أَصْدرت جامعة الدول العربية قرارًا يدعم البدْء بمفاوضات مباشِرة بين قيادة سلطة رام الله والعدو الصهيوني, بعدما استنفذَت مدة المفاوضات غير المباشرة دون تحقيق نتيجة على الأرض, حيث استمرَّت عمليات التوَسُّع الاستيطاني, وتواصلت الحرب الصهيونية التي تستهدف تهويد مدينة القدس المحتلَّة, واستهدفت الآلة الصهيونية القمعِيَّة الأسرى في السجون الصهيونية, حتى وضعَتْ في زنازينهم الضيقة كاميرات ترصد كل حركة وتعدُّ عليهم أنفاسهم, وأمام هذا الصَّلَف الصهيوني والعربدة اللامحدودة إلى حد إبعاد المواطنين عن بيوتهم وأراضيهم في القدس -وآخرهم النوَّاب المقدسيون- فلقد أظهر تقرير لمركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن عمليات الإبعاد للفلسطينيين عن القدسالمحتلة قد طالتْ منذ العام 1967 وحتى منتصف يونيو 2010، ما مجموعُه 14371 عائلةً مقدسيَّة، يصِلُ عدد أفرادها مجتمعةً نحو 86 ألفًا و226 مواطنًا، بمعدل 6 أفراد للعائلة الواحدة، لافتًا إلى أن العام 2008 شَهِد أكبر عدد من سحب الهويَّات, وتعتبر هذه الإجراءات من الحرُوُب غير المعلَنَة في معركة تحديد مصير مدينة القدس وسْطَ غياب التحرُّك الجاد للأمة وسقوط الفريق الرسمي فلسطينيًّا وعربيًّا في مُسْتنقع الوَهْم الأمريكي الصهيوني المُسَمَّى عملية السلام. جاء قرارُ جامعة الدول العربية بالموافقة على البدْء بالمفاوضات المباشرة, في ظِلِّ المشهد العدواني الصهيوني, الذي لا يهدِّد فلسطين وحدَها بل تصاعدتْ نبرةُ التهديد الصهيوني مؤخرًا لتصِلَ إلى لبنان الرسمي والشعبي والمقاوم بلا استثناء, وهل هذا القرارُ بمثابة إعلان هزيمة أمام العدو الصهيوني, الذي لم يُعِر أيَّ اهتمامٍ لمطالبات الأطراف الرسميَّة العربية، والتي من خشيتها من انهيار التسوية تطالب الإدارة الأمريكية بإلزام العدو الصهيوني بتجميد الاستيطان ولو لفترة زمنيَّة محدَّدَة, من أجل حفظ ماء الوجه لطواقِم الاشتباك التفاوضي في فنادق خمس نجوم, والتي استمَرَّت جولاتُها لأكثرَ من عشرين عامًا دون جدوى!! كنا نتوقَّعُ أن تعلن جامعة الدول العربية قرارًا تعلن فيه النصرة لأهالي قرية العرقيب التي أبادتْها الجرَّافات الصهيونية بالكامل, قبل صدور قرار الجامعة العربية المشئوم بيومٍ واحِد, كنا نتوقَّع من جامعة الدول العربية تحرُّكًا يُوقِف العَبَث الصهيوني بمسْرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, كُنَّا نترقب قرارًا عربيًّا من جامعة الدول العربية يكسر الحصار عن قطاع غزة قبل أن تسوءَ وجوهُهم, قوافل المنتفضين من أجل معاناة غزة من عرب ومسلمين وأجانب يتحدّون كل المخاطر ويواجهون الموت؛ من أجل إيصال معاناة أطفال غزة ومرضاها لكل بُقعة على وجه هذه الأرض. على ما يبدو أن عجز النظام الرسمي العربي قد وصل إلى مرحلة الفضيحة المدويَة، التي لا تنفع معها وسائل التجميل, فالقبح قد سيطر على المشهد المخزي لنظامٍ يتهاوى أمام مجموعة مارقين وعصابة من اللصوص ومصَّاصِي الدماء الصهاينة, فهل نستدعي مصطلحات الشاعر مظفر النواب لتفضحَ سلوكَكم الخارج عن الطبائع العربية, فهل أصبح قبول الظلم والعربدة الصهيونية في قاموس جامعة الدول العربية من التكتيك السياسي؟! وهل بات العرب متمسكين بخيارهم الاستراتيجي "السلام" الذي يُورِث الذُّل والمهانة وكأنه لا فكَاك منه, وهل أصبحت المشاركة في خنق المرضى وقتل الأطفال في غزة ضرورةً من أجل إتْمام المصالحة ووحدة الصفّ كما يَهذي مسئولو تلك الجامعة. لقد تدخَّلت جامعة الدول العربية في الشأن الفلسطيني الداخلي, وهي بهذا القرار وغيره توسِّع شقة الخلاف داخل البيت الفلسطيني, الذي هو بحاجة أكثر من أي وقتٍ إلى الوحدة لمواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني, لذا نرى أن وقوف الجامعة العربية بات مكشوفًا في اتجاه دعْم فريق التسوية والتنسيق الأمني, علمًا بأن غالبية الشعب الفلسطيني وفصائله ضد خيار التفاوض العَبَثِي, والذي يقودُه فريقٌ ربط مستقبله الشخصي والاقتصادي بل والسياسي رهن عملية التسوية, فهم مستفيدون كما العدو الصهيوني في استمرارية هذه الحالة، العبث التفاوضي, وجُل ما يطلبونه غطاءٌ عربي لتبرير هذا الانهيار, وعلى ما يبدو أن جامعة الدول العربية لم تقصرْ في هذا الأمر, فبعد تمديد ولاية الرئيس محمود عباس مُنتهي الصلاحية, ها هي بهذا القرار المشئوم تُعطي الشرعية لعودة المفاوضات المباشرة في ظِلِّ العربدة الصهيونية. ما نعلَمُه يقينًا أن هذه المفاوضات لن تجلب لنا إلا الكارثة, ومزيدًا من ضياع الوقت، بل إنها في هذا الوقت بالذات توفِّر الغطاءَ للصهاينة؛ لممارسة كل جرائمِهِم، بل أن القرار هو مساهمةٌ فلسطينية وعربية مجانية لتجميل صورة الكيان الصهيوني بعد جريمة أسطول الحرية. ولعلَّ ما يوضِّحُ لنا خطورةَ هذا القرار المشئوم أن رئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياهو ووزير حرْبِه الإرهابي باراك كانا أول مَن رحَّب بهذا القرار!! المصدر: الاسلام اليوم