المنازل، قائلاً: "أوشكت أن أطلب من جميع السوريين مغادرة مصر بلا رجعة". وقال إن الأجهزة الأمنية في مصر تشن حملة ل"اصطياد" السوريين عن طريق اعتقالات وترحيلات عشوائية، حيث يتم اعتقالهم في أوقات متفرقة بشكل غير قانوني، فلا تهم توجه إليهم ولا محاضر ولا تحقيقات، مؤكدًا أن من بين المرحّلين من ترك أسرة كاملة وراءه هو عائلها الوحيد.
وأضاف شقلب أن المجلس يقاضي حاليًا بعض الإعلاميين الذين شاركوا في هذه الحملة وعلى رأسهم مذيع قناة التحرير محمد الغيطي الذي أهان السوريات وأشاع كذبًا أنهن يذهبن إلى رابعة لممارسة الرذيلة مقابل خمسين جنيهًا. وفيما يخص الشق الاجتماعي، أكد خبراء وباحثون في علم النفس والاجتماع أن هذا التحول "نسبي" من بعض فئات الشعب المصري، ويرجع إلى استخدام الرئيس المعزول محمد مرسي للقضية السورية كما كانت جماعته تستخدم القضية الفلسطينية قبل توليها حكم مصر لكسب تعاطف وثقة وتأييد الشعب الذي يحمل بفطرته مشاعر طيبة وحقيقية تجاه الشعبين السوري والفلسطيني. وأشاروا إلى أن مبالغة الرئيس "مرسي" في ذلك لإرضاء التيار الإسلامي ودعوته إلى الجهاد بسوريا وما أشيع عن محاولته توريط الجيش المصري في الحرب هناك جعلت نسبة كبيرة من المصريين تربط بينه وبين الإخوة السوريين بشكل سلبي، خصوصًا مع ما تناقلته وسائل الإعلام من أخبار ومعلومات تفيد بمشاركة بعضهم في مظاهرات داعمة له ورافضة لعزله. وأكدوا أن هذه النسبة المشحونة سلبيًا من الشعبين لا تذكر في مقابل الأعداد الحقيقية، وأن تاريخ البلدين الذي يعرفه البسطاء من الشعبين يطمئن أن هذه المرحلة "عارضة" وطارئة لظروف فرضت على أحدهما أن يتحفز لأي تهديد محتمل. أما عن الشق الأمني، فقد شدد اللواء محمد قدري سعيد، الخبير الأمني، ومستشار الشئون العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ضرورة مراعاة الأزمة الأمنية التي تعيشها مصر في هذه الأيام، والتي تفرض نوعًا من التعميم قد يخرج في صورة حملات عشوائية كتلك التي يتعرض إليها السوريون والتي غالبًا ما تكون مؤقتة. وأكد قدري أن حالة الانتباه الشديد من الأجهزة الأمنية بعد 30 يونيه والتشديدات الأمنية على دخول السوريين وغيرهم "مشروعة" ولا يمكن أن ينكرها على مصر أحد في ظل الظروف غير المستقرة حاليًا، مرجحًا أن تكون هناك معلومات توفرت للأجهزة الأمنية تفيد بتورط بعض السوريين القادمين إلى مصر وتنسيقهم مع قيادات بجماعة الإخوان المسلمين لأعمال تضر بالأمن القومي المصري وهو ما دفع السلطات إلى تشديد إجراءات الدخول وشن هذه الحملة الأمنية. ومن جانبها توفر مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين في مصر الحماية للسوريين بشكل خاص عن طريق طاقم من المحامين للدفاع عن المعتقلين، وأكد الممثل الإقليمي لها في مصر، السفير الدايري أنها تتواصل مع الجهات الأمنية المعنية بشأن قرارات الترحيل والاعتقالات، مؤكدًا أن المفوضية تعمل على منع ترحيل الجميع إلى سوريا والتأكد من ذلك، وأنها تتفهم وتقدر الظروف الأمنية شديدة الحساسية التي تمر بها مصر بعد 30 يونيه وتجبرها على مثل هذه الإجراءات. جدير بالذكر أن السلطات المصرية قامت بترحيل ما يقرب من 100 لاجئ سوري، واعتقلت ما يزيد على 280 منذ أحداث 30 يونيه، وتؤكد مصادر رسمية وحقوقية معنية بشئون اللاجئين أنه تم الاستدلال على 35 معتقلاً في مرسى مطروح من أصل 150، بينما لم يتمكن المحامون من التأكد من احتجاز 115 تم توقيف غالبيتهم خلال ساعات حظر التجوال الذي فرضه الحاكم العسكري في أعقاب فض اعتصامات الإخوان وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي ويتم احتجازهم بدون سند قانوني، وأضافت المصادر أنه تم اعتقال 60 سوريًا في سجون الشروق والمرج والقناطر واحتجاز غيرهم بقسم قصر النيل ووضعهم قيد التحقيق أو الترحيل، كما تم ترحيل جميع المعتقلين السوريين في سجن الدخيلة بالإسكندرية وعددهم 40، بينما يستمر اعتقال 32 آخرين في سجن الجمرك.